fmi-leaks-pv-ar

أمام الغموض الذي لوحظ حول شروط الإتفاق مع صندوق النقد الدولي، التجأ عدد من أعضاء المجلس الوطني التأسيسي منذ 24 أفريل 2013 إلى استدعاء ورزير المالية إلياس فخفاخ لمساءلته و طلب توضيحات حول ما تسرّب من معلومات في وسائل الإعلام و حول ما يتداول بين فاعلين و نشطاء من المجتمع المدني.

و كانت عدد من هذه التسريبات نشر على موقع نواة، و هي رسالة النوايا الموجهة من قبل رئيس البنك المركزي و وزير المالية إلى مديرة صندوق النقد الدولي و جدول الإصلاحات الهيكلية التي يشترطها صندوق النقد لمدّ السلطات التونسية بهذا القرض. و لقد تزامن ذلك مع نشر نفس رسالة النوايا من قبل إذاعة شمس أف آم خلال برنامج La Matinale، الذي تدخل فيه مباشرة وزير المالية للتأكيد على أن تلك الوثيقة ليست إلاّ مشروعًا قيد الدرس و أن المعطيات و الأرقام المضمنة لم يتم تحيينها و بالتالي لا يمكن الإنطلاق من محتوى هذه الرسالة لبناء تحليل حول الإتفاق بين صندوق النقد الدولي و تونس. و أكد حينها وزير المالية أنه سيتم نشر الوثيقة النهائية حالما يتم إعدادها و واصل تأكيد ذلك إلى غاية يوم الجمعة 17 ماي 2013 حيث أكد في إذاعة موزييك أف.أم أنه تم إعداد الوثيقة النهائية و أنه سيقوم بتقديمها إلى أعضاء المجلس الوطني التأسيسي خلال الجلسة العامة المبرمجة ليوم 21 ماي 2013. إلا أنه لا يقدم أية وثيقة…

أثناء ذلك، تكونت مجموعة من المنظمات و الجمعيات سمّت نفسها : “ما ڨالولناش” لما رأته من تعتيم حول محتوى الإتفاق، فقامت بدراسته بشكل مكنها من إيجاد عدد كبير من المعطيات أكدت لها أن البرنامج المرافق لرسالة النوايا يمثل بالفعل مجموعة الإصلاحات التي فرضها صندوق النقد الدولي على تونس عبر هذا الإتفاق . و قد تأكد ذلك عند تسريب نواة لمحضر جلسة العمل الوزاري المؤرخ في 31 جانفي 2013 التي تبيّن فيها أن عددًا من أعضاء الحكومة و من ممثليهم لم تتم استشارتهم أو حتى إعلامهم بالبرنامج مما جعلهم يحتجون حول محتوى هذا الاتفاق. كما كشفت البحوث التي قامت بها مجموعة “ما ڨالولناش” عددًا من المغالطات التي تم تقديمها من قبل عدد من أعضاء الحكومة و محافظ البنك المركزي.

ففي خصائص هذا الاتفاق، تمت ملاحظة أنّ قيمة الفائض معلن عنه من قبل وزارة المالية، و هي 1.08% ليست صحيحة و أنه يجب إضافة 2% إلى القيمة المعلن عنها و ذلك بناءًا على النص التالي الموجود في موقع صندوق النقد الدولي :

سعر الإقراض: يرتبط سعر الإقراض بسعر الفائدة الذي يحدده الصندوق ارتباطا بسعر السوق، وهو المعروف باسم سعر الرسوم الأساسي والذي يرتبط هو أيضا بسعر الفائدة على حقوق السحب الخاصة. ويُحصَّل على القروض الكبيرة رسم إضافي قدره 200 نقطة أساس، ويُدفع على قيمة الائتمان القائم الذي يتجاوز 300% من حصة العضوية. وإذا ظل الائتمان متجاوزا 300% من الحصة بعد مرور ثلاث سنوات، يرتفع الرسم الإضافي إلى 300 نقطة أساس، وهو ما يستهدف عدم تشجيع استخدام كم كبير من موارد الصندوق لفترات مطولة.”

و نظرًا أن القرض التي يتم التفاوض حوله يبلغ 400 % من حصة تونس في صندوق النقد الدولي فإن الـ”عقوبة” المتمثل في إضافة رسم إضافي قدره 200 نقطة أساس يطبق في هذه الحالة. إلاّ أن محافظ البنك المركزي الشاذلي العياري كذّب هذه المعلومة حينما قدمها عدد من أعضاء المجلس الوطني التأسيسي أثناء جلسة الحوار يوم 21 ماي و أعاد تكذيبها وزير المالية إلياس فخفاخ يوم 22 ماي في حوار على موجات شمس آف.آم. و تم تعليل ذلك بالقول أن تونس لن تقترض 400% من حصتها و إنما ستقترض مرتين 200% من حصتها في صندوق النقد الدولي.

إلاّ أنّنا تحصلنا مؤخرًا على وثائق تم تقديمها خلال جلسة العمل الوزاري التي أجريت يوم أمس 22 ماي 2013. أول هذه الوثائق “جذاذة حول أهم خصوصيات اتفاق الاستعداد الائتماني مع صندوق النقد الدولي”.

⬇︎ PDF

تتضمن هذه الوثيقة جزئين : الأول يتعلق بأهم بنود الاتفاق و ألفت انتباهنا بندبن:

• مبلغ القرض : 400% من حصة تونس لدى صندوق النقد الدولي، أي حوالي 1.7 مليار دولار أو 2.8 مليار دينار تونسي.
• نسبة الفائدة الموظفة : إجمالاً في حدود 1.47%. ]…[ يتم اعتماد نسبة فائدة على حقوق السحب الخاصة (يحتسبها الصندوق أسبوعيًا، وهي حاليًا في حدود 1.06%) مع عمولات إضافية أخرى.

فما نلاحظه هو الحديث عن 400 % من حصة تونس… و عن نسبة فائض تفوق المبلغ المعلن عنه… و عن عمولات إضافية أخرى لعلّها رسم الخدمة (commission de tirage) التي تحدث عنها المرصد التونسي للإقتصاد، عضو مجموعة ما “ما ڨالولناش” و التي تبلغ 50 نقطة أساس على كل مبلغ يُسحب.

أمّا الجزء الثاني من الوثيقة فعنوانه “تعهدات السلطات التونسية”… فما نستغربه هو الحديث عن مراجعات يجريها “المجلس التنفيذي” اعتمادا على تقارير تعدّها بعثة من الصندوق كل ثلاثة أشهر. فما هو هذا “المجلس التنفيذي” ؟ هل يكون هذا المجلس المضيق الذي تحدث عنه الوزير لدى الوزير الأوّل المكلف بالملفات الإقتصادية و الإجتماعية في الندوة الصحفية التي أجريت يوم 16 أفريل 2013 و الذي سيتم إحداثه على مستوى رئاسة الحكومة لكي يتكلف بالمصادقة على مشاريع القوانين عوضًا عن المجلس الوطني التأسيسي الذي سيكتفي مهامه بإعداد الدستور ؟ … و ما معنى أن يكتفي جهاز من السلطات التونسية بتطبيق ما يقرره صندوق النقد الدولي ؟ أليس هذا فقدان تام للسيادة الوطنية و ارتهان لصندوق النقد الدولي ؟

و في الجزء المتعلّق بـ”المقاييس المرجعية”، تدعو هذه الوثيقة إلى النظر إلى جدول مصاحب يتضمن مجموعة الإصلاحات المتعلّق بالقطاع البنكي و النقدي، و المالية العمومية و مناخ الأعمال. كما يشار في الجزء نفسه إلى أنه قد تمّ اتخاذ إجراءات أولية و ذلك قبل انعقاد مجلس إدارة صندوق النقد الدولي.

و هنا ما يلاحظ في جدول “المقاييس المرجعية : الإصلاحات الهيكلية الموافق عليها”، مقارنة بمحتوى ما ورد في محضر جلسة العمل الوزاري هو أن الإصلاحات التي تمت الموافقة عليها (من قبل من ؟) فقد تم إدراج عبارة “اعتماد مجلس الوزراء لبرنامج موجه للأسر المستهدفة بدقة ، حول دعم مواد الطاقة” عوضًا عن ” اعتماد مجلس الوزراء لبرنامج موجه للأسر المستهدفة بدقة”. فهل أن المقصود من هذا أن الدعم العام الذي كان مبرمجًا أن يذهب للأسر الضعيفة سيقتصر على دعم الطاقة دون غيره ؟

⬇︎ PDF

هذا ما نخشاه عندما نرى أن أوّل “الإجراءات الأوليّة التي وقع اتخاذها قبل انعقاد مجلس إدارة صندوق النقد الدولي” (mesures préalables) كان في 31 جانفي 2013 : “إعلان الترفيع في سعر المحروقات لسنة 2013 يكون متناسقًا مع التحكم في الميزانية المبرمجة. و الإعلان عن إجراءات للحد من تأثير الترفيع على الطبقات الأكثر فقرا” إلى ” إعلان الترفيع في سعر المحروقات لسنة 2013 يكون متناسقًا مع المبالغ المبرمجة في ميزانية 2013.” … أي أن عبارة ” و الإعلان عن إجراءات للحد من تأثير الترفيع على الطبقات الأكثر فقرا” حذفت و تم الإكتفاء بالتنصيص على أن هدف هذا الترفيع هو “تعديل الميزانية دون تأثيرات سلبية على أسر ذوي الدخل المنخفض”… ألم يكرّر لنا وزير المالية إلياس فخفاخ مرارًا و تكرارًا أن التعديل الذي تم في مارس 2013 مطابق لقانون المالية 2013 ؟ فلماذا يتحدث الآن عن “تعديل الميزانية” إن كان ذلك مبرمجًا من قبل ؟ … ألم يصرح المعهد الوطني للإحصاء بارتفاع نسبة تضخم أسعار المواد غير الطاقية بين شهري مارس و أفريل 2013 بـ %0.8 ؟ ألم ترفع الحكومة في سعر وسائل النقل ؟

و أخيرًا نشكر الحكومة التونسية و البنك المركزي لتمكنهم، بعد أشهر من التفاوض، من الزيادة في عدد الإجراءات الأولية المشروطة من قبل صندوق الدولي بإتمام “إختيار مدققين للبنوك العمومية” في إطار غموض و نقص في الشفافية لم نر من قبله البتة و نشكرهم أيضًا لتمكنهم من تخصيص موارد إضافية للدولة بحذف الإجراءات التي كانت ستحمي من ارتفاع سعر المحروقات.

⬇︎ PDF