بقلم بشير بن شريفية‎،

تعرّض الغطاء النباتي المنتشر على كامل تراب الجمهوريّة الّتي تمسح 162000 كم² إلى الإصابة بأمراض وبائيّة خطرة تهدّد إستمراريّته و بقائه و هذا ما يشكّل تهديدا للأمن الوطني الغذائي الّذي يرتكز على تنوّع منتوجيّة ثرواته المتمثّلة في إنتاجيّة العديد من النبتات لا سيّما الشجيرات و الأشجار المستغلّة في مجالات و قطاعات عديدة أهمّها القطاع الغابي و القطاع الفلاحي.

تعود الأحداث إلى صيف 2011 عندما بدأت مجموعة من العوارض الغريبة و المخرّبة للغطاء النّباتي تجتاح كامل تراب الجمهوريّة و تسارعت تداعيّتها خلال فصل الربيع 2012 حيث شهدت عديد النّباتات خاصّة الأشجار نقصا ملحوظا في إنتاج الزهور مع تغيّر سريع و مفاجئ في لون الأوراق و حجمها ثمّ سقوطها قبل أوانها و هو مغاير لخصائص الربيع في بلادنا المعروف بإزدهار الحياة النباتيّة و إنتشار الإخضرار الساطع المفعم بالحياة كما لوحظ أيضا تعرّض بعض فصائل الأشجار خاصّة الصنوبريّات المنتشرة في عديد من جهات الجمهوريّة إلى التجرّد و التيبّس الكلّي للشجرة ثمّ تبدأ بالتكسّر و التفتّت إمّا تلقائيّا أو بعوامل الرّياح و ذلك بعد موت سريع ممّا يجعلنا نرى فيه خطورة كبيرة على الغــــطاء النباتي و ما ينجر عن ذلك من تداعيّات تؤثّر سلبا و مباشرة على المجتمع و الإقتصاد و التنوّع البيئي.

* تشخيص و تعريف الفطريّات المسبّبة:

بعد البحث و الدراسات مع زيارات ميدانيّة لعديد ولايات الجمهوريّة (بنزرت، أريانة، تونس، سليانة، الڨصرين، الكاف، جندوبة، باجة…) و من خلال العوارض المنتجة على الغطاء النباتي، تمكّننا من تشخيص العديد من أنواع الفطريّات الّتي تنحدر من 3 أجناس فطريّة تشكّل تهديدا للنباتات و هي كل من جنس Verticillium spp, Phytophthora spp, Fusarium spp.

1) جنس Fusarium spp:

هذا الجنس يأوي العديد من أنواع Fusariose و الّتي في مجملها تشكّل تهديدا متواصل لعديد النباتات و الأشجار و هي قادرة على إتلاف مساحات زراعيّة كبيرة و من أخطرها و أشدّها فتكا خاصّة لجميع أنواع النّخيل و بالأخص دڨلة النور هي البيوض (Fusarium oxysporum) و الّتي بمقدورها الإنتشار بسرعة كبيرة و القضاء على النخلة في مدّة زمنيّة لا تتجاوز السنتين كذلك لاحظنا إنتشارا كبيرا لـالتبقّع الفوزاري للقمح (Fusariose de Blé) داخل حقولنا و هذا يشكّل خطرا و تهديدا لإنتاج الحبوب الآخذة في التراجع من سنة لأخرى بسبب غزوها لمساحات كبيرة معدّة للزراعات الكبرى.

2) جنس Phytophthora spp:

يأوي هذا الجنس أكثر من 100 نوع كلّها وبائيّة و خطرة مهدّدة بالأخص للصنوبريات و هي معروفة بإتّساع مجال مهاجمتها للعديد من فصائل النباتات تشخيص بعض أنواعها نذكر منها خاصّة phytophthora ramorum و phytophthora cinnamomi بالإضافة إلى إمكانيّة تواجد أنواع أخرى تهدّد طائفة كبيرة من النباتات و الأشجار البريّة و الفلاحيّة و الّتي تسبّب لها الموت و الإندثار في مدّة زمنيّة لا تتجاوز 3 سنوات.

3) جنس Verticilium spp:

من أخطر أنواع هذا الجنس هو verticillium dahliae بالإضافة إلى كونه يمثّل تهديدا لعديد أنواع الأشجار و النباتات فهو مختص في تدمير الزياتين في مدّة زمنيّة لا تتجاوز 4 سنوات و هذا تهديدا لثروتنا الزيتونيّة و ما تحتلّه بلادنا من مركز هام على المستوى العالمي من حيث إنتاج زيت الزيتون.

تشترك هاته الأجناس في كونها هي المسؤولة عن تعفّن الجذور و الأنسجة الوعائيّة الناقلة للسوائل داخل النبات كما أنّها تعيش في التراب و يمكنها العيش أكثر من 10 سنوات ممّا يجعل مقاومتها صعب جدّا و لا يوجد أيّ مضاد قادر على إزاحتها كلّيّا إلاّ بعض المضادات المستعملة كوقاية قبل الإصابة.

مجموعة العوارض الّتي تسبّبها يكون مئالها في الغالب إلى الموت و إندثار النبات المصاب و كلّها تختزل بعبارة Dépérissement و هي وصف لعديد العوارض المتغيّرة و المؤثّرة في الحالة الصحيّة للنبتة الّتي توزّع على 4 مراحل تصف تطوّر المرض الّذي يسبّب الموت في مدّة زمنيّة تتراوح من سنتين إلى 4 سنوات حسب الجنس و الظروف الخاصّة المحيطة بالنبتة.

* وصف تطوّر العوارض على النبات و خاصّة الأشجار و المختزلة في 4 مراحل:

1) المرحلة الأولى: إصفرار و سقوط بعض الأوراق (10 – 25%) مع تجرّد بعض الأعراف الصغيرة.

2) المرحلة الثّانية: يزداد تغيّر لون و سقوط الأوراق بصفة مسترسلة و تكون إمّا عامّة على كلّ الشجرة أو جزئيّة على آحد أغصانها مع إنتشار توسّع التجرّد و التيبس الّذي يبدأ تدريجيّا من الأطراف الخارجيّة للأغصان بعد تساقط الأوراق عنها الّتي تترواح نسب سقوطها من 25% إلى 60% و تكون مصطحبة بموت بعض الأعراف الصغيرة.

3) المرحلة الثالثة: هي مرحلة تكون فيها الشجرة في حالة مزرية جدّا، إذ تخسر معظم أوراقها الّتي تتساقط قبل أوانها مصحوبة بسقوط الأعراف الصغيرة مع تجرّد غالبيتها و إنتشار التيبّس على كامل الشجرة حيث تكون مشوّهة في مظهرها الخارجي مع موت الأغصان الّتي تختلف أعمارها من سنة إلى 3 سنوات مع بداية ظهور تعفّنات دائريّة فاتحة اللّون و تكون سطحيّة تغطّي لحاء الأغصان، ثمّ تتطوّر لتصبح أعمق ذات لون اسود بعد إختراقها باللحاء كليّا الّذي يصيبه تفرقع، مع ظهور فتوحات على مستوى الجذع تخرج منها إفرازات سائلة سوداء أو بنيّة معلنة إقتراب الفناء للشجرة مع إنتشار الطفيليّات المجهريّة الإنتهازيّة فوق لحائها و تسمّى (Lichens).

4) المرحلة الرّابعة: يكون فيها التجرّد و التيبس كلّي للشجرة حيث تأخـــذ الأغـــصـــان بالتكسّر و التفتّت، إمّا تلقائيّا أو بعامل الرّياح و لن يبقى منها سوى الجذع و بعض بقايا الأغصان المتكسّرة.

* أهميّة القطاع الغابي و الفلاحي و حجم التهديدات المتعرّض لها:

يمتدّ القطاع الغابي على مساحة تقدّر بـ1 مليون هكتار و هو يأوي الحياة البريّة و التنوّع البيئي يحوي 270000 هكتار من الغابات الطبيعيّة و أكثر من 600000 هكتار تأوي عديد فصائل الأشجار الّتي توفّر حاجيّات البلاد من الخشب و الخفّاف كما أنّها تزيّن مدننا و طرقاتنا نذكر منــهـــا (الــــكـــلاتـــوس و الصفصاف و الصنوبر الحلبي).
أمّا بالنسبة للقطاع الفلاحي فهو ينتشر على مساحة تفوق 10 مليون هكتار نذكر من أهمّها حسب المساحة المقدرة:

+ زراعة الحبوب الّتي تقدّر مساحتها بـ1.6 مليون هكتار.

+ الأشجار المثمرة تقدّر مساحتها بأكثر من حوالي 700000هك (القوارص، التفاح، التمور…).

+ الخضروات تقدّر مساحتها بـ300000هك (الطماطم، الفلفل، الخص…)

+ زراعة الزياتين الّتي تعتبر من أهم ثرواتنا الفلاحيّة تقدّر مساحتها بـ1.6 مليون هك و هي منتشرة على كامل تراب الجمهوريّة من الشمال إلى الجنوب و من الشرق إلى الغرب مع العلم أنّ القطاع الفلاحي يمثّل ركيزة من ركائز الإقتصاد التونسي و كذلك كونه يؤمّن للشعب حاجياته من الموارد الغذائيّة الأساسيّة منها كالعجين و الكماليّة منها كالغلال و الفواكه و يمثّل الإنتاج الفلاحي 13% من النّاتج المحلّي الخام إذ تقدّر مساهمة هذا القطاع بأكثر من 3000 مليار من الملّيمات و الّتي متأتّية من قطاع تربية الماشية الّذي يمثّل 37% و يعتمد كليّا على قطاع الزراعات الكبرى أمّا بالنّسبة للأشجار المثمرة فهي تساهم بـ27% من الإنتاج الفلاحي و تمثّل الحبوب 13% أما بالنّسبة للخضروات فهي تمثّل 12% من مجموع الإنتاج الفلاحي إضافة إلى هذا فالقطاع الفلاحي يستقطب أكثر من 13% من اليد العاملة التونسيّة.

ختاما، فإنّ هذه الحالة المزرية و المهدّدة للغطاء النباتي الّتي بدورها تـــــــهدّد القطاع الفلاحي و الغابي و ضمان أمننا الوطني الغذائي فالرجاءمن كلّ القوى الوطنية من منظمات و أحزاب التفكير الجاد في ايجاد حلول جذرية لمحاربة هذه التهديدات الّتي تطال الغطاء النّباتي.

tableau-flore-tunisie