بقلم شكري بن عيسى،
إذا كانت ثورة 17 ديسمبر إنجاز الشباب المهمش والمسحوق فتيانه وفتياته، الذين انتفضوا في وجه الاستبداد الغاشم والفساد المقيت والتبعية المذلة للخارج، ونشدوا الانعتاق والتحرر والكرامة عبر الشغل والعدل عبر المحاسبة وإعادة التوزيع المقسط للثروة والسلطة وقبل كل ذلك تحرير ثرواتنا الطبيعية والمنجمية من الهيمنة الدولية، فان من اهم ما عطل المسار الثوري، زيادة على التفاف منظومة بن علي على أهداف الثورة مباشرة بعد 14 جانفي، هو فيضان المطلبية المهنية والجهوية والقطاعية، والأكثر هو اختزال اللحظة بعد القصبة 2 في مسار سياسي انتقالي ضيق طغت عليه الغنائمية السياسية التي وضعت الكراسي والسلطة في اعلى سباق محموم من الاحزاب التي افتكت المقود على حساب الاستحقاقات الثورية والشباب الذي ضحى من اجلها وسقط منه المئات استشهادا والآلاف جرحا، وأَجهضت تطلعاته وسَرقت حلمه.
هذا الشباب هو الذي ثار يوم السبت، في وجه النواب الذين تحولوا إلى مهد الثورة سيدي بوزيد للتعريف بـ”دستور الثورة”، الذي لم يمنع دخول الصهاينة إلى بلدنا، ولم يمنع افلات مجرمي نظام بن علي من العقاب، ولم يضمن انصاف شهداء وجرحى الثورة، ولم يمنع اندفاع حكومة جمعة في إرساء تسهيلات خيالية لتسريع بيع أجزاء كبرى من البلد للأجانب عبر تخفيض رخصة الوالي في الصدد إلى ثلاثة اشهر بدل ثلاث سنوات، ولا ايضا تفعيل عديد الاتفاقيات المخلة بالسيادة الوطنية..
هؤلاء النواب اعتبرهم شباب سيدي بوزيد بصدد القيام بحملة انتخابية مفضوحة الأهداف واستعراض لـ”إنجازات” لم تُؤَمِّن سيادة الدولة ولم تجلب التنمية ولم توفر الشغل ولم تضمن العدالة الاجتماعية، وبدت لهم العملية فولوكلورية للدعاية للنواب والأحزاب التي وراءهم، وتم طردهم مع رئيس المجلس الوطني التأسيسي الذي احتمى بدار الوالي حسب المصادر الإعلامية.
نفس الشيء حدث بتطاوين والقصرين، حيث لم يهتم سوى نفر قليل جدا، في رفض لدعاية لا علاقة لها بمشاغل الشباب وتطلعاته وكانت المقاطعة عالية جدا أظهرت الفجوة السحيقة بين استحقاقات الثورة واهتمامات النواب والسياسيين بشكل عام الذين لا يشغلهم سوى الكراسي.
رهان السلطة اليوم العالي خاصة وان الانتخابات القادمة ستكون الممر الحاسم نحو “المرحلة الدائمة” هو ما جعل تصرفات السياسيين وخاصة النواب في حملة واسعة مفتوحة، وجعل كل التصرفات والمواقف محسوبة لتحقيق مغانم. الفرق مع انتخابات 23 أكتوبر ان الجميع اليوم بات مفضوحا بين وضع المبادىء السياسية وأهداف الثورة إلى الخلف والاندفاع نحو البروباغندة وتحقيق المغانم بنهم كبير دون تحكم في النفس.
وان كان التصويت على الدستور فتح حملة انتخابية واسعة وشديدة المنافسة، خاصة فيما يتصل بالمرجعيات الأيديولوجية فيما يتعلق بدين الدولة ومدنيتها واللائكية والهوية واللغة العربية وتوزيع السلط والمواقع واستقلال القضاء والهيئات الدستورية والحريات والحقوق الأساسية وشروط تحديدها وخاصة مساواة المرأة بالرجل، فان مناقشة القانون الانتخابي كان الميدان المختار لإطلاق حملات نارية، وكانت المرأة هي الموضوع فيما يتعلق بـ”المناصفة الافقية” التي ركز عليها قسم من الحساسيات السياسية التي ترفع شعار “التقدمية” وتمسك بها إلى حد المغالات والإثارة الفجة ورفع الأمر إلى هيئة مراقبة دستورية القوانين متغافلين على ان الأمر فيه مخالفة لمبدأ الاختيار الحر بفرض “المناصفة” و”التناوب” والبحث عن “المناصفة الأفقية” الذي يضع المرأة في مستوى “الدونية” و”الشخص القاصر” التي تبحث عن “الإسناد” بدون كفاءة و”التزكية القبلية” وتفتقد الجدارة خاصة وان هذا “الخيار” انتج عدة نساء في المجلس اجمع الكثير أنهن ابعد ما يكون على مستوى المسؤولية التأسيسية الخطيرة وعطل إلى حد كبير مهام المجلس، زيادة على فرض الوصاية على الناخب بوضع قواعد تحد من حرية اختياره دون الإشارة إلى ان اغلب الدول الديمقراطية لا تعتمد هذا التمشي. وطبعا واضح السير في نهج رفع شعارات “المساواة” استهداف لشريحة كبرى من النساء ينتظر منها مغانم وفيرة.
الفصل 173 المتعلق بإقصاء القيادات التجمعية وقيادات نظام بن علي كان في صدارة التجاذب والمغانم كانت هي القصد سواء من حيث تبني العزل أو رفضه لأغلب الأطراف، وطغيان الحسابات والدعاية الانتخابية جعل جل المواقف تنقلب، بانقلاب المواقع، والاعتبارات الثورية والمبدئية والحقوقية لاحت جليا في مرتبة أخيرة في مقياس المحددات التي صبغتها الاعتبارات المختلفة الحزبية وفي العلاقة بالخارج و”الكسب” و”الخسارة”، والتكتيك كان في النهاية سيد الموقف.
تشريك الامنيين في الانتخاب كان ايضا محل تجاذب قوي خلال مناقشة القانون الانتخابي والتطاحن في نطاق الدعاية الانتخابية كان شديدا، ووصل ايضا إلى اعتماده كمطعن من نفس القوى السياسية “التقدمية” امام هيئة رقابة دستورية القوانين، والاستهداف واضح لأكثر من مائة الف أمني وعائلاتهم التي تعد بمئات آلاف الناخبين. وكان الاعتماد على مبدأ حق المواطنين في الانتخاب ومبدأ المساواة المضمنين بالدستور، لكن ما أخفاه هؤلاء هو حساسية الوظيفة الأمنية والمؤسسة الأمنية المختصة في حفظ الأمن وضمان السير العادي لمؤسسات الدولة المختلفة زيادة على انها الضمانة لاستقلالية ونزاهة وشفافية الانتخابات وهي المشارك الأساسي في حسن سيرها ومشاركة هذه المؤسسة بالانتخاب قد يفضي إلى الاخلال بمعايير الانتخابات وأمنها وحتى انجازها، هذا إضافة إلى ان انتخاب قوات الأمن يدخل هذه الشريحة التي يفترض ان تكون حيادية وعلى نفس المسافة مع الجميع إلى التجاذبات الحزبية ويقسم هذه المؤسسة ويزرع داخلها التناحر السياسي وينقل داخلها عدوى التطاحن الحزبي. وبنفس المسوغات التي عرضها الطاعنون كان لزاما ايضا إعطاء حق “الترشح” لهذه الشريحة ايضا مادام حسب وجهة النظر هذه “الانتخاب” حق وهو ما يمكن ان يدخل البلاد في نزاعات قد تفضي إلى انهيار كامل للمنظومة الأمنية الهشة اصلا وتفضي إلى انخرام الأمن، ولا حق اليوم ولا مصلحة لأي طرف سياسي ولا للمؤسسة الأمنية ذاتها ولا لافرادها ولا للدولة والمواطن لحدوث شروخ في وزارة الداخلية ومزيد تعمق الاستقطاب الحزبي الحاصل داخلها اليوم عبر النقابات الامنية والولاءات الخفية وحتى المعلنة.
الاستقطاب في الإدارة بحثت عنه كل الاحزاب لأهمية الرهان، وقرار “إلغاء السيارات الوظيفية” لكبار الموظفين في الدولة كان محل مزايدات وحملة عالية المكاسب لقيمة الفئة المستهدفة وعلى اعتبارنا هذا القرار شعبوي للتغطية على عديد الإخفاقات الحكومية فانه حقق نوع من العدالة الاجتماعية الثابتة ابتهج بها عديد المواطنين وهو ما لم يراعه سياسيينا الذين هرعوا لـ”تجريم” هذا القرار في اغلبهم. ولا غرو فكبار موظفي الدولة هم مغنم هام للأحزاب “وجب” الدفاع عنه بـ”شراسة” خاصة وان العديد منهم منخرطين في الاحزاب أو “متعاونين” يعتمد عليهم كخبراء وفي “تسريب المعلومات” و”تنفيذ الخطط” وحتى في الحملات، والسيارات لكثير من المستشارين الوزاريين والمدراء تنشط يوم السبت والأحد ووقت الحملات في التنقل والدعاية للأحزاب. سليم الرياحي ظل “معتكفا” سياسيا قبل ان “ينطلق” لسانه بقوة في اعتبار القرار “شعبويا” في “غزل سياسي” مفضوح لهذه الفئة التي يسعى الجميع لاستقطابها لغاية توظيفها. الرياحي التحق به معظم النواب والقيادات السياسية بحماسة من اليمين ومن اليسار من سامية عبو إلى خليل الزاوية إلى سمير بن الطيب وغيرهم. والإعلان عن “التعاطف” و”التضامن” كان تقريبا “توافقيا”. وحتى عبد الوهاب الهاني فقد “طلع” علينا بحكاية تفليس شركة “عجيل” الحكومية لفائدة الشركة المشغلة لجمعة والغزل هنا كان عن طريق “ضربة مقصية” عالية الإتقان، لا يحذقها غيره.
اغلب هذه القوى لم تحرك ساكنا باستثناء حزب الأمان، حسب ما نشره الاعلام، للتنديد بقرار الحكومة بالتخفيض في مدة ترخيص الوالي لتملك الأجانب لعقارات تونسية، والقضية متعلقة بالسيادة الوطنية وحقوق المسحوقين من الشعب في تملك ارض أو شقة ستشتعل فيها النيران بعد غزو الأجانب الذين قد ينزلون مثل “العقاب” الذي لا يبقي ولا يذر. والحقيقة ان الموضوع محل “لقمة” تسيل اللعاب للدعاية الانتخابية ولكن يبدو ان ابتعاد الكثير من الاحزاب على المبادىء والثوابت الوطنية، وأيضاً ارتباط الأمر بالقوى الأجنبية التي يبدو انها فرضت القرار عبر سفاراتها مرورا بالاحزاب هو ما منع إثارة الأمر واستغلاله سياسيا، والجميع اليوم في نطاق “المسار السياسي” انخرط في “المنظومة الدولية” بكل الإملاءات المفروضة.
وحتى دخول صهاينة إلى البلد وصدور ملحوظة صفر ونهج كربول الذي قنن ورسخ التطبيع بوضوح وما تولد عنها من طلب مساءلة اتضح فيما بعد انها مجرد دعاية ولعبة انتخابية من الشقين الداعم للمساءلة والمعارض لها و”اللحمة” كانت سمينة، والمناورات وصلت إلى أعلى مستوى، والنتيجة كانت في النهاية تحت عين الشعب، دون “ريتوش”.
رئيس الجمهورية ايضا الذي رفع عاليا شعارات الثورة لم يحرك ساكنا برغم ارتباط مسألة التطبيع بمجال اختصاصه وسلطاته وأدار ظهره متجها إلى زيارات متعددة للقوات العسكرية والجهات في تحركات حثيثة لم نعهد لها اثرا معتبرا في مناشطه في السابق. الهاشمي الحامدي في حملة مفتوحة وعلى الهواء على قناته منذ 23 اكتوبر وحتى ترشحه فقد بعث به عن طريق الاعلام ما دام ضمن “اثنين في واحد” إمكانية الترشح في الرئاسية بالجنسية البريطانية وإمكانية تقديم الترشح بالنيابة والرجل لم يبرح مضمار الحملة للحظة. الجبالي حدثنا في آخر ظهور له عن “المصلحة الوطنية”، العنوان المجتر في كل الحملات الانتخابية الرئاسية السابقة لأوانها. بن جعفر هو الآخر بدأ في رحلته من “الحج” للولايات المتحدة حاملا معه إليها مئات النسخ من الدستور، وبعودته انطلقت الماكينة من سيدي بوزيد لكن يبدو انها انخرمت بعد الانطلاق مباشرة. السبسي هو الآخر “العجل الذي صنعه بني إسرائيل” عبر الماكنة الإعلامية المركزة واستبيانات “صنع الرأي” يبدو انه يرى في نفسه الرئيس “الفائز” قبل الانتخابات، وأبرز دليل هي “اللطمة” اللفظية التي وجهها لأحد إعلاميي وكالة تونس أفريقيا للأنباء، فالرجل اصبح يرى في نفسه المقدس الذي لا تطاله الأسئلة المحرجة، لطمة أظهرت ان العجل “له خوار” سيلقي به على الغالب في إحدى المجاري السحقية التي ستسحق “مجده المصطنع”.
كل القضايا والثوابت والمبادىء والقيم ظلت محل سجالات بخلفية غنائمية من طبقة سياسية تخلت على مبادىء الثورة في اغلبها وولت وجهها شطر السلطة ولا غرابة فالشهداء الذين كانوا القناة لخروج السياسيين من جحورهم إلى الأضواء والمجد والشهرة والمال، وقع التنكر لهم ورميت قضيتهم في كهف النسيان. وحتى “الصدمة” التي ادعاها هؤلاء السياسيين بعد الاحكام التبريئية لاعضاد بن علي، ووعودهم بـ”رد الاعتبار” و”التجند” لـ”رد شرف الثورة”، كان مجرد وعود رميت جانبا بمجرد فتور حرارة حدث أحكام محكمة الاسئناف العسكرية. والأمر لا يحتاج لتفسير مادامت هذه القضية لا تجلب المغانم العالية، وتتطلب لخوض معركتها كلفة باهضة غير مستعدة الاحزاب المهرولة للسلطة لدفعها.
ولكن فات هذه الاحزاب ان ثقة الشعب تتناقص في اتجاهها ورصيدها يتآكل بشدة، والثابت ان الشعب سيقاطع بنسب عالية انتخابات فقد فيها كل أمل، وقد يتطور فقدان الثقة إلى حدود خطيرة تجعل الأبواب مفتوحة إلى ما قد لا تشتهيه الاحزاب.
Bravo a Chokri Ben Aissa pour cette analyse tres objective de la situation actuelle de la Tunisie…..
Seul bemole … S’il a bien explique les conséquences de tous les soubresauts de la vie politique :; il est néanmoins passe sous silence sur l’origine du mal a savoir le partage de l’Economie nationale entre une minorite corrompue et des puissances etrangeres dont le seul but est de mettre la main sur nos richesses nationale….
l’auteur parait trés sûr de lui, ce qui altère gravement son objectivité. Son article est entaché d’un certains parties pries, beaucoup de confusions et personnes n’est honnête dans ce bled sauf bien sûr ceux qu’il n’a pas cité dans sa compagne contre ses sibles; joli photo de profils sinon rien à se mettre sous la dent dommage?