المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة

terrorisme-kasserine

بقلم عبد الرزاق قيراط،

ليس الارهاب لغزا في تونس، ولعلّه أشدّ وضوحا من برنامج الحكومة التي تسلّمت مقاليد السلطة ببيعة الحوار الوطني.. يكفي أن تشاهدوا بعض القنوات التلفزيونيّة لتفهموا كلّ شيء وتعرفوا من يصنع الإرهاب ومن يحمي الإرهابيين ويمنع إيقافهم وتقديمهم للعدالة.

في قناة التونسيّة مثلا حوّل نوفل الورتاني (كلام الناس) من برنامج منوّع إلى عرض مروّع بما حمله من التفاصيل عن العمليّة الإرهابيّة الأخيرة التي استهدفت بيت وزير الداخليّة لطفي بن جدّو. وقد عرفنا من خلال البرنامج الهويّة الأخرى (للمدعو) لطفي بن جدّو بفضل الطاهر بن حسين الإعلاميّ الذي يملك مع قناة الحوار التونسي خبرة كبيرة في مجال الإرهاب وخيوطه.. ولذلك دعاه الورتاني ليقول للتونسيين إنّ بن جدّو هو المسؤول عن إخفاء الخيط الرابط بين النهضة وأنصار الشريعة.. وأنّ ما يجري في ليبيا الآن نسخة من الفوضى التي كانت النهضة تخطّط لزرعها في تونس. ولا قضاء على الإرهاب حسب (خيوط نظريّته) إلا بالقضاء على الخيط الرابط بين النهضة وأنصار الشريعة… “وبن جدو هو من يخفي ذلك الخيط الرابط”..

ولسنا ندري كيف يكون بن جدّو مساهما في المخطّط النهضاوي الإخواني بينما كانت أسرته هدفا للعمليّة الإرهابيّة الأخيرة!!

واتّفق الكاتب العام المساعد لنقابة الأمن الجمهوري، الحبيب الراجحي، مع الطاهر بن حسين في نفس القراءة. فعرفنا من خلال شهادته جميع المورّطين بقوله إنّ ” الإرهاب صنعته أطراف عديدة وأتحمّل مسؤوليّتي في كلامي، علي العريض مورّط في الإرهاب ونور الدين الخادمي مورّط في الإرهاب ونور الدين البحيري مورّط في الإرهاب.. وحزب المؤتمر مورّط في الإرهاب وأعرف ما أقول…” وقد ساهم القائمون على برنامج كلام الناس في توجيه التهمة إلى نفس الجهة السياسيّة، فعرضوا تقريرا قصيرا يتضمّن تصريحات قديمة ظهر فيها سمير ديلو وراشد الغنوشي وخالد طروش الناطق الرسمي السابق لوزارة الداخليّة. ولمعرفة مدى حياديّة الورتاني وفريقه، يمكن مشاهدة الطريقة التي استقبلت بها مكالمة طروش عندما تدخّل بالهاتف ليحتجّ على إقحام تصريحه الذي يعود إلى سنة 2012 لتضليل الرأي العام ودفعه إلى استنتاجات خاطئة. فقد تعرّض لمقاطعة شرسة من الورتاني وساعدته في المقاطعة مع التوبيخ والتقريع مي القصوري الخبيرة في كلّ شيء، في الفنّ والسياسة والاقتصاد والدين والإرهاب…

وفي مقابل الجهود التي بذلت لحصر الاتهامات في اتجاه قيادات النهضة والمؤتمر، يهمّنا التنبيه إلى اعتراف الضيف من نقابة الأمن بوجود “خيانات واختراقات” في المؤسّسة الأمنيّة على نحو يذكّرنا بما يروّج من شكوك حول ما يسمّى بالأمن الموازي المجنّد لخدمة أطراف بعينها كما يُقال لنا منذ سقوط بن علي. والطريف أنّ وزارة الداخليّة هي الوحيدة التي يعيّن فيها الوزراء الموازون، فعيّن لزهر العكرمي وزيرا مكلّفا بالاصلاح في حكومة سابقة، ويقوم صفر بخطّة “موازية” على صلة بالأمن في الحكومة الحاليّة… ولا يُعرف إلى اليوم مدى الانسجام ونوع التنسيق الذي يجمع بين الوزريبن، كما نجهل درجة الإصلاح الذي بلغته أجهزة الداخليّة بفضل جهود العكرمي.

إنّ الحلقة الأخيرة من برنامج “كلام الناس” أشبه بصندوق أسود، ينبغي تحليل ما ورد في تسجيلاته من المعلومات والاعترافات التي تدلّ بوضوح على مرض عضال ينخر أجهزة الداخليّة. ولعلّها مجرّد سهرة منوّعة لاضحاك الجمهور أو الضحك عليه. ولذلك هاتف توفيق الديماسي المدير العام للمصالح المشتركة (في عهد العريّض)، الورتاني ونصحه بدعوة من يفهم جيّدا في ملفّ الارهاب من الملمّين بأبجديات العمل الأمنيّ، واستغرب وجود شخص عمل طويلا في مصلحة السجون.

ويدلّ استغراب الديماسي على عدم إلمامه بلغة “المصالح المشتركة” بين الإعلاميّين والنقابات الأمنيّة. ولعلّه لم يتفطّن إلى الانسجام الكبير بين الورتاني وبن حسين من جهة والضيف من نقابة الأمن من جهة أخرى.

وسرّ ذلك الانسجام على صلة وثيقة بالخطيئة التي اقترفها الورتاني في برنامجه الإذاعي “ميدي شو” عندما استضاف المدوّن والناشط عزيز عمامي ليتحدّث طيلة عشرين دقيقة عن الانتهاكات التي تعرّض لها في مركز الإيقاف ببوشوشة فذكر أنّ “كل مواطن تونسي هو مشروع سجين في نظر الأمن”، وتحدّث عن ممارسات لا ترتقي إلى مستوى الإنسانية .. وأكّد تعرضه إلى الشتم والسبّ خلال إيقافه من طرف أعوان أجبروه على الركوع وشتموا أمّه.

وعلى الفور، رفعت نقابة قوات الأمن الداخلي قضية ضد عزيز عمامي من أجل ما اعتبرته ثلبا وتصريحات منافية للأخلاق ضدّ المؤسسة الأمنيّة. واستنكرت في بيان لها “عدم حياديّة مقدم البرنامج نوفل الورتاني” وطالبت الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري باتخاذ الاجراءات القانونية ضدّه…

وهكذا يمكن القول إنّ حلقة كلام الناس المخصّصة للارهاب ليست سوى جلسة صلح عاد فيها الابن الضالّ إلى رشده ودوره بعد التعاطف الذي أبداه مع أحد “أعداء” المنظومة الأمنيّة الصالحة أو الفاسدة كلّ حسب رأيه أو رؤيته. فهنيئا للتونسيّين بهذه الكفاءات التي تسهر على أمنه وعلى إعلامه. فبفضلهم تُكشف جميع المؤامرات ليميّز الشعب بين الخبيث والطيّب ويعرف أعداءه الذين يدبّرون له الشرور، وأحبابه الذين يوفّرون له الحماية والأمن والسرور.