كان الحدث شاهدا على أن أبناء البلد الذين كبروا لشنقه في المنصة لن يعرفوا يقينا للاخوان ما لم يشاهدوهم أمراء باسم الدين .في عهد النميري كان السودانيون حديثي العهد بالحكم الشرعي ظنا منهم وتحت فتاوي المشيخة أنهم يبعثون إلى العالم التوقيت الصحابي والنبوي.كان سودان الركود شاهدا على أمثولة تحويل المؤمنين إلى بيت لله بفعل القداس الاخواني .بلغة العلوم السياسية كان ميزان القوى مختلا لصالح الرجعية الدينية….
مؤسس حركة الاخوان الجمهوريين كان شديد الايمان أن حركة الشعوب بنت لتجربتها الخاصة لا سيما إذا ما تعلق الأمر بالمقدس الديني و بالنص الرباني حيث تطبع الناس مع ثقافة اللكم و التفجير بدل الجدال والمحاججة.
“من الأفضل للشعب ان يمر بتجربة حكم جماعة الأخوان المسلمين، إذ لا شك أنها سوف تكون مفيدة للغاية فهي تكشف لأبناء هذا البلد مدى زيف شعارات هذه الجماعة التي سوف تسيطر على السودان سياسيا واقتصاديا، ولو بالوسائل العسكرية، وسوف يذيقون الشعب الأمرين، وسوف يدخلون البلاد في فتنة تحيل نهارها إلى ليل، وسوف تنتهي هذه الفتنة فيما بينهم وسوف يقتلعون من أرض السودان اقتلاعا”.
أن الايمان الأعمى الذي يراد منه بلوغ الجناة “من ذي العرش رضوانا” يأخد شكله الاكثر شمولية وتنظيما عندما يسطو على هيئة أركان المجتمع – الدولة- ليصبح البناء الفوقي من دين وأخلاق و تعليم خاضعا برمته إلى تقسيم المجتمعات إلى ملل ونحل ترزح تحت وطأة التيارات المحافظة إقتصاديا وإجتماعيا وسياسيا لا سيما الحركات الاسلامية التي إستهانت بشعوبها المدربة اثر نزالها الأول ضد رؤوس الأنظمة الدكتاتورية والتجأت عن قصد إلى تخدير الشعوب بخطاب الورع والتقوى…
من لا يمتلك عجلة لدفع التاريخ إلى الامام لم يستوعب بعد أن التناقضات المجتمعية إذا ما استبدت بشعب ما وبلغت اقصاها لابد أن تعالج في عمقها وإلا إنهار البيت على من فيه .لم يستوعب الارشاد أن الصراع مع الحداد وفودة وأبو زيد لم يكن سوى تمرين أول و مقدمة لحالة فرز تحولت أثناء التمرد إلى قوة مادية ملموسة اعتنقتها الجماهير بعد أن إتضح أن صعود القوى الاسلامية أبقى دار لقمان على حالها.
اخوان مصر اعتلوا سدة الحكم باصوات البسطاء فغاب عن هوءلاء أن قاعدتهم الانتخابية وصلت من الحيف والخصاصة أن اقتلعت رأسا لنظام يمتلك من عناصر القوة الشيء الكثير ( دعم دولي ،جهاز قمعي غاشم ،إمكانيات مالية ودعائية ضخمة). موقف الجيش من سقوط مبارك في حد ذاته أو مرسي كان مبنيا في كلتا الحالتين على عدم اعتراضهما على سطوة القوات المسلحة المصرية.
غاب عن المرشد أن المارد الذي أطاح بحسني مبارك قادر على كنس توابعه الملتحية في الخيارات و التوجهات وأن الخطاب الديني والشعارات الجوفاء قصر الزمان أو طال لن تقيهم نقمة الانفجار الاجتماعي التي يسقيها الشلل الاجرائي العاجل في جميع مستوياته و بوادر إستنساخ إستراتيجيا الحكم القديم.لقد كان من الطبيعي بالنسبة لقوى المال العالمي أن تدعم في مرحلة أولى هاته الحركات نظرا لشعبيتها ما دامت لا نتناقض مع مصالحها التوسعية.هنا إلتقى المزاج العام الشعبي-وليس المصلحة الشعبية- ومصلحة الجيش المصري المسيس و شركاء النظام القديم . لذا كان لزاماً على الجيش و لوبيات النهب العالمي حين أفلست هذه القوى السياسية وأصبحت عبئا عليها و تعبيرة سياسة مشكوك في أهليتها أن تدعم التمرد وتسنده حفاظا على ما لها من مصالح .
