بقلم محمود بالي

إذا أردنا أن نقيم ألانتفاضة الشعبية ومن قام بهاو أطرها, سنجد أنّ الشعب المقهور و المسلوب من
أبسط حقوقه الإنسانية و الذي قمع طويلا تحت وطأة التجويع و الخصاصة و الفقر والذل والمهانة، في حين كانت فئة محدودة لها علاقة بالسلطة تهيمن على ثروات البلاد وتستغلّها الاستغلال المفرط فتضطهد بذلك سواعد العمّال الكادحة و المظلومين ،فتجد كلّ من طالب بحقّه قد تعرّض للطّرد التّعسّفي ،والكلّ يجوز لحماية مصالح هته الفئة

واليوم بعد 14 جانفي ،من الطّبيعي أن تتزعزع ممالك البرجوازية فتراها تحاول بشتّى الطّرق لمنع سقوطها في أجندا سياسية لاتخدم مصالحها حتّى ولو التفوا على أهداف الثّورة المجيدة .ومن ضمن هذه المحاولات تدعيم العلاقات مع المستثمر ،المستعمر والسؤال المطروح هنا أليست أيادي النظام البائد هي الّتي تحرّك الأوراق؟

إنّنا إلى اليوم لم نشهد ما من شأنه أن يبعث فينا الأمل بمسار وطني يحمي أغلبية الشّعب، إنّنا إلى اليوم نشاهد أطفالا جائعين ومنازل مقفرة، عائلات مشرّدة، شباب عاطل عن العمل تبلغ حالته اليأس فمن تخدم هذه الثّورة تحديدا؟

نعم،لقد استبشرنا وقرأنا خيرا في الانتخابات الحقيقية والشّفافة ودورها في تحقيق الانتقال الدّيمقراطي ،وتأسيس المجلس التأسيسي بشرعيته ليخدم مصالح البلاد والعباد. لكنّنا وللأسف صدمنا بالهجمة الشّرسة على منظّمة الإتحاد العّام التونسي للشّغل من قبل فئة محسوبة على تيار معيّن ولكنّنا لن نسمح لأيّ حزب أو تيّار سياسيّ أن يقدّم برنامجه من خلال منابرنا

،وإن الإتحاد العام التونسي للشّغل بما يشهد به التاريخ ،كأقوى منظمة على مرّ العقود رغم المآمرات الّتي حيكت ضدّه على مرّ 66 سنة من النضال يقف إلى اليوم في وجه الاستعماروالإستبداد وهذا مثال نسرده عليكم ما يجري في بلادنا بعد الثورة.
وكسائر المؤسّسات الّتي استفحل فيها الفساد، طالبنا القضاء فتح ملف الفساد الّذي طال اتصالات تونس، لكنّنا إلى اليوم لم نحضى بتسوية شافية رغم أنّ هذه الملفّات واضحة للعيان ولا يمكن أن تخضع لأيّ دحض أو رفض. ربّما لأنّها تحمل في طيّاتها مؤامرات من أطراف داخلية و خارجية لا يمكن الكشف عنها ،والّتي تضمّ شركات الاتصال الموجودة على السّاحة . وكنّا قد اعتصمنا 56 يوما مطالبين بأستإصال الفساد من المؤِسّسة ومحاسبة كلّ المتورّطين فيه،و استطعنا من خلال نضال الأعوان إلى اكتشاف أسباب الفساد والأطراف المشاركة فيه فاتضحت العلاقة بين عائلة الرّئيس المخلوع وأصهاره وبين الشريك الإستراتيجي بعد صفقة مشبوهة تحصل بموجبها على نسبة 35 في المائة من رأسمال الشركة وبين مجموعة ال63 إطارا الذين يتقاضون أجورا خيالية والّذين أسهموا في تنفيذ خطط الفساد.

هذه الحقيقة كانت منطلقا لإبرام إتّقاقية 9 فيفري 2011 تلغي بموجبها العقود بأجور خيالية الّتي تصنف ضمن عملية تحيل وهدر للمال العام ،وفسخ العقد المبرم بين اتصالات تونس وشركة [إ س ت] وطلب فتح تحقيق وتدقيق في الأموال الّتي صرفت إليها في شكل تقديم خدمات ،وإلغاء المشاريع المتمثلة في التسريح والبورصة و خصخصة اتصالات تونس ومطالبة بالتراجع في الزيادة في معاليم خدمات الهاتف القار التي سيترتّب عليه ضرب القدرة التنافسية للمؤسسة والمساهمة في هجرة حرفائنا إلى المشغلين الآخرين.
بما أنناّ نجد اليوم من كان مسؤولا بشركة خاصة لها علاقة بالاتصالات مورطة في ملف الفساد يشغل منصبا سياسيّا هامّا فما تفسير ذلك؟و المثير للدّهشة أنّ شركة إمارتيّة تتدخل في التعيينات لمسئولي الدولة كأننا تحت الوصاية.

مثل هذا التّحليل يكشف لنا تلميحات عن تراجع الإدارة على الاتفاقية المبرمة بينه وبين النّقابة و قامت بالاستغناء عن تطبيق اتفاقية فيفري 2011 وعدم الالتزام بها وإعادة توظيف أشخاص تورّطوا في إفلاس المؤسّسة لفائدة مؤسّسة أخرى والتفكير في بيع البعض من شركات مجمع اتصالات تونس والارتكاز على حجج واهية.لكن موظّفي وموظفات اتصالات تونس أخذوا عهدا على أنفسهم بأن يمنعوا محاولات الشريك الإستراتيجي لامتصاص ثروات البلاد على حساب المجموعة الوطنية.

إنّ التّخلص من الفساد من”اتّصالات تونس”هي الخطوة الأهم في تصحيح المسار الوطني ،لكن المؤشّرات تنبأ أنّنا سنكون دائما تحت وطأة الاستعمار وفرض مصالح الطبقة المأجورة على مصلحة الشعب .

هذه المصلحة الّتي ربّما تتطلّب أيضا إخفاء الثّروة الباطنية الهامّة الّتي تمّ اكتشافها في الآونة الأخيرة في تونس والّتي على خلاف الإعلام العالمي فإنّ وسائل الإعلام التونسي لم تتطرّق إلى هذا الموضوع أو تأتي على ذكره .لمصلحة من ياترى؟ كل هذا الغموض حول ثروة يمكن أن تنقض بلادنا من أزمتها وتنعش اقتصادها وتخرجنا من براثن الاستعمار المقيت.
وأخيرا إذا لم يتغيرا لنظام الاقتصادي للبلاد فلن تكون هنالك عدالة إجتماعيّة وتصبح الهوّة بين الطبقات الاجتماعية شاسعة تنبؤ بأنّنا مازلنا في عهد ما قبل 14 جانفي ،وأنّ الّذي واجه الدكتاتورية بالّدم هو الشعب المقهور والمسلوب من أبسط حقوقه الإنسانيّة ألا وهي الكرامة والحرّية .

فلا تبيعوا الثورة لمن لا يستحقّّها فإنّ الثروة ملك للشعب.
عاشت تونس حرّة