بقلم محمد سميح الباجي عكاز،
يعتبر سوق الصرف انعكاسا لحالة التوازنات الماليّة ومؤشّرا هاما لمدى متانة أو هشاشة الوضع الاقتصاديّ، وهو ما يجعل المراقبين والمحلّلين الاقتصاديين يعيرونه أهميّة بالغة في قراءاتهم وتحليلاتهم للأوضاع الاقتصاديّة. وقد شهد سوق الصرف في تونس في الآونة الأخيرة تطوّرات أجبرت جميع الفاعلين الاقتصاديّين على حبس أنفاسهم، فقد تراجع سعر صرف الدينار التونسيّ ليبلغ مستويات لم يعرفها الاّ نادرا فيما مضى، وهو ما اثار فزع عديد المحللين الاقتصاديّين الذّين تخوّفوا من استمرار هذا التراجع ليصل الدينار التونسيّ الى مرحلة الانهيار في ظروف اقتصاديّة وسياسيّة واجتماعيّة مشحونة ومترديّة، ممّا سيُسهم في تعميق الأزمة الشاملة التّي تعيشها البلاد منذ ما يزيد عن ثلاث سنوات.
البنك المركزي يشرح … !
شهد سوق الصرف في الآونة الأخيرة اضطرابات خطيرة أدّت الى تراجع سعر صرف الدينار التونسي الى مستويات جعلت العديد من الخبراء و المحلّلين الاقتصاديّين يطلقون صيحات الفزع، فبحسب البنك المركزي التونسي وقع تداول الدينار بسعر بلغ 2.3129 بالنسبة للأورو و 1.693 بالنسبة للدولار في بداية شهر جويلية. وقد علّل محافظ البنك المركزيّ هذه الوضعيّة الحرجة أن الدينار التونسي يشهد انتكاسة غير مسبوقة و ذلك يعود إلى اختلال الموازين بين العرض و الطلب على العملة الصعبة و هو ما أثر سلبا على قيمة الدينار التونسي وسعر صرفه مع العملات الأجنبية.
كما أشار أنه لا يمكن التحكم في سعر صرف الدينار، لأن الدينار عرض وطلب في السوق الاقتصادية، و تدارك هذا النزول في سعره يتطلب توفر نمو اقتصادي وتنمية وإنتاج، حسب قوله. وقد أكّد العياري أنّ مصادر تزويد البنك المركزي وتونس بالعملة الصعبة تقلصت لأسباب عديدة وبذلك فإنّ الفرق في العرض والطلب على العملة الصعبة أثّر على مستوى سعر صرف الدينار مع بقية العملات التي تتعامل معها تونس وهي الدولار واليورو.
لم تكن هذه المرّة الأولى التّي ينهار فيها الدينار التونسيّ، فقد شهد شهر ماي من سنة 2013 وضعيّة مماثلة وإنّ أقلّ حدّة حين حين بلغ سعر الدينار التونسيّ 1.52 أمام الدولار و2.02 أمام الأورو، ممّا دفع بالبنك المركزي إلى التدخّل بشكل منظّم لضخّ السيولة في سوق الصرف و تعديل أسعار الصرف و وقف تدهور سعر الدينار التونسي. و قد بلغت قيمة الأموال التّي ضخّها هذا الأخير 1887 مليون دينار، بما يُمثّل حوالي 33 بالمائة من الحجم الجمليّ المتداول في السوق، و هو ما مكّن في النهاية من وضع حدّ لتدهور سعر الدينار و الحدّ من تبعاته السلبيّة على نسبة التضخّم و الاستثمار، كما ساعد في توفير السيولة اللازمة للإيفاء بالتعهدّات الداخليّة و الخارجيّة للبلاد.
