anc-elections_2014

قرّر مكتب المجلس التأسيسي تأجيل النقاش العام لقانون الإرهاب إلى مفتتح شهر سبتمبر القادم، وقام بمنح عطلة لمدة أسبوع للنواب من أجل الإعداد للإستحقاق الإنتخابي القادم. هذا القرار جاء نتيجة فشل المجلس التأسيسي في التوافق حول نقاط هامة في قانون الإرهاب ورفع الجلسة العامة في ثلاث مناسبات بسبب عدم اكتمال النصاب لتغيّب عدد كبير من النواب. سبب تغيب النواب عن هذه النقاشات الهامة يعود أساسا إلى تسارع نسق الأحزاب الممثلة في التأسيسي في الإعداد لقائماتها الإنتخابية وأيضا لعزم أغلب النواب غير المنتمين لأحزاب الترشح في قائمات مستقلة.

الإمتيازات التي تمتع بها نواب المجلس التأسيسي طيلة السنوات الثلاثة لفارطة أصبحت لدى البعض استحقاقا يصعب التخلي عنه. فإضافة إلى المرتب القار الذي يقارب ثلاثة الاف دينار ومنح التنقل والسكن وإمكانية التغيب دون عقوبات تذكر، منح المقعد النيابي لنوابنا متعة ممارسة السلطة وأخذ القرارات والتدخل بفعالية في الشأن العام فتحول أغلبهم من موظفين عاديين أو عملة بسطاء إلى أعلام ووجوه تلفزية تقدم الإستشارات وتفتي في الشأن العام. هذه الإمتيازات المالية والسياسية والإجتماعية شارفت لدى نواب التأسيسي على الإنتهاء والإضمحلال مع اقتراب موعد انتخاب مجلس نيابي جديد، فأعلن أغلبهم عن ترشحهم للإنتخابات القادمة عاقدين العزم على العودة. وقد تحول الهدوء واصطناع اللامبالاة بالمراكز والكراسي إلى حرب مسعورة حين شرعت الأحزاب في الإعلان عن قائماتها حتى أن بعض النواب الذين تم إقصاءهم عبروا عن خيبة أملهم بالدموع والأسف والوعيد.

نقاشات أعضاء المجلس التأسيسي خلال الجلسات الثلاث الأخيرة المخصصة لقانون الإرهاب كانت أبعد ما تكون عن الموضوع الرئيسي، أي المصادقة على القانون الذي ينتظره تونسيون بجزع تخوفا من ضربات الإرهاب المتكررة. فإضافة إلى أن كل الجلسات الصباحية قد رفعت بسبب عدم اكتمال النصاب فإن المداخلات اتّسمت بالرغبة في استثارة الرأي العام بحملات انتخابية مبكرة برعاية البث التلفزي المباشر.

زمن أبطال الدعاية التلفزية

نذكر ابراهيم القصاص الذي استقال من حزب العريضة الشعبية ثم انضم إلى حزب نداء تونس واستقال أو “أقيل” منه لأسباب مجهولة، ثم تحوّل فجأة إلى “داعية ديني” من خلال خطابات متشنجة تنادي بتطبيق الشريعة الإسلامية (خطابات لم تعرها حركة النهضة أي اهتمام). عدم اهتمام الأحزاب الدينية بخطابات القصاص وعدم اقتراح ترشيحه على قائماتها بولاية قبلي دفعه إلى استنباط سبل جديدة أهمها إعلان معاداته للإعلام والإعلاميين على أمل أن يكسب ودّ شريحة ترى في الإعلام عدوّا لها.

التأسيسي يترشّح للإنتخابات

أعلنت أغلب الاحزاب الممثلة في المجلس التأسيسي عن رؤساء قائماتها الإنتخابية وأبرز مرشيحها. ولئن راهنت أحزاب كحركة النهضة والجبهة الشعبية والمؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل من أجل العمل والحريات وحركة وفاء على أبرز قيادييها من النواب بالتأسيسي فقد عمدت أحزاب أخرى على التخلي عن أهم النواب الذين صنعوا شعبيتها واستقطبوا عددا لا بأس به من الأنصار.

