أزمة المنتوجات الفلاحية ( تسمية تقنية ) هي أزمة دورية تطفو على السطح اثر كل عملية تسويق و هذا يرجع بالأساس إلى الإختيارات الليبرالية المتوحشة التي أملت التوجه الإقتصادي الموجه لسياسات الدولة منذ أكثر من خمسين سنة و بورك من قبل التوجه الحكومي ( كيف ما البارح كيف ما ليوما ) القاضي بجعل القطاع ككل موجه أساسا للتصدير عوض توجيهه للإستهلاك الداخلي لإنعاش الطاقة الشرائية للمواطن العادي و تحسين وضعية الفلاحين.. و يتسبب بذلك في خلق تناقضات عميقة بين المستثمرين المبجلين من جهة و حلقة الإنتاج من جهة أخرى، الفلاح الكادح المثقل كاهله بالديون من مؤسسات النهب المالية البنك الفلاحي، وزارة الفلاحة و اداراتها من مندوبيات إلخ.. توصيف دقيق لمعاناة الفلاح بسيدي بوزيد مع كل موسم جني الطماطم كما أورده صديقي حسان الحاجبي :
” في شهر جانفي يقوم الفلاح بحراثة ارضه و يتفق على الهكتار 2000 دينار حراثة ثم يشتري لها الغبار بماقيمته الف دينار للهكتار ثم يشتري لها الاسمدة و البذور و اليات العمل التي تسمى قطرة قطرة بماقيمته 4500 دينار و الف دينار نفقة اليد عاملة و الف دينار ثمن المتء للهكتار اي انه ينفق على الهكتار ماقيمته 8000 دينار دون ان نحتسب الادوية و بعض الاسمدة الخاصة و في اخر الصيف يجني منه ان كان الانتاج وفير 100 طن و يقوم ببيعها ب110 مليم فيكون نصيبه من الارباح على الاقل 3 الاف دينار للهكتار ..و لكن حين يكون ثمن الكغ الواحد 70 مليما اي ان الفلاح هذه السنة لن يصل حتى وان كان الانتاج وفيرا مع وجود شراء مكثف الى تغطية نصف التكاليف.. و لكن لسائل ان يسئل من اين هذه الاموال خاصة وان الفلاح يقوم بزراعة هكتارات عديدة نبين لكم اولا ان صاحب مصنع الطماطم او المستثمر يئخذ شيكا او كمبيالا بماقيمته ضعف التكاليف او الدين اي ان الفلاح حين ينفق على الهكتار 8 الاف دينار يقدم لصاحب المصنع شيكا ب 16 الف دينار اي ضعف المشتريات التي اقتناها او وفرها له هذا المستثمر و عند انتهاء الموسم وبعد ان يقوم الفلاح ببيع كامل منتوجه للمستثمر يقوم هذا الاخير باحتساب الديون و الغاء الشيك الضامن و اعطائه وصلا فيه المال المتبقي بعد اقتطاع المصاريف و يبقى الفلاح ينتظر ماله الزهيد اشهرا عديدة، وان لم يقم الفلاح يتقديم منتوجه للمستثمر الذي قدم له المال نظرا لتدني الاسعار يقوم هذا الاخير بتقديم الشيك الذي يحتوي ضعف الدين الى البنك.. مارأيكم و الكغ ثمنه 70 مليما اي ان الهكتار ينتج بماقيمته 7 الاف دينار في حين ان مصاريفه تتجاوز 8 الاف دينار هذا يعني ان السجن ينتظر كل فلاحي منطقة سيدي بوزيد.. “
إذا، أزمة القطاع ترجع بالأساس إلى الإختيارات التي دأبت الحكومات المتعاقبة على احترامها لدفع عربون الوفاء لمؤسسات النهب العالمية و إملاءت صندوق النقد الدولي لمزيد من التحكم في إقتصاديات البلدان الهشة إقتصاديا رغم ما تعج به من موارد طبيعية.. و هذا لا يتوقف على الإنتاج الفلاحي فقط، بل يشمل الموارد الطبيعية، كحال إنهاك الطبقة المائية بالقطار نتيجة تغليب القرار السياسي على الإعتبار العلمي؛ حفر آبار بطرق عشوائية، عدم صيانة الخزانات و قنوات المد و التوزيع، غياب المراجعة العلمية لمجلة المياه، و عدم توفر سياسة مائية وقائية لتجنب الحوادث الطبيعية أو العرضية لمقاومة الملوحة و زحف مياه البحر ( كهكذا الحال في الوطن القبلي و طبلبة حيث صنفت المائدة المائية بالحمراء نظرة لارتفاع نسبة الملوحة ) و يتم إستغلال هذا المشكل سياسيا لغايات في نفس يعقوب يعرفها القاصي و الداني، قصد خوصصة التصرف في الموارد الطبيعية.. كذلك إنتاج الطاقة، فوحدة انتاج الطاقة الكهربائية برادس الملاحة 2 موجه أساسا للتصدير للولايات المتحدة الأمريكية و لا ينتفع منه الأهالي و لو بكيلو واط واحد.. هذا دون الحديث عن الموارد الطاقية و المنجمية الأخرى..
