livres-tunisie

تشير إحصائيات اليونسكو إلى أن البلدان العربية أنتجت 6.500 كتابا سنة 1991، بالمقارنة مع 102.000 كتابا في أمريكا الشمالية، وتشير إحصائيات أخرى إلى أن الأوربي يقرأ بمعدل 35 كتاباً في السنة، بينما يقرأ 80 شخصاً كتاباً واحداً في السنة في العالم العربي.

الكتاب في تونس يعيش هو الآخر عدة مشاكل من بينها غياب القراء، أو ما يعتبره البعض غياب التسويق له وتوزيعه، فالكتاب التونسي لا يباع خارج تونس ولا يصل الجمهور العربي ويبقى رهين السوق محلية ضيقة.

إن عملية صناعة الكتاب عملية معقدة تبدأ من التأليف إلى الإخراج الفني والنشر ثم أخيرا التوزيع. غير أن الكتاب التونسي يتوقف في حدود النشر ولا يتم التسويق له وتوزيعه.

توجهنا بالسؤال إلى كتّاب تونسيين عن سبب هذه المشاكل التي تصادفهم في علاقة بالتوزيع:

chafik_targui الشاعر شفيق طارقي: «الكاتب متآمر على إبداعه من الوزارة ودور النّشر، يمتصّان رحيقه ويلقيانه في العدم».

حمل الشاعر شفيق طارقي وزارة الثقافة ودور النشر مسؤولية ما يعيشه اليوم الكتاب التونسي واعتبرهما متآمرين على الكاتب والمبدع مؤكدا أن الحلول موجودة إذا ما آمن هؤلاء بالكتاب:

معضلات الكاتب كثيرة تحيطه من كلّ الجهات، فبالإضافة إلى محنة الكتابة وآلامها المتستّرة والظّاهرة، يجد نفسه في أكثر من أتون، بدء من لظى النّشر ومستلزماته، تلك الّتي لا يتملّكها، في واقع مادّيّ مجحف وصولا إلى معضلة التّوزيع متى كتب له أن يتجاوز مشكليّة النّشر، إذ يظلّ الكاتب في لقاء يوميّ مع أكداس من النّسخ لا يجد من سبيل لتوزيعها إلّا دروبا قد أغلقت دونه خاصّة إذا نأى بنفسه عن التّمسّح والمجاملة والوقوف على أعتاب المؤسّسات الثّقافيّة والمندوبيّات، فإمكانات التّوزيع متعسّرة، وقنواته مسدودة، ولا وجود لآليّات فعليّة وناجعة تخرج الكاتب من هذا القمقم، ليصيبه في أغلب الأحيان الإحباط.

تقع المسؤولية هنا على وزارة الثقافة بشكل خاص وعلى ساسة الدولة إجمالا. هذه السياسة الّتي همّشت ومازالت تهمّش المثقّف. فالثّورة تظلّ مجرّد ادّعاء تاريخيّ ما لم تنهض بوضعيّة المثقّف، والحلول متوفّرة إذا وجد العزم والإيمان بأنّ كتابا ما قادر على خلق إنسان وعلى تحديث مشروع مجتمعيّ برفع نسبة المقتنيات وتقنينها وبالتّخفيض في كلفة النّشر لينخفض سعر الكتب ذريعة النّاشر أنّ تكلفة الورق باهضة، ولكنّني ألاحظ أنّ الكاتب متآمر على إبداعه من الوزارة ودور النّشر، يمتصّان رحيقه ويلقيانه في العدم إلّا من رحم ربّك فالنّاشر تاجر بالضّرورة، وفي مستطاع هذه الدّور إيجاد آليّات للنّشر أيسر وبالتّالي المساهمة الفعليّة في عمليّة التّوزيع، الرّأي عندي أنّ الموضوع متشابكة عناصره فليس للمشكلة سبب واحد، الأسباب متراكمة ونواتها تدنّي نسبة الوعي لدى الحاكم والمحكوم إنّ الشّعب الّذي قام بثورة لا يقرأ وساسته لا يقرأون، وليس هنالك إيمان بدور المثقّف وبما يكتب، لابدّ من ثورات ليجيء المخلّص.

Jamil_Amami الشاعر جميل عمامي: «سوق سوداء حيث لا توجد قوانين تحمي الكاتب و الناشر والمستهلك».

اعتبر الشاعر جميل عمامي مشكلة توزيع الكتاب في تونس جزء من إشكاليات صناعة الكتاب، ودعا إلى استشارة وطنية للكتاب بين عدة وزارات للمشاركة في التسويق للكتاب التونسي في الداخل وعلى مستوى وطني وإقليمي ودولي:

