المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة

armee-egypte-anglais

بقلم إيهاب الغربي،

لقد واجهت ثورة 23 يوليو 1952 من قبل خصومها نفس الاتهامات التي واجهتها ثورة 30 يونيو2013 باعتبارها إنقلابا عسكريا الهدف منه هو إقامة حكم العسكر. ولكن هته الاتهامات تتجاهل تماما مكانة المؤسسة العسكرية في تاريخ مصر والدور الذي لعبه حكم العسكرفي ضمان إستقرار مصر بإختلاف حقبه وتوجهاته فكيف يتموقع الجيش المصري في تاريخ السياسة المصرية وماهو الدور الذي لعبه هذاالجيش لضمان إستقلال مصر وإشعاعها ؟

لم يكن العسكر يوما دخلاء على مصر أو فراعنة مصر بل كانوا بإختصار شديد أبناء بلد الكنانة وحماته. حيث يعد الجيش المصري أقدم وأعرق جيوش العالم. تم تأسيس الجيش في مصر قبل 7000 سنة من الآن وتعتبر القوات المسلحة المصرية الأقوى عربيا وإفريقيا وهو ما يجعلها تحتل مكانة إستراتيجية في حماية الأمن القومي المصري أولا والعربي ثانيا وفي حل النزاعات الافريقية وحتى الدولية ثالثا.

يعد إستهداف الجيش المصري إستهدافا لأمن مصر ووحدتها أولا قبل أن يكون نقدا لإستيلائه على دواليب الدولة. لقد لعب العسكر منذايام محمد علي باشا في بداية القرن 19 دورا رئيسيا في الرقي بمكانة مصر وإرساء مشروع قومي حداثي يناقض مشروع آل سعود وابن عبد الوهاب وقد تمكن ابراهيم باشا نجل محمد علي من القضاء على الدولة السعودية الاولى كما تمكتت مصر محمد علي بفضل قوة جيشهامن مزاحمة الدولة العثمانية بل وكانت على وشك افتكاك الخلافة لولا تدخل بريطانيا و فرنسا وخسارة محمد علي لمعظم أسطوله في مواجهةالثورة اليونانية وهو ما ادى إلى ضعف قوة ترسانة محمد علي العسكرية وتبخر حلمه بخلافة العثمانيين.

شكل حفر قناة السويس سنة 1869 نقطة تحول في مكانة مصر الاستراتيجية حيث تحولت مكانة مصر من التأثير الإقليمي إلى التأثير الدولي باعتبارها معبرا من الشرق إلى الغرب خاصة مع تزايد حجم التصنيع والمنافسة الشرسة بين بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصريةمن أجل قسمة تركة الدولة العثمانية.كما أن النهضة الفكرية وضم مصرللسودان في عهد الخديوي إسماعيل لم تمنع مصر من التداين إضافة إلى كل هذه العوامل فقد شكلت الثورة العرابية النقطة التي أفاضت الكأس والتي عجلت بإحتلال بريطانيا لمصر. لم تكن ثورة عرابي عادية في تاريخ مصر الحديث والقديم وثورة المصري الذي عانى قرونا من استبدادالاغريق الى الرومان وصولاالى المماليك ثم العلويين (نسبة إلى أسرة محمد علي الألبانية).تجسدت شعبية احمد عرابي في كونه اول ظابط مصري يثور على حكم العلويين وقد طالب عرابي بترقية الظابط المصري وعزل رياض باشا رئيس وزراء مصر انذاك الذي كان عميلا للانجليز فاستعان الخديوي توفيق ببريطانيا لقمع الثورة العرابية التي كانت اول ثورة وطنية ضد حكم الالبان في مصر. لبى الانجليز نداء الخديوي توفيق واحتلوا مصر بمباركةحكامها في 1882 فيما كان الجيش المصري مجابها في شخص عرابي البطل لاستعمار المماليك والانجليز. رغم استحالة تفادي الاستعمار البريطاني الا ان بطولات احمد عرابي في محاربة بريطانيا اكدت وطنية الجيش المصري وتغليبه مصلحة شعبه حتى على مصلحة حاكمه.

