لا يزال الغموض يكتنف أطوارقضيّة “التآمر على أمن الدولة” التي صدر في إطارها يوم الخميس 25 أكتوبر 2012 قرار تحجير السفر على رجل الأعمال كمال اللطيف.

تحصّلنا على كافّة المعطيات المُتعلّقة بالرسائل القصيرة المشفّرة التي تمثّل نقطة بداية التحقيق، سنضع في المقال الحاليّ بين أيدي القرّاء محتويات الرسائل و سنحاول إلقاء الضوء على مفاصل الملفّ في مقالات قادمة.

إنطلق التحقيق في قضيّة الحال إثر شكوى قدّمها المُحامي الأستاذ شريف الجبالي يوم 4 جوان 2011 لدى وكالة الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس أبلغ من خلالها عن مخطط يستهدف الاعتداء على الأشخاص والأملاك طالبا فتح بحث في الموضوع وتتبّع من تثبت إدانته.

الثابت من خلال تصريحات الأستاذ شريف الجبالي في وسائل الإعلام أنّ النقطة المحوريّة في تسلسل الأحداث هي تلقّي أحد زملائه المحامين “رسائل قصيرة مشفّرة” على هاتفه الجوّل تتعلّق بالتخطيط لأعمال عنف.

أفاد الأستاذ يوم 4 جوان 2011 لدى ممثّل النيابة العمومية أنّه :


تحصّل على إرساليّات قصيرة بواسطة زميل يبدو أنّها وصلت إليه بطريق الخطأ تتضمن معلومات خطيرة تتعلّق بمُخطّط إرهابي وراءه أشخاص تونسيين و أجانب لزعزعة الأمن بالبلاد.

أشار الأستاذ الجبالي في سياق نفس المحضر أنّه إتّصل بالوزارة الأولى ثمّ إلتقى بوزير الدّاخلية حينها الحبيب الصّيد و سلّمه شخصيّا الإرساليات، مسترسلا :


و حيث و لحدّ التاريخ يبدو أنّه لم يقع التعاطي بشكل جديّ مع هذا المخطّط الذي بقراءته يتّضح أنّ البعض من أهدافه قد تحقّقت فعلا منها عمليّة حرق سليانة و حادثة ملعب كرة القدم ببنزرت، و محاولة القيام بعمليّة إرهابيّة في جربة (الغريبة التي وقع إلغائها) علما و أنّه تمّ ضبط ليبيّين بجربة و لديهم وسائل إتّصال متطوّرة كما تمّت عملية إرهابية بالروحية ممّا يؤكّد جدية الإرساليّات.

اللّافت للإنتاه في هذا الطّور عدم ذكر الأستاذ شريف الجبالي لإسم المحامي الذي تلقّى الإرساليّات.

مُجمل الإرساليّات 7 واحدة صادرة من رقم تونسي تابع لشركة الإتصالات تونيزيانا و 6 إرساليّات صادرة من رقم فرنسي.

حاولنا التعرّف على هوية صاحب الرقم الفرنسي فتبيّن أنّه في القائمة الحمراء لشركة الإتّصالات (إس. إف.إر) كما أنّه لا يزال يعمل إلى الآن، لكن صاحبه لا يردّ، و قد أشار الأستاذ الجبالي أنّ التحقيق لجأ للشرطة الدولية (إنتربول) بغية تحديد هوية صاحب الهاتف دون ردّ من طرفهم إلى حدّ الآن.

إستشرنا مختصّين في الإجراءات القانونية الدولية فأفادونا أنه كان من الأجدر بالقاضي أن يوجّه طلبا قضائيّا دوليا إلى السلطات القضائية الفرنسية في إطار المعاهدات الثنائية لمعرفة هوية صاحب الهاتف.

نلاحظ أيضا أنّ وكيل الجمهورية لم يُطالب بمعرفة هويّة المُحامي المتلقّي للإرساليّات و لنا عودة لهذه النّقطة.

⬇︎ PDF

إنّ وجه الغرابة في التحقيق و في السّجال الإعلامي الذي إستجدّ مؤخّرا هو تغييب الطرف الأساسي في القضيّة إستنادا إلى تصريحات الأستاذ الجبالي و هو وزير الداخلية السابق و المُستشار الأمني الحالي لرئيس الحكومة : الحبيب الصيد، إذ صرّح إلى الوزير الأول الباجي قايد السبسي خلال شهر ماي 2011 أنّ الرقم الذي بعث بالإرساليات تابع لمركز نداء مُغلق منذ 5 سنوات .

⬇︎ PDF

علما أنّ عقد تونيزيانا الخاصّ بالهاتف المذكور يعود تاريخه ل 9 أفريل 2011، أي قبل التصريح المنسوب لحبيب الصيد.

إن صحّ التصريح المنسوب للصّيد فذلك يطرح تساؤلا جوهريّا حول دوافع تغييبه في الملفّ.

تجدر الإشارة أنّ الحبيب الصيد المستشار الأمني الحالي لرئيس الحكومة على إتّصال بكمال لطيّف، إذ هنالك 166 مكالمة بينهما منها 24 إتّصالا صادرا من الصّيد خلال الفترة الممتدّة من شهر فيفري 2011 إلى ماي 2012 مع ملاحظة بلوغ الإتصالات ذروتها في شهر أفريل 2011 بالنسبة للإتصالات الواردة على كمال لطيّف من الحبيب الصيد و بين شهري ماي و جوان 2011 بالنسبة للإتصالات الصادرة من لطيّف.

من جهة أخرى صرّح مُحامي كمال لطيّف الأستاذ نزار عيّاد على راديو كاب فم مؤخّرا أنّ المحامي الذي تلقّى الإرساليات يُدعى منجي الفقيه.

نلاحظ في هذا السياق أنّ الإرسالية الأولى بدأت بعبارة “يا منجي”.

إثر بحث على شبكة الإنترنت تبيّن أنّ عضوا بالمكتب المحليّ لحركة النهضة بباردو محامي و يُدعى منجي الفقيه.

تابعوا في مقالاتنا القادمة حول ملفّ كمال لطيّف دراسة إحصائية معمّقة لجدول المكالمات الهاتفية الصادرة و الواردة عن جوّال لطيّف والتي من شأنها أن تميط اللّثام عن دلالات منظومة علاقاته، إضافة إلى تحقيقات حول هذا الملفّ الساخن الذي لم يكشف بعد عن كلّ خفاياه.