طبعا، إذا كان القرار في صالح الداعين للرقابة، وذلك ما يتوقه العديد من المحللين، لن يتردد العديد من السياسيين، وخاصة من النهضة، الحزب الحاكم، ترديد مبدأ حرية القضاء لدفع المسوؤلية؛ ولن يكون ذلك منهم إلا من باب سوء النية والتصرف السياسي البالي الذي جاءت الثورة للقطع معه.
نعم، إن حرية القضاء من مطامح الثورة ومبادئها، ولكن من الخور الاعتقاد أن هذه الحرية ضمنت بعد بالبلاد، فذلك مما يتطلب الوقت الطويل والتجارب العديدة؛ ولعل الفرصة السانحة اليوم لمن هذه التجارب القيمة التي تدعم التوجه نحو القضاء المستقل إذا كنا حقا نبتغيه.
فلن يخفى على الشعب، إذا جاء قرار محكمة التعقيب ليكبت الحريات على الأنترنت، بأن القرار من وحي سادة النهضة، بل من توكيداتها. ولن يفيد ذلك، إذا حصل، قضية الحريات في تونس كما هو بين بالطبع، ولا قضية الأخلاق التي سيرتكز عليها ولا محالة، إذ الحريات ستبقى مطمح الشباب وكل الشعب، ولا قامع لإرادة الحرية، إنما المؤسف أن يتم ذلك في أسوأ الظروف وعلى حساب مبدأ من مباديء الإسلام الهامة الذي سيساء فهمه عندها لا محالة.
وهذا المبدأ هو التفريق في الإسلام بين ما هو خاص وما هو عام، بين الحياة الشخصية للأفراد وحياتهم العامة، وهو من المباديء الأساسية رغم أنف السلفية. فالمسلم حر في ارتياد أي موقع من مواقع الإنترنت، حتى الإباحية منها، مادام ذلك يقع على مستواه الخاص ومسوؤوليته الشخصية كإنسان حر قادر على التمييز بين ما فيه وما ليس فيه صلاحه.
لأن إيمان المسلم الحق هو إيمان حر لا إيمان إضطراري، أي أنه إذ يبرهن مثلا على تعلقه بالأخلاق الإسلامية فلا يأتي منه ذلك بمنع كل ما من شأنه أن يسيء إليها، كالمواقع الإباحية مثلا، بل بعدم ولوجها عن قناعة مع توفر الإمكانية في ذلك. فهذا هو الإسلام الذي نبتغيه في بلادنا، لا إسلام التزمت والكبت والحرمان. ذلك أن منع الشيء يؤدي إلى ازدياد الرغبة فيه بينما وجوده من شأنه التدليل علي صحة النية وسلامتها.
ثم إن الله هو وحده الذي له أن يقيّم التصرف البشري الشخصي، هو وحده بعد ضمير الشخص نفسه، فكيف يمكن لهذا الضمير أن يتكلم بطلاقة ويدل على النهج السوي إذا انعدمت الإغراءات وزالت فرص الإمتحان ووسائله؟وكيف تكون مجاهدة النفس، وهو الجهاد الأكبر في الإسلام، إذا لم تتوفر الفرصة _ لا بل الفرص _ لذلك؟
وبعد، فإن الله عندما يطلب تغطية ما من شأنه استفزاز مشاعر المؤمن، فذلك لوجود مثل هذه المشاعر في نفس الإنسان، ولأن أقل شيء من شأنه أن يستفزها ويلهيها عن المجاهدة لما هو أعظم. وكذا كان الحال في عصر الرسول، حيث كان الزمن أقل إباحية من اليوم وأكثر حياء، وليس ذلك بالضرورة نتيجة لظهور الإسلام.