عاش الجيش المصري منذ 1881 تاريخ احتلال بريطانيا لمصر تحت ظل حكم صوري للخديوي الذي لم يتغير من صلاحياته المنعدمة سو الاسم. انتظرت مصر طويلا فارسا جديدا يدافع عن حقوقها المهضومة من اسرة محمد علي العميلة للانقليز. وكان لها ذلك في عهد الملك فؤاد حيث ثار سعد زغلول على حكم فؤاد وطالب باستقلال مصرعن بريطانيا عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية وخطرت في باله تشكيل وفد للدفاع عن حقوق مصر في مؤتمر الصلح بفرساي والمطالبة بالاستقلال. فأمر الملك فؤاد باعتقال زغلول ونفيه. وهو ما ساهم في اندلاع ثورة 1919 التي احرجت بريطانيا كثيرا وجعلتها سنة 1922 تقدم تنازلات تاريخية لسعد زغلول تبلورت في اعلان دستور وبرلمان والحد من صلاحيات فؤاد بالاضافة الى استقلال مصر ولو ظاهريا عن حماية بريطانيا.

كانت ثلك الحقبة ذهبية في تاريخ السياسة المصرية اذ انبثق عن حزب الوفد المصري نتاج ثورة 1919 وفكر سعد زغلول زعماء سياسيون امثال النحاس باشا ومحمود باشا والنقراشي. كانت وراثة سعد زغلول صعبة وقد كانت وفاته في 1927 لحظة فارقة في تاريخ مصر وحزب الوفد حيث حاد الوفد عن مساره الوطني في عهد النحاس باشا وهو ما جعله يتفكك وينقسم إلى كتل وأحزاب مختلفة. لم تمنع الانقسامات السياسية في مصر النحاس من توقيع معاهدة 1936 والتي كانت تكملة لانجازات ثورة 1919 حيث حدت هذه الاتفاقية من الوجود العسكري البريطاني في مصر وألغت الامتيازات الاجنبية لبريطانيا. لم تمنع هذه المعاهدة الحزب الوطني من المطالبة بالجلاء التام وانتقاد معاهدة 36 التي اعتبرها الحزب الوطني انذاك تزكية للحكم البريطاني أكثر منه انجازات حققها النحاس باشا لمصر. في تلك الفترة إستغل البنا كذلك الجدل الحاصل حول معاهدة 36 ليتخلل المشهد السياسي المصري أربعة كتل متناحرة وهم الوفد والوطني والسعديون والاخوان ومن ورائهم فاروق وسفارة بريطانية يتلاعبون بالاحزاب كرقعة شطرنج. في هذا الجو المشحون إندلعت الحرب العالمية الثانية فكان فاروق وصديق القصر علي ماهر في صف هتلر فيما كان النحاس باشا والسعديين في صف الانجليز بينما كان البنا وإخوانه في البداية مع المحور وفي نهاية الحرب العالمية الثانية إنقلبوا مع الحلفاء. في هذه الأجواء الغريبة الاطوار في المشهد المصري، برز رجل غير كل هؤلاء بطموحات تتجاوز أحلام فاروق بالعرش وأحلام الاحزاب بالوزارة. وكان هذا الرجل عسكريا شارك في الحرب العالمية الاولى ودعم الشريف حسين ضد الاتراك ثم إنقلب عليه بعد ان اكتشف لعبة سايكس بيكو الخبيثة.كان هذا الرجل بطل حرب ليبيا وقائد جيش الشريف حسين في الثورة العربية ضد الأتراك.ن فاه الشريف حسين إلى مصر بسبب رفضه لسايكس بيكو وعودته إلى صف العثمانيين.إنه باختصار البطل عزيز المصري.

عين الملك فاروق عزيز المصري رئيسا لاركان الجيش في 1936 فقام عزيز المصري بحدث تاريخي وهو تكوين أول جيش وطني حقيقي لمصر إنبثق عنه نخبة من الشباب الوطنيين أمثال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر. عمل عزيز المصري هو النواة الحقيقية لحركة الضباط الأحرار التي كانت نهلت من البطل عزيز كرهه للانجليزولفساد الملوك العملاء فكان الأب الروحي لثورة 52 ولوطنية الجيش المصري.