بقلم شكري بن عيسى،
لم يقدم رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي أيّا من الأجوبة المستوجبة على الأسئلة الرئيسية والمحورية المتعددة سواء الدستورية أو السياسية عند إعلانه حالة الطوارىء على كامل البلاد لمدة ثلاثين يوما، بل ان بيانه إلى الشعب ضاعف من الأسئلة التي ستظل على الأغلب بلا جواب.
لو تكررت أحداث سوسة فان الدولة ستنهار.رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي
كