المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة

kurdistan

أيوب المسعودي
23 آذار مارس 2013

من جزيرة إمرالي التركية، جنوب بحر مرمرة، وضع حجر الأساس للحرب الإقليمية الوشيكة في الشرق الأوسط، وهاهو وعد إمرالي ومخطط تقسيم المنطقة.

من لا يحسن قراءة التاريخ يتخلف عنه، ومن لا يحسن قراءة رسالة الزعيم الكردستاني عبد الله أوجلان، إلى الشعب الكردي في 21 آذار مارس الفارط، لن يدرك حجم ما يتهدد الوطن العربي خاصة ومنطقة الشرق الأوسط عامة. ففي معرض رسالته، أشار أوجلان إلى ضرورة ترك السلاح مناديا إلى الوحدة التركية الكردية ومذكرا بمعركة مضيق الدردنيل (وهي من أشهر معارك التحرير التركية ضد جيوش الأنجليز والتي كان لأتاتورك دور تاريخي فيها) التي خاضها الأتراك والأكراد جنبا إلى جنب. أوجلان بدعوته الصريحة تلك، من سجن إمرالي… قطع مع ثلاثة عقود من الحرب الانفصالية المسلحة التي قادها الأكراد ضد الدولة الأتاتوركية. وقد أكد في رسالته : “وهذا لا يعني إنكار الأصل، بل تعايش المجتمع الأناضولي والكردستاني بمساواة وسلام وفق تاريخ كردستان وأناضول القديمة” … كما جاء في نص الرسالة: “يتطلب البحث والتنقيب عن نموذج ديمقراطي حر بحيث يستطيع الكل أن يجد نفسه فيه. ولبناء هذا النموذج يجب عدم التخلي عن جغرافية مزوبوتاميا وأناضول.”

إن الإطناب في التأكيد على الجغرافيا التاريخية للأناضول وامتدادها في “مزوبوتاميا” (أي بلاد ما بين الرافدين) لذو دلالات خطيرة لا يمكن إدراكها دون التوغل في ما يخطط له على نار هادئة، ومنذ سنوات، بين واشنطن وفرنسا وأنقرة والدوحة.

ليس من الصدفة في شيء تزامن زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، بين 20 و 22 آذار مارس الفارط، إلى كل من العدو الصهيوني والضفة الغربية والأردن مع تسارع الأحداث في الشرق الأوسط من قتل الشيخ البوطي، كردي الأصل، واتهام النظام بقتله، إلى “اختيار” غسان هيتو، الحامل للجنسية الأمريكية، رئيسا للحكومة الانتقالية السورية، وعودة العلاقات التطبيعية العريقة بين تركيا والعدو الصهيوني بعد المكالمة الهاتفية الحميمية بين أردوغان ونتنياهو وأخيرا وخاصة “المصالحة” التركية الكردية. كما أنه من الملفت أيضا تقديم أردوغان منذ يومين مشروع عفو خاص عن السجناء الأكراد التابعين لحزب العمال الكردستاني وهو ما سيسمح لهم بالالتحاق بجبهات القتال إما في منطقة الأكراد السورية تحت سيطرة حزب التحالف الديمقراطي ( حزب كردي سوري)، أو بجبهة الحرب على إيران عند الاقتضاء… كل ذلك أملا في تأسيس دولة كردية مستقلة تحقق آمال اللأكراد وتطلعاتهم.

هكذا نجحت أمريكا في رأب الصدع بين الحلفاء تحضيرا للمعركة الحاسمة والمشتركة، معركة لا تريد أمريكا أن تشوبها شائبة أو خلاف، مهما كان شكليا عرضيا. أما زيارة السفير الأمريكي للحدود التونسية جنوبا، منذ يومين، في تعد صارخ للسيادة الوطنية والأعراف الدبلوماسية، فهو للتأكد من غلق الحدود على تصدير المقاتلين بعد أن غنم الناتو بما يكفيه من الشباب التونسي كوقود حرب وبعد أن صار التونسي، المتواجد بتزايد في صفوف جبهة النصرة، غير مرغوب فيه في سوريا.

لقد اعتاد النظام التركي، المطبع اقتصاديا وخاصة عسكريا مع العدو الصهيوني، استعمال الورقة الفلسطينية في كل محطة انتخابية بطريقة شعبوية لا تعكس سياسة مبدئية أو استراتيجية لدعم المقاومة ضد العدو الصهيوني. أما الآن وقد دقت ساعة الحسم في الشرق الأوسط، الآن وقد سقطت الأقنعة، سيظهر النظام التركي على حقيقته وسينكشف زيف الخطاب المعادي لإسرائيل والذي نال إعجابنا نحن العرب السذج العاطفيين.

ما الهدف من زيارة أوباما إذا إلا مكافأة العملاء الذين باعوا المنطقة وباعوا سوريا كما باعوا العراق قبلها وباعوا المقاومة العربية بدءا بعباس مقابل 500 مليون دولار مرورا بملك الأردن الذي فتح حدوده وحول الأردن إلي قاعدة عسكرية أمريكية مفتوحة لتصدير الأسلحة والمقاتلين المدربين على أيد أمريكية… مقابل 200 مليون دولار… وخاصة حماية العرش الهاشمي.

أما نصيب الأسد فسيذهب إلي تركيا التي لا تبالي بالدولارات الأمريكية، فدولة تركيا القوية، العضو في حلف شمال الأطلسي، وخلافا للدول العربية العميلة، لا تحركها مطامع آنية ضيقة تخدم مصالح العائلات والأوليغرشيات الحاكمة، تركيا ستخرج من الحرب ب:

بناء فدرالية تركية – كردية كبيرة تكون تحت هيمنة تركية أطلسية، والتي ستشمل حتما الأراضي العربية ذات الأغلبية الكردية شمال سوريا (قرابة الثلاث ملايين) والعراق (قرابة الست ملايين) وشمال غرب إيران (قرابة الثمان ملايين) وجنوب شرق تركيا (قرابة الخمسة عشر ملايين)، ما سيمكن تركيا من مخزون نفط كردستان العراق الكبير مع إضعاف إيران وسوريا. وقد سبق وأن فكر تورغوت أوزال (الرئيس الثامن لتركيا) في هذا الحل للمسألة الكردية، هذا هو الثمن لإعلان أوجلان وقف المقاومة المسلحة،

تحييد الدور الكردي، في أحسن الأحوال، في معركة سوريا بعد نداء أوجلان إلى الوحدة وترك السلاح، أو تسليحهم في المعركة ضد سوريا فإيران، في أسوأ الأحوال، وهو الأرجح،

حسم المسألة الكردية بشكل سلمي ديمقراطي وهو ما سيسمح لتركيا بتدعيم موقفها في حلف شمال الأطلسي وخاصة أمام الاتحاد الأوروبي الذي كان يدعي أن المسألة الكردية تقف حجر عثرة أمام دمقرطة تركيا وولوجها إلي ناديهم، نادي الدول “السلمية الديمقراطية”… وهذا ما نقرأه في تأكيد أوجلان على خيار “العصرانية” و”التحديث” في أكثر من موقف في رسالته إلي الشعب الكردي. هذه “المصالحة” التي طبخت على نار هادئة هدفها الأساسي ولوج أوروبا والناتو، عبر تركيا ودولة الأكراد القادمة، إلى نفط العراق وإيران وغاز الساحل السوري في طور لاحق.

تركيا ماضية بخطى حثيثة لبسط يدها على مقدرات المنطقة العربية مستثمرة في ذلك عجز العرب وضعف دولهم وقلة حيلة حكامهم وقصور تدبيرهم وتخطيطهم.

أما العرب، نحن العرب، فسنخرج صاغرين أذلاء موسومين بالعمالة والخيانة بعد أن بعنا الوطن بحفنة دولارات أمريكية.

كما أن حكومتنا التي أرسلت جنودنا البواسل إلي قطرائيل في ما وصفها مسؤولون في وزارة الدفاع بأنها “تبادل خبرات”، كانت تعلم جيدا الدور القطري في الحرب على سوريا وتقسيم المنطقة، وهي على علم بما يتداول من أخبار عن أن جنودنا أرسلوا للتدرب جنبا إلي جنب، في قاعدة عسكرية أمريكية على الأراضي القطرية، مع جنود صهاينة تحت العلم الأذربيدجاني… دون أن يصدر أي تكذيب أو توضيح.

أنا لا ألوم تركيا، الدولة التي تخطط من أجل تحقيق مصالحها ولو على حساب الأمة العربية الإسلامية، كما لا ألوم إخواننا الأكراد الذين لم يجدوا مكانهم في الدول العربية الفاشلة المستبدة والعاجزة عن إدماج الأقليات في مجتمع مبني على الديمقراطية والمدنية والمواطنة، اللوم كل اللوم على حكامنا الخونة الذين فتحوا حدودهم، من المحيط إلي الخليج، مرورا بتونس، خاصة تونس، لتصدير المقاتلين وتحويل شباب تونس المفقر والمهمش إلي حطب حرب قذرة لا تخدم إلا مصالح مشروع التتريك الجديد للمنطقة وتقسيم الوطن العربي الإسلامي قبل نهبه من قبل حلف الناتو. هذا الحلف الذي اتخذ من تركيا حصان طروادة لاستعمارنا من جديد.

ستكافأ تركيا قريبا على كل هذا بدخولها إلي الاتحاد الأوروبي من الباب الكبير ليقبع العرب أكثر فقرا وتخلفا وانقساما.