جاء قرار محكمة الإستئناف العسكرية القاضي بسجن متهمين في قضايا شهداء وجرح الثورة لمدة تترواح بين 3 و5 سنوات صادما لأغلب الأحزاب المكوّنة للمجلس الوطني التّأسيسي. وقد اعتبر أغلب أعضاء المجلس أنفسهم مسؤولين عن نتيجة تمشي القضاء العسكري نظرا لإهمالهم لمتابعة قضايا الشهداء والجرحى عن كثب وبصفة متواصلة.
وفي إطار سعيهم لتدارك ما فاتهم بخصوص تفاعلهم مع قضايا شهداء وجرحى الثورة، قامت لجنة التشريع العام بإعادة النظر في مشروع قانون كانت قد تقدمت به حركة وفاء يوم 17 جويلية 2012. وينص هذا المشروع على سحب قضايا شهداء وجرحى الثورة من القضاء العسكري وتحويل النظر فيها إلى القضاء المدني من خلال تشكيل مؤسسات عسكرية مختصّة للغرض.
واصطدم طرح مشروع هذا القانون مع مأزق دستوري يتمثّل في تنصيص الدستور في الفصل 110 على منع تركيز محاكم استثنائية :
تحدث أصناف المحاكم بقانون. ويمنع إحداث محاكم استثنائية، أو سنّ إجراءات استثنائية من شأنها المساس بمبادئ المحاكمة العادلة.
الفصل 110 من الدستور التونسي
ويغلق هذا الفصل الباب أمام المجلس التأسيسي فيما يخصّ مناقشة إحداث محكمة استثنائية للنظر في قضايا الشهداء والجرحى غير أنّ النائب عن حركة وفاء أكّد في تصريح لنواة أنّ أعضاء لجنة التشريع العام يناقشون مخرجا قانونيّا لإيجاد حل لا يتعارض مع الدّستور. وقال بادي أنّ” الحلّ يتمثّل في إحداث دوائر قضائيّة مختصّة في قضايا شهداء وجرحى الثورة داخل المؤسسات القضائية المدنيّة. والدّستور لا يمنع إحداث هذه الدوائر وبالتالي فإنّ المصادقة على هذا القرار لا تعدّ خرقا دستوريّا.”
كما اصطدم قرار إنشاء دوائر قضائيّة مختصّة بالفصل 149 الذي ينصّ على الاتي :
تواصل المحاكم العسكرية ممارسة الصلاحيات الموكولة لها بالقوانين السارية المفعول إلى حين تنقيحها بما يتماشى مع أحكام الفصل 110.
الفصل 149 من الدستور التونسي
ولتجاوز ما جاء هذا الفصل قال أزاد بادي أنّ لجنة التشريع العام يمكن أن تطالب بتنقيح قانون المحكمة العسكرية وذلك من خلال تغيير مجلّة الإجراءات والعقوبات الخاصّة بها.
ورأى بادي أنّ التوافق بين الكتل ورغبة أعضاء المجلس التأسيسي في التّسريع بإنشاء هذه الدوائر هي السبل الكفيلة بتجاوز العقبات القانونية.
وينصّ مشروع هذا القانون على إنشاء دوائر متخصصة في حل قضايا شهداء وجرحى الثورة داخل المحاكم المدنية متكوّنة من قضاة أكفّاء ومشهود لهم بالنّزاهة ولم يتورّطوا في الحكم في قضايا رأي. هذا وسيعمل المشّرعون في المصادقة على هذا الدستور على الإستئناس بالفصل 8 من قانون العدالة الإنتقاليّة رغبة منهم في التسريع في مسار العدالة الإنتقاليّة الذي تأخّر كثيرا حسب تعبير بعضهم، وينصّ هذا الفصل على الاتي :
تحدث بأوامر دوائر قضائيّة متخصّصة بالمحاكم الابتدائّية المنتصبة بمقار محاكم الإستئناف تتكون من قضاة، يقع اختيارهم من بين من لم يشاركوا في محاكمات ذات صبغة سياسية، ويتمّ تكوينهم تكوينا خصوصيا في مجال العدالة الإنتقاليّة. تتعهّد الدوائر المذكورة بالنظر في القضايا المتعلّقة بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان على معنى الإتفاقيات الدولية المصادق عليها وعلى معنى أحكام هذا القانون، ومن بين هذه الإنتهاكات خاصّة: القتل العمد ، الإغتصاب والعنف الجنسي، التّعذيب، الاختفاء القسري والإعدام دون توفر ضمانات المحاكمة العادلة.
كما تتعهّد هذه الدوائر بالنّظر في الإنتهاكات المتعلّقة بتزوير الإنتخابات وبالفساد المالي والإعتداء على المال العام والدفع إلى الهجرة الإضطراريّة لأسباب سياسيّة.
ويواصل المجلس التّأسيسي مناقشة مشروع هذا القانون وسط جدل سياسيّ وتبادل للإتّهامات بإهمال هذه القضية وتأخير قانون العدالة الإنتقاليّة وجّهت أغلبها لحركة النّهضة على اعتبار أنّها تملك الأغلبيّة في المجلس التّأسيسي.
يسلموووووووو