تعتبر صناعة الكتاب في تونس أوكد القضايا الثقافية و الوطنية العاجلة التي وجب البحث فيها و إيجاد حلول عاجلة لها و إلا ضاعت أجيال إلى الأبد. في الحقيقة لا يمكن الحديث عن إشكاليات توزيع الكتاب في تونس مادام ليست ثمة صناعة كتاب وهي سلسة أراها مترابطة من صناعة الورق حتى و صول الكتاب إلى المستهلك إلي القارئ وبعد ذلك يمكن الحديث عن إشكاليات في التوزيع ما يوجد الآن من حركات نشر و طباعة هي بادرة معزولة تقوم بها دور نشر صغيرة قائمة على إيمان أفراد مثقفين أو تجار كتب لتحريك المشهد قليلا … و بالتالي لا فائدة في خوض مشاكله لأنه عبارة عن سوق سوداء حيث لا توجد قوانين تحمي الكاتب و الناشر و المستهلك … فيصنع ورق لطباعة كتاب لا يقرأ و قارئ لا يقرأ و كاتب لا يقرأ له و كتاب مرتفع التكلفة … كل هذا يمكن أن يحدث أي أنه رغم ذلك ثمة كتاب يطبع و دور نشر تلعب دور الوسيط بين الكتاب و المطبعة لكن المشكلة الأكبر هي في توزيع هذه الكتب و ترويجا و إيصالها للمستهلك بأثمان معقولة و مدروسة لذلك فحلقة الكتاب حلقة مرتبطة ببعضها البعض مثل العقد إذا انفرطت منه حبة انفرط باقي العقد لذلك يجب تأصيل المسألة و العودة إلى مراحل صناعة الكتاب من الورق و دعمه إلى دور النشر و تنظيم القطاع إلى دعم الدولة و حفظ حقوق المؤلفين إلى توزيع الكتاب و وصوله للقارئ وهذا العمل يقتضي التنسيق بين عدة وزارات ليس موكولا لوزارة الثقافة وحدها بل يجب تفعيل الاتفاقات المبرمة بين وزارة التربية و وزارة الثقافة إن وجدت و وزارة النقل و وزارة الصناعة حينها يمكن الحديث عن حلول جذرية للتوزيع لذلك أدعو إلى استشارة وطنية للكتاب بين الأربع وزارات المذكورة في مرحلة أولى يتم تفعيلها و العمل بها في أقرب الآجال ثم ربط قنوات مع المحيط المتوسطي و الإقليمي و الكوني للتعريف بالكتاب التونسي و الترويج له.

مجدي بن عيسى: «موزّعون يريدون أن يعملوا على الكتاب المشرقي في مواضيع معيّنة وأسماء مطلوبة مدرسيا أو مكرسة Majdi_ben-Aissaإعلاميا».

الناشر مجدي بن عيسى صاحب دار زينب للنشر حمّل شركات التوزيع المسؤولية لأنها حسب رأيه لا تؤمن بالكتاب التونسي لأنهم يريدون الربح السريع والكتاب التونسي عبء عليهم. كما أكد أن وزارة الثقافة تتحمل جزء من المسؤولية، وبعض الكتاب يحمّلون دور النشر المسؤولية ولكن تغيب عنهم تفاصيل يجهلونها:

في غياب شركات التوزيع التونسية المؤمنة بأحقية وأسبقية الكتاب التونسي في الوصول إلى القراء، نضطرّ كناشرين أن نعتمد على إمكانياتنا الخاصة في التوزيع، المشكلة ليست في غياب الموزع التونسي ولكن المشكلة في أنّه لا يؤمن بالكتاب التونسي، موزّعونا يحبون أن يعملوا على الكتاب المشرقي في مواضيع معيّنة وأسماء مطلوبة مدرسيا أو مكرسة إعلاميا، هذا يحقق لهم الربح السريع، أما الكتاب التونسي فهو عبء عليهم، وثقل لا يتحملونه، لذلك فهم يضعون شروطا مجحفة لمجرّد القبول بتوزيع إصداراتنا، وبعضهم يرفض أصلا، وإذا حدث وقبل بعضهم توزيع الكتاب، فمن النادر أن تقدر أن تستخلص منه مستحقات ذلك الكتاب، وتبدأ رحلة طويلة من المماطلة والتسويف، ونضطرّ في أحيان كثيرة إلى تناسي الأمر.

أعتقد أنّ المسؤولية لا يتحملها الموزع وحده، فهو في نهاية الأمر تاجر، يبحث عن الربح السريع. والكتاب التونسي يعاني منذ عقود من التهميش والإقصاء ما أصابه بالكساد، وزارة الثقافة يجب أن تتحمل قسطا من المسؤوليّة كأن توجد حوافز خاصة للموزعين كي يتعاملوا مع الكتاب التونسي في الداخل والخارج، ووزارة التربية ووزارة التعليم العالي لهما دور أيضا في تعريف الأجيال الجديدة بالأدب التونسي،ففي المؤسسة التربوية يمكن أن نكوّن القارئ الذي يتحمس للكتاب التونسي ويستهلكه، الإعلام أيضا عليه أن يقوم بواجبه تجاه الكتاب،كتب رائعة تصدر في تونس وتنال الجوائز الوطنية والعربية ويشيد بها النقد ولا يلتفت إليها الإعلام.

أما مسؤولية الناشر فأعتقد أنّها تخص عمله في تجويد صناعة الكتاب ومواصفاته الفنية، وفي اختيار الكتاب ونوعيته، فقط بعض المؤلفين هم الذين يحملون الناشر مسؤولية فشل توزيع كتبهم لأنّ أغلبهم لا يرى غير الجزء الظاهر من جبل الجليد، وتغيب عنهم تفاصيل كثيرة يجهلونها.

تتكاسل دور النشر وتتخلى وزارة الثقافة عن مهامها وتبحث شركات التوزيع عن الربح السريع ووسائل الإعلام أيضا تتخلى عن دورها في التعريف والتسويق لهؤلاء الكتّاب… الجميع مساهم في هذه الأزمة التي يشهدها الكتاب التونسي. وتبقى كل الآمال أن يُبحث عن حلول جادة من قبل الجهات المسؤولة و بصفة خاصة وزارة الثقافة.