أما اليوم، وقد تغيرت الأحوال، فالوصول إلى نفس الغاية، ألا وهي تنقية النفس وتزكيتها، لا يكون بانعدام ترويض النفس على التغلب على نوازعها ومقاومتها بل بتوفر ما من شأنه تمكين المرء من العمل دوما على التريض والمجاهدة. عندها، وعندها فقط، يكون إيمان المؤمن لا عن قناعة فقط بل وعن قوة في النفس وصفاء في السريرة لا يؤثر فيهما شيء. وهذا تمام العقيدة.
ولنأخد على ذلك مثلا : فما الفائدة من التبجح بعدم شرب الخمرة إذا كانت منعدمة؟ ألا يكون الإيمان أكبر إذا انعدم شرب الخمر في مجتمع لا يعدم فيه الخمر ولا يمنع شربه، بل وفيه كل المغريات لشريه؟ ألا يكون عندها الإمتناع عن شرب الخمر بالحقيقة تمسكا بالدين لا مراآة ولا نفاقا؟
قس على ذلك موضوع الإباحية. فماذا يعني عدم ولوج مثل تلك المواقع إذا انعدمت؟ هل لحال كهذه من البيان حقا ما يمكن اعتماده علي صدق السريرة وخلاص النية؟ ثم، أنعدم ما أوجده الله كامتحان للمسلم للتعرف على صدق إيمانه؟
لمثل هذه الأسباب ولغيرها مما لا يصعب التفكير فيه للتروي، أتمنى أن يغلب أصحاب القرار اليوم في تونس العقل على العاطفة حتى تكون بلادنا بحق محجة للإسلام الصحيح، ويكون الإسلام فيها إسلام الإنسان الحر الذي لا تشوب إيمانه شائبة من كبت أو تعقيد نفسي، ويكون تأويل النصوص فيها ذاك التأويل العقلي الذي يجعل إسلامنا دين مابعد الحداثة !
نعم، عندما يقول الشيخ راشد الغنوشي في كتابه الأخير : «أن المستقبل للإسلام، أن المستقبل للحرية، أن المستقبل للشعوب.. المستقبل للحق وللعدل»، فهو بحق كذلك شريطة أن لا يكون الإسلام ما نراه اليوم، في واقع بعض البلاد التي تدعي الإسلام أو في فكر من يدعي الانتماء إلى الإسلام، من إسلام قطع اليد، وإسلام ختن البنات وإسلام شنق المثليين وإسلام تعدد الزوجات وإسلام تحريم التبني وإسلام إهدار دم المرتد وإسلام تكفير كل بدعة، وما إلى ذلك من ممارسات ليس لها من الإسلام الحق إلا المظهر الذي، بتقادم الزمن، قتل الروح الثورية التي جاء بها دين محمد، دين الحنيفية السمحة.
إن إسلام الغد، إسلام ما بعد الحداثة، لهو الإسلام الذي تعلو مبادؤه عن الأوضاع الآنية للبشر لتصبح بحق أزلية، بمعنى صلوحيتها لكل زمان ومكان لعلميتها وتأقلمها مع الذات البشرية، كل ذات بشرية، في أهم مميزاتها وأخصها. وذلك لا يكون إلا بالعودة إلى مبدأين أساسين في الإسلام تنصهر فيهما بقية كل المباديء على أهميتها، ألا وهي، أولا، إعمال العقل في كل أمور الدنيا وترك أمور الدين لله وحده لعلاقته المباشرة بخلقه، ثم ثانيا، القول بكونية الإسلام وذلك باعتماد مبدأ أن المسلم هم مؤمن قبل كل شيء، وأن الإيمان أعلى درجة من الإسلام لأنه توحيد، والتوحيد لا يقتضي التقيد بشعائر دون أخرى ولا بشعائر الإسلام دون غيرها، بل يقبل شعائر سائر الأديان الموحدة، فيكون إسلامنا بحق دين كل موحد لأنه خاتم الأديان، وذلك حتى وإن اختلفت الرؤى في تفسير مفهوم التوحيد وتأويله. فالرأي الأخير يبقى لله وحده الذي هو الأعلم والأقدر على كل شيء، فيعاقب أو يعفو ورحمته أوسمع للجميع، وخاصة للمخطيء، وبالأوكد للذي اجتهد الحاصل على الأقل على أجر الإجتهاد، وذلك مما لا يجب أن يستهان به ولا أن يقلل من شأنه.
