المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة

urne-election-simple-2014

بقلم أبو أويس،

دواعي الانتخاب لمن اضطرّ غير باغ ولا عاد الفكرة هنا هو انّ الوضع العام للسياسة يبدوا في تدهور وأنّه ليس من الحكمة دفعها لمزيد من التدهور. وبما أنّ اساسها وروحها هي الاخلاق والمبادئ، فكل إعانة على ذلك اصلاح لها ودرء للمفاسد. هذا على صعيد المبدأ، امّا من الناحية العمليّة، فالأمر اعسر من ذلك لكون مناخ الارتباك والفوضى يخلُق نوعا من الحيرة التي تكاد تُفقد الصّواب. ونحاول هنا الادلاء بوجه نظر انطلاقا من الفكر العام لحال السياسة وسلوك الافراد نحو الحالة الخاصة بنا في تونس حول موضوع الانتخابات.

الدولة اصبحت آلة للتخويف وليست محلّ ثقة الناس

الدولة الحديثة لم تترك حيّزا كبيرا للمبادئ والاخلاق وجعلت منطق المصالح هو المحدّد للسلوك في الغالب. و قد يشوب سلوك الدولة كثير من “النفاق” لانّ امور تصريف الاعمال لا يكون هدفه كما هو مُعلن، اي تحقيق الصالح العام والرّفاه الاجتماعي والعدالة والحرية وغيرها من المبادئ والاهداف، وانما تتصرّف تحت عوارض وضغوط وموازين قوى وتدافع للمصالح نادرا مايكون للتي هي احسن وغالبا ما يكون للتي هي اسوأ -مع كثير من الحيل واللّف والدّوران والتقلّب. مثال واحد للقياس: ما معنى ان تبيع الدولة ما يضرّ صحّة الافراد والصحّة العامّة ثمّ تنصح المشترين بانّه مُضرّ وقاتل؟

وحين يتعلّق الامر بالتشريع او التصرّف في بعض المسائل المهمّة، وكأنّ الامور تسير في مناخ من الصراع الحادّ، بعيدا عن الشفافية والنزاهة، اللهم من خلال الخطابات والتصاريح والكتابات. والقانون للغاب والغاية مصالح مادّية آنية ولاسعي الا لمزيد من السلطة والثروة، حتى انّ الاقتصاد والسياسة اصبحتا الوسيلة من أجل “دائما أكثر”. هذه الثقافة التي يمكن ان نطلق عليها اسم “الثقافة الرّبويّة” (بالمعنى اللغوي لكلمة ربا، اي الزيادة) تكاد تكون هي المُهيمنة، بل الثقافة المعيار والمرجع. وهيمنتها لا تنحصر على اغلب الطبقة السياسية ورجال الاعمال بل هي أعمّ.

الافراد مُعرضون لفقدان الثقة واتباع الثقافة الربوية

المصلحة المادّية الآنية والبحث المتواصل عن “دئما أكثر” اصبحت ثقافة وعقليّة وخُلُق لعموم النّاس. وحين يكون الوضع بهذا الشّكل تكون هذه الغاية مُبرّرةً لكلّ الوسائل، دون مرور عبر ميزان الاخلاق والعدل والحقّ. نعم هنالك شيء من الغريزة والطّبع في الانسان من حبّ التّملّك والانانية وحبّ التّكاثر والرغبة وغيرها، ولكن في المقابل هو يعي تمام الوعي انّه قادر على كبح جماح نفسه وانّ الخُلُق المنافي لهذه الثقافة الربوية فيه سعادة وصلاح له ولغيره. وأن الشعب لن يموت جوعا اذا ما اختار طريق الاخلاق والعدل – ما استطاع اليه سبيلا. والفطرة السليمة لا يخفى عليها احسن الاخلاق والغاية النبيلة أو المشروعة لا تُبررها كلّ وسيلة.

في الواقع وعلى مستوى السلوك، يمكن ان تتعارض المصالح مع المبادئ ولكن اذا ما ارتوينا بكثير من الثقافة الربوية فالأرجح ان يقع اعطاء الاولوية للمصالح الماديّة بل من الممكن ان يقع تسخير المبادئ مع التشدّق بها من اجل تحقيق المصالح الماديّة. وبشكل عام فان الذي وقع في زمننا الحديث هو أنّ الاقتصاد والسياسة قامتا بإزاحة الاخلاق ثمّ جعلتا منها مطيّة من اجل ارساء “الثقافة الربويّة” –التي توشك ان تعمّ وتصبح المعيار والمرجع.

“الدولة تحسب والمواطن يحسب”

ولقد كان لبسط نظام السّوق وتوسّعه من خلال الجوانب المالية والنقدية الاثر العميق في ترسيخ وتعميم هذه “الثقافة الربويّة” واصبح الميل لكلّ ما هو مادي وله مُقابل نقديّ اكبر منه الى ما هو غير ذلك من المبادئ والقيم، بل ان الخدمات والسلع التي كانت خارجة عن دائرة السّوق والتعامل النقدي وقع ادماجها واحداث سوق لها. ولهذا اصبح “الحساب الاقتصادي” اهمّ الميادين وحساب المصالح ديدن لا التّجار فقط ولكن ديدن السياسيين والناخبين والناس أجمعين. والهدف ان نخرج من هذا المنطق وهذه الثقافة الربوية التي أرّقت الجميع بأزماتها وانسداد أُفُقها حتى انها السبب الرئيس في ما نرى من ظهور للفساد في البرّ والبحر.

لمن الانتخاب؟

الداعي الاول للانتخاب هو ترشيح من هو أجدر فعلا بتوفير الحريات لكلّ من اراد الاسهام في تحسين العيش المشترك –ومن الاسهامات الحرّة تلك التي لا ترضى باحتكار الدولة لكل امور النّاس، الداعي الثاني هو صدّ السياسة عن اسهامها في تدهور الاوضاع وذلك من خلال اختيار من هو اكثر تشبّثا بالأخلاق والمبادئ، الداعي الثالث خلق مناخ يمكّننا من تعويض الثقافة الربوية بثقافة اكثرانسانية واقرب للصلاح.

انّ الآيس من السياسة يرى في الانتخاب كأكل للميتة وشرب ماهو محرّم ولكن من ينظر للمقصد عليه بحفظ نفسه ومجتمعه من الهلاك، املا في ان تصلُح السياسة يوما، واذا ما اصرّت هي على الفساد منعناها نحن من مواصلة الافساد، والانتخابات وسيلة لا غاية. حالنا في تونس وكأنّنا في مُفترق طُرق ومن كل جانب يحيط بنا مُتربّصون من المتشبّعين بالثقافة الرّبوية، وخلاصة المقال انّه من اراد ان يقوم بواجبه وارضاء ربّه وضميره فالفرصة امامه فلا يضيّعها.