كفا تهميشا لمعاناة الفلاحين بأرياف سيدي بوزيد و جندوبة و بقية المناطق و غض النظر عن هكذا لحظة مفصلية تنتظر التثوير و الدفع بها لأفق أرحب، بوصلة النضال الإجتماعي هي سبيل التحرر الفعلي..
إن السقوط في منطق رد الفعل البافلوفي على اثر أي مشكل مفتعل لإلهاء الساحة عن القضايا المركزية هو ضرب من العبث، فحين يتم إفراغ الحراك الإجتماعي من محتواه النضالي عبر انهاكه اليومي و الإبتذال الإعلامي الذي يسعى لتسميم وعي الناس بقصد تشويهه، نستخلص أن أشكال التحرك، الإعتصامات و طرق الإحتجاج الكلاسيكية لم تعد بنفس الفاعلية، أشكال النضال هذه أصبحت ” بيروقراطية ” و تستهلك الطاقات داخلها و تنهك روادها..
أفق النضال أرحب، يجب تجاوز المركزة النقابية القائمة و التفاوض اللامتكافئ مع السلطة و الإكتفاء بممارسة ضغط سطحي و محدود و إنهاك الفضاءت العامة بالدفاع على أمهات القضايا بنفس الأشكال العقيمة و تبني نفس مفردات الخطاب التعبوي بالمرور إلى أشكال أرقى: إفتكاك وسائل الإنتاج و التخلص من براثن مؤسسات النهب المالية، التسيير الذاتي و التنظم في تعاونيات دون المرور بإدارة فاسدة تفرضها السلطة لحماية مصالحها، ضرب عمودية العلاقة في المؤسسات و مراكز الإنتاج و إعادة رسم مسارات و مسالك التسويق برد الإعتبار لحلقات الإنتاج..
لا أبالغ حين أقول أن إنتفاضة الفلاحين بسيدي بوزيد على خلفية أزمة الطماطم تستطيع أن تقلب كل المعطيات و توجه دفة النضال الإجتماعي على قاعدة أكثر صلابة و تحركه وفق بوصلة ثورية أشد وضوحا حين تتخلص من حالة العقم الذي ضرب الحراك الإجتماعي و تتحرر من الوسائل القديمة نحو أفق أكثر فاعلية..
مقترح عمل:
تنظيم محاضرة مفتوحة تضم ناشطين ميدانين، ممثلين عن الحوض المنجمي، القطار، فلاحي سيدي بوزيد، جندوبة، سليانة و أكثر عدد ممكن من المناطق، اخصائين، وسائل إعلام بديلة، جمعيات تشتغل على المديونية و الحقوق الإقتصادية و الإجتماعية، تتناول عمق الأثر الذي تخلفه المشاكل القطاعية و تتوج بإعلان ميثاق مدني يقضي ب:
– حق المواطن في ثروات بلاده الطاقية و المنجمية و إحترامها و صيانتها
– رفع المديونية عن الفلاحين الصغار و البحث عن معادلات مالية تخدم مصالح حلقات الإنتاج و تجرم أي تعد تعسفي من قبل المستثمر سواء كان في شخص الدولة، أفراد أو اجانب
و يؤسس هذا الإعلان لنواة مركز دراسات إجتماعية مفتوح للجميع يطرح على نفسه صناعة معرفة شعبية تصهر البعد الأكاديمي لمشاكل القطاعات داخل الفهم العادي للمواطن
خلق وحدة عمل مشتركة لتوحيد نضالات الجهات تنسق ما بينها في إطار مشروع توأمة نضالية ( عقد معنوي بالأساس ) لممارسة ضغط أكبر و البحث عن بدائل ضد توجهات السلطة و اختياراتها الليبرالية .
iThere are no comments
Add yours