ولكن من المؤسف أن نقرأ للشيخ الغنوشي قوله في نفس السياق السابق (ولعل ذلك مما يؤكد صحة قوله في موضع آخر : «نحن تعلمنا من غيرنا ولا نزال مستعدين لأن نتعلم»، وهو مما يكتب له ولا محالة) : «هذا الكون لم يخلق ليكون مقمرة ولا ليكون مركز دعارة، ولا ليكون موبأة فساد وساحة تظالم…».
فهنا يكمن هذا الغائب الحاضر في الفكر الإسلامي الحديث، وهو ذلك الارتفاع الذي تصبو إليه الحركة الإسلامية التونسية إلى مستوى علمي وكوني مع عدم الرغبة الحقة أو القدرة الذهنية على كسر القيود التي تشد إلى الأسفل، وتلك الأغلال والقيود تتمثل في هذه النظرة التهذيبية المفرطة، التي من شأنها أن تؤدي إلى حد القمع الإهابي، إذ هي في تجردها عن الواقع وحقيقة الذات البشرية (رغم أن الإسلام فهمها وتحدث عنها بكل بلاغة، ذاكرا ما يميّزها من سمو ومن انحطاط) تنحو إلى تغليب ما تراه من شيطانية في التصرفات الإنسانية على ما يجب أن يترك للقدرة الإلهية من عظيم الرحمة، وتلك المغفرة التي تتسع للجميع، حتى للأعمال الشيطانية ما دام باب التوبة يبقى على الدوام مفتوحا.
ولكن كيف نترك المجال مفتوحا لتوبة العبد المخطيء وللغفران الإلهي إذا عمدنا إلى إعدام كل مخالف لنا فحرمناه من إمكانية التوبة، بل من حقه في غفران الله لذنوبه أيا كان حجمها، مادام إيمانه بتوحيده لا شك فيه؟كيف تبقى للمسلم حرية التوبة إذا انعدمت حرية الإثم؟ وكيف يكون المسلم ذلك الإنسان الحر الذي لا يعترف بعبودية إلا لله إذا تعبده عباد مثله فقيّدوا حريته و تأمّروا على تصرفاته وتأمروا على حرياته؟
ولنا للحديث بقية…
Nous n’avons pas un clavier arabe pour dire ici qu’il s’agit d’un faux-débat, manichéen, piégé, voulu en hauts lieux.
C’est beaucoup plus complexe que la “liberté” dont parle cette criminelle de guerre Hitlery Clinton qui vient demain à Tunis. On a vu en Afghanistan, en Irak et en Libye.
L’Islam a vécu 1400 ans sans pornographie (pour commencer, le terme est faux puisque les images sont maintenant animées) imbibant tous les recoins de la vie quotidienne (c’est de ça qu’il s’agit, de rapports sexuels en tout genre et à toute heure, en couleurs et en très haut débit, et pas d’une simple statue de Vénus).
Il est normal que l’Islam résiste à cette invasion (comme tous les Etats protégeant leur projet de société (Cuba, le Vénézuela, la Chine, etc., le font).
Ce combat ne devrait pas être laissé aux “islamistes” seulement. La Gauche prolétarienne, les Nassériens, les Ecologistes, les Che Guevaristes, devraient s’opposer de la même façon et soutenir les “islamistes” dans ce NON qui doit être le plus large possible.
Voir l’article:
http://nawaat.org/portail/2012/02/16/la-pornographie-et-ses-faux-debats-comme-troisieme-opium-des-peuples-arabes/