الجيش المصري ونعني بشكل أدق الضباط السامين في صفوفه يتلقون في إطار برنامج الولايات المتحدة الأمريكية للتمويل العسكري الخارجي 1.3 مليار دولار سنويا.ويرجع تاريخ ذلك إلى أيام عبد الناصر حيث عينت النخبة العسكرية نفسها نائبا حسب دستور 1964. لكن بعد مجئ السادات اقتحمت مجموعة من رجال الأعمال جهاز “مشروعات الخدمة الوطنية” الذي تم تركيزه بعد إتفاقية السلام(قرار رئيس الجمهورية رقم 32 لسنة 1979 ) حيث كان العسكريون الكبار يشتغلون فيه كمسؤولين ومدراء.
في هذا الاطار منحت القوات المسلحة سلطات وحوافز هامة وصلاحيات فوق صلاحيات الحكومة القانونية كما أن الأنشطة الاقتصادية التي تشرف عليها معفاة من الضرائب .رغم أن هذا التوجه ساهم في مرحلة معينة في إنعاش نسبي للاقتصاد المصري حيث بلغت صادرات مصر الحربية سنة 1984 إلى حدود بليون دولار لكن ما فتأ أن تراجع مع تعيين المشير الطنطاوي على رأس وزارة الدفاع بعد أن تنحى أبو غزالة الذي لم ينسجم مع مبارك.
إذا لطالما تعامل الجيش المصري مع النظام السياسي على أساس موقفه من حماية المصالح المالية لكبار مسؤوليه لا سيما وأنه الوحيد الذي يتحكم في ثلث اقتصاد المدنيين.
أن الجيش المصري “الدولة داخل الدولة” دل دائما يتمتع بامتيازات لا محدودة واكتسح النشاطات المدنية.لقد كشفت تسريبات وكليكس سنة 2008 أن الجيش سيكون مع التوريث ما لم يتخل نجل مبارك في الأنشطة التجارية للقوات المسلحة .
إذا كان من الضروري سحب البساط من القوى المدنية الثورية وعدم تركها طليقة اليدين واللسان لذا تم تبني مطالب التحريريين بألية عسكرية محلية داعمة لمطالب شعبية و”جيش وطني” “منحاز لقضايا المصريين” . في الاثناء لا حديث عن تحويلات إقتصادية أو إجتماعية أو سياسية.لقد كان مقدرا لهذا التمرد أن يختطف في نصف الطريق وهنا بيت القصيد …القوى المدنية في مصر أضعف من أن تستطيع قلب المعادلة خصوصا في ظل تشتت الحركة الديمقراطية والثورية وضعف ارتباطها بالحركة الشعبية.
الوضع المصري معقد أكثر مما يعتقد البعض…
إن الفاشية العسكرية والدينية يفقدان تأثيرهما في الواقع ويسقط بنيانهما بقدر توسع دائرة الحرية السياسية و تحفز القوى الحية في المجتمع وخصوصا الشباب لاستكمال المهام الثورية عبر عمل صبور يرصد المتحول في المزاج العام لتحديد ساعة الصفر لكنس قوى الجذب إلى الخلف شريطة أن لا ينتمي رأس الحربة مرة أخرى إلى معسكر الأعداء.
على الرغم من أن افتضاح أمر الاسلاميين الذي سيكون له دور جلي في رفع معنويات باقي الشعوب العربية الثائرة إلى أنه إتضح بالكاشف وللمرة الثانية أن المد الشعبي يفقد اهدافه دون قيادة ثورة حقيقية خاصة وأنه من المحتمل أن تكون الأيام القادمة دامية وعصيبة على المصريين .الجيش ماض في بسط سلطانه بالحديد والنار في وجه جماعة تمتلك السلاح الإثنان في مواجهة متمردين عزل واجبارهم على التراجع لاجبارهم على التراجع وخفض سقف المطالب والقبول بسياسة الحشر في الزاوية.
c’est exactement ça,la jeunesse entre le marteau et l’enclume.le déblocage en Égypte nécessite de gros efforts et la lutte continue. il ne faut pas que cette jeunesse lâche la pression sous prétexte du moindre mal.leur réaction au sujet de la nouvelle constitution laisse entrevoir de l’espoir. malgré le chaos et les souffrances,tout ce qui se passe en Égypte peut être bénéfique parce qu’il pourrait cristalliser les valeurs démocratiques chez les égyptiens.
[…] Source […]