علي العريض، عامر العريض، الصحبي عتيق، نور الدين البحيري، بشير اللزام، محرزية العبيدي، زياد العذاري، فتحي العيادي، وليد البناني، وغيرهم من ممثلي حركة النهضة هم على رأس القائمات الإنتخابية للحركة عدا عن غيرهم من النواب الذين وضعت أسماؤهم في المرتبة الثانية للقائمات. وبهذا تعيد حركة النهضة منح الثقة لنفس الوجوه السياسية التي طالما كانت طرفا في الصراعات السياسية التي أنهكت البلاد طيلة السنوات الفارطة.

الجبهة الشعبية أيضا وضعت نوابها الأربعة على رأس قائمات انتخابية، المنجي الرحوي، مراد العمودوني، الناصر البراهمي وأحمد السافي، ومن المرجّح أن تتم إعادة انتخابهم ليعودوا للقيام بنفس الدور الذي قاموا به خلال مدّتهم النيابية بالتأسيسي ألا وهو معارضة أحزاب الأغلبية وقيادة المظاهرات الشعبية. هذا وقد اعتمدت بقية الأحزاب نفس السياسة حيث نجد النائبين المولدي الرياحي ولبنى الجريبي عن حزب التكتل وسمير بن عمر والبشير النفزي وغيرهم عن كتلة المؤتمر وسمير الطيب وسلمى بكار عن المسار وأيمن الزواغي واسكندر بوعلاقي عن حزب العريضة الشعبية ومحمد الحامدي ومهدي بن غربية ومحمود البارودي عن حزب التحالف الديمقراطي على رأس القائمات الانتخابية مما يرجح بقوة إعادة أغلب نواب التأسيسي إلى مقاعدهم خلال الإنتخابات القادمة.

هذا بالإضافة إلى أن جلّ نواب التأسيسي غير المنتمين لأحزاب قد قرروا الترشح للإنتخابات القادمة سواءا بالانضمام إلى أحزاب صغرى أو بتشكيل قائمات مستقلة يترأسونها نظرا لما لديهم من “ماض نيابي.” وقد شهدت نواة خلال زيارة للتأسيسي مؤخرا نقاشات جانبية في الأروقة بين مختلف مكونات الكتل السياسية حول إمكانية ضم نواب إلى قائمات بعض الأحزاب، وقد عرفت هذه النقاشات قبولا من البعض ورفضا من البعض الآخر في أجواء تشبه انتقال لاعبي كرة قدم من فريق لآخر.

نوّاب على “دكّة الإحتياط”

الغياب المخجل لعدد كبير من أعضاء المجلس التأسيسي والذي كشفته منظمة “بوصلة” وتسبب في تأخير نقاش قوانين هامة، له ما يبرره على الأقل بالنسبة للنواب الحالمين بالعودة لقصر باردو من خلال الإنتخابات القادمة. فالصدمة التي أحدثتها بعض الأحزاب الكبرى بتخليها عن ترشيح نوابها بالتأسيسي أحدثت أزمة حاول على إثرها بعضهم التدارك والبحث بأقصى سرعة عن حلول ناجعة.

فقد أحدث حزب نداء تونس لغطا بتخليه عن حلفائه في ما يسمى ب”التحالف من أجل تونس” ومن بينهم حزب المسار الديمقراطي الذي كان نوابه يطمحون إلى الترشح ضمن قائمات مشتركة مع قائمات النداء. وعلى إثر إعلان النداء عن رؤساء قائماته سارع بقية ممثلي الأحزاب المكونة للإتحاد من أجل تونس ومن بينهم نواب في التأسيسي إلى تنظيم اجتماعات مكثفة للنظر في تشكيل قائماتهم الخاصة. ولم ينكر سمير الطيب الناطق الرسمي باسم حزب المسار استهجانه من تصرف حزب النداء معتبرا أنه “استهتار بقرارات مشتركة سابقة للإتحاد من أجل تونس.”

صفعة أخرى وجهها حزب نداء تونس لنواب المجلس التأسيسي الذين تخلوا عن أحزابهم وانضموا إليه في فترات سابقة وهم محمد علي النصري، ربيعة النجلاوي، عبد المنعم كرير وسليم عبد السلام، حيث أنه لم يضمّن اسم أي منهم في قائماته الإنتخابية، مما خلف لديهم حسرة وندما شديدين. ففي تصريح لنواة أكد النصري أنّه “خارج حسابات النداء لأسباب يجهلها ولا يفهمها ولكنه سيقوم بترشيح نفسه ضمن قائمة مستقلة.”

حركة النهضة بدورها تخلّت عن عدد من نوابها بالتأسيسي ومن بينهم الصادق شورو والحبيب اللوز اللذان يعتبران من الشق المتشدد في الحركة وكل من نجيب مراد وسنية بن تومية اللذان عُرفا بمواقفهما المثيرة للجدل بالتأسيسي. ولئن أعلن نجيب مراد عن غضبه من عملية استبعاده مؤكدا أن مردّها مواقفه وآرائه التي عبر عنها بكل حرية، فقد انفجرت سنية بن تومية خلال أحد البرامج الإذاعية باكية مشككة في ديمقراطية مجلس الحركة في التعامل مع نوابه ومعلنة ولاءها الدائم والأبدي لحزبها رغم “دعوات أحزاب ورجال أعمال لها لترشيحها على رأس قائمات انتخابية “، حسب تعبيرها. وقد تحدث موقع “الصباح نيوز” بتاريخ 11 أوت الجاري في حوار مع النائب نجيب مراد عن إمكانية ترشح المغضوب عليهم بحركة النهضة ضمن قائمات مستقلة.

حادثة أخرى جدت أواخر الأسبوع الفارط وأثارت جدلا تمثلت في تخلي الحزب الجمهوري بقيادة نجيب الشابي عن واحد من أهم ممثليه بالمجلس التاسيسي وهو رابح الخرايفي عن ولاية جندوبة. رابح الخرايفي عبّر خلال ندوة صحفية من استيائه الشديد من هذا القرارا مؤكدا أنه قرار كيدي حيث لم يتم الإتصال به من طرف قيادات الحزب وقد اقترحت عليه مية الجريبي “تنظيم” لقاء يجمعه بالشابي، الأمر الذي اعتبره إهانة واستعلاء من طرب عائلة الشابي المسيطرة على الحزب حسب تصريحه لنواة. ولم تمض سويعات على هذه الحادثة حتى تم ترشيح الخرايفي على رأس قائمة حزب التحالف الديمقراطي بجندوبة. ويذكر أن حزب التحالف يتركب من الأعضاء المستقيلين من الحزب الجمهوري.

تهافت أعضاء المجلس التأسيسي على سباق الإنتخابات لضمان العودة إلى قصر باردو أثر سلبا على ادائهم لدورهم كنواب الشعب، وفضح نواياهم بخصوص إخلاصهم في تمثيل ناخبيهم. ففي الوقت الذي تعاني فيه البلاد تهديدا إرهابيا وتطالب فيه مؤسسات عسكرية وأمنية ومواطنون بسرعة الحسم في قانون الإرهاب، يترك النواب مقاعدهم فارغة ويركضون لضمان نجاحهم في الإستحقاق الإنتخابي القادم. ولعلّ أهم ما يشجعهم على الإستهتار بمصالح البلاد من أجل مصالحهم الخاصة هو غياب القوانين الرادعة للمتغيبين وانخراط رئيس المجلس التأسيسي ونوابه ومكتبه في اللعبة الإنتخابية.