كما أفاد التقرير أنّ البنك المركزي قام في بداية شهر ماي بضخّ 638 مليون دينار لمزيد طمأنة المتعاملين و هو ما أسهم في ارتفاع قيمة الدينار و استقراره في حدود 1.64 بالنسبة للدولار و 2.14 بالنسبة للأورو. و قد أشار البنك المركزيّ الى أنّ حالة الهلع هذه غير مبرّرة، ذلك أنّ هذه الأزمة ليست بجديدة، و أنّ الدينار التونسيّ قد عرف تراجعا مقابل الدولار و الأورو في الماضي بل و بأكثر حدّة من التدهور الأخير، مرجعا الأزمة الى الوضع الاقتصاديّ العامّ في البلاد و اختلال التوازنات الماليّة و تنامي العجز التجاريّ، بالإضافة الى تحويلات التونسيّين المقيمين بالخارج و الاستثمارات الاجنبيّة التّي تأثّرت بالأوضاع المحليّة المترديّة و بالوضع الاقتصاديّ العام خصوصا في دول الاتحاد الأوروبي.
المعضلة القديمة الجديدة وارتداداتها على الاقتصاد الوطنيّ
تدخلّ البنك المركزيّ لإيقاف التدهور ليس بالحلّ الجذريّ والناجع، فالأزمة ليست بجديدة، و ذلك يرجع إلى ارتفاع نسبة التضخّم وموجة ارتفاع الأسعار التي لم تتوقّف منذ بداية الأزمة، إذ بلغت نسبة التضخّم 5,4% خلال شهر ماي 2014 حسب آخر بيانات المعهد الوطنيّ للإحصاء، والذّي حذّر من استمرار نسق الارتفاع وتهديده الجدّي لقيمة العملة التونسيّة، بالإضافة إلى المصاعب الأمنيّة و السياسيّة التي انعكست على الفاعلين الاقتصاديّين وتراجع دور القطاع السياحيّ في تغذية خزينة الدولة بالعملة الصعبة و تنشيط الدورة الاقتصاديّة.
كما لعب العجز التجاريّ دورا أساسيّا في الاختلال الحاصل في سوق الصرف، فقد ظلّ الميزان التجاريّ يحقّق عجزا متواصلا منذ ما يقارب العقد من الزمن، حيث كانت حصيلة المبادلات التجاريّة سنة 2013 سلبيّة بقيمة تناهز 8743,8 مليون دينار وبنسبة تغطيّة لم تتجاوز 70 %، ورغم الإحصائيات التي تشير إلى ارتفاع الصادرات التونسيّة وتنوّعها لتشمل المواد المنجميّة والغذائيّة والصناعيّة، والتي بلغت السنة الفارطة 20821,9 مليون دينار، إلاّ أن واردات البلاد شهدت ارتفاعا متواصلا ناهز سنة 2013، 29565,7 مليون دينار، وهو ما يفسّر العجز المسجّل في الميزان التجاري. إذ أنّ طبيعة الصادرات التونسيّة التي تعتمد خصوصا على المواد الغذائية والصناعات التحويليّة لا تقارن من حيث القيمة المضافة بما تستورده البلاد من سلع مرتفعة القيمة كالصناعات الميكانيكيّة والالكترونيّات، وهو ما ينجر عنه هذا الاختلال الواضح في النتائج التي تسجّلها التجارة الخارجيّة.
ويتجلّى دور العجز التجاريّ بالخصوص في طبيعة الشركاء التجاريّين، فالمبادلات التجاريّة التونسيّة مرتبطة بالقارة الأوروبية ارتباطا وثيقا تجلّى في الأرقام المسجّلة على مستوى التجارة الخارجيّة، حيث أشارت الإحصائيات أنّه وإلى حدود موفى سنة 2013، استحوذ الإتحاد الأوروبي على معظم العلاقات التجاريّة التونسيّة، إذ بلغت الصادرات التونسيّة إلى الأسواق الأوروبية ما نسبته 75 % من مجمل الصادرات، وكان النصيب الأكبر للسوق الفرنسيّة بنسبة 27 %، تليها السوق الإيطاليّة بنسبة 11 % وألمانيا بنسبة 10 % من إجمالي الصادرات التونسيّة. هذا الارتباط لم ينحصر على استيراد السلع والمنتجات التونسيّة، فقد استطاع الاتحاد الأوروبي بدوره أن يهيمن على السوق التونسيّة وأن يبلغ نصيبه من إجماليّ واردات البلاد ما يقارب 70 %.
وكما هو الحال بالنسبة للصادرات، تصدّرت فرنسا قائمة المورّدين لتونس بنسبة 20% لتليها إيطاليا بنسبة 19% ومن ثمّ ألمانيا التي استحوذت على 10% من إجمالي الواردات التونسيّة.
ومن أبرز تداعيات تراجع الدينار التونسي على مستوى التجارة الخارجية فيتجلّى من خلال ارتفاع كلفة الواردات وانخفاض قيمة الصادرات وهو ما يؤدّي بصفة آلية إلى ارتفاع الأسعار وتفاقم مشكلة التضخّم وتواصل العجز التجاريّ. ومن جهة أخرى فأنّ من سلبيات انخفاض سعر الدينار التونسي مقابل العملات الأجنبية انه يحدّ من القدرة التنافسية مما يجعل معظم الشركات مجبرة على التخفيف من هامش الربح للمحافظة على حرفائها في السوق العالمية.
كما أنّ التضخّم الناتج عن تراجع سعر الصرف سيؤدّي بالضرورة الى ارتفاع نفقات الدعم و بالتّالي تفاقم العجز الماليّ و تفشّي الفقر.
أنّ التأثير السلبيّ لتدهور سعر الدينار لن يتوقّف عند هذا الحدّ، بل سيشمل مسألة التداين، ذلك أنّ ما يقارب ثلثي ديون البلاد بالعملة الصعبة وهو ما سيرفع من قيمة الدين ان انخفض سعر صرف العملة المحليّة، وقد بلغت الديون التونسيّة خلال السنوات الأربع المنقضية 25 مليار دينار، وهي تستنزف ما يقارب ال50 % من الناتج المحليّ الخام للبلاد ممّا ينعكس سلبا على أيّ خطط أو مجهودات تنمويّة. أمّا بالنسبة لقطاع السياحة، فهو و ان كان سيستفيد من تراجع سعر الصرف نظرا لتحوّل السوق التونسيّة إلى سوق بخسة، إلا أنّه يبقى رهينة الوضع الأمنيّ و السياسيّ الهشّ بطبعه بالإضافة الى ارتباطه بالوضع الاقتصاديّ المتردّي حاليّا لشركائنا.
النهوض بالوضع الاقتصاديّ العام في البلاد يتطلّب تجنّد الجميع من مؤسّسات حكوميّة و خبراء لإيجاد خطّة انقاذ عاجلة و رسم خارطة طريق اقتصاديّة تكون بديلا للمسكّنات والإجراءات الحينيّة وتمكنّ البلاد من الخروج أزمة ما زالت مستمرّة منذ ما يزيد عن ثلاث سنوات نتيجة المنوال التنمويّ السابق والسياسة الاقتصادية القائمة على التعويل على الأجنبيّ والتداين والضبابيّة في التخطيط والمحاسبة.
ياما قلنا الاقتصاد داخل في حيط والبلاد راحت. والشعب المسلم ولا يستسلم يصرّ إلحاحا ويلحّ إصرارا أنو كل شيء لاباس وأهم حاجة هو تحكيم الشريعة والشعب يريد النهضة من جديد. اللهم لا شماتة. جيد جدا أن تنهار الأمور إلى هذا المستوى وتتواصل حتى يعي هذا الشعب الأحمق والمنافق إلى أي حدّ أخذ البلاد إلى الانهيار بنفاقه الرخيص. عندما يعجز قطعان الحمير عن شراء رغيف خبز في السنوات القليلة القادمة فليأكلوا من “أفكار” شيخهم التكتاك وليطعموا أبناءهم من شريعة شورو والخادمي وأبو عياض. قد جنت على نفسها براقش يا شعب تونس1
ملاحظة: في الرسم البياني الأول هناك خلط بين الدولار واليورو (العلامة الدالة)
[…] من سنة 2015. تدهور سعر الصرف للدينار التونسي بدأ منذ شهر ماي سنة 2013، حيث بلغ سعر الدينار التونسيّ 1.52 أمام الدولار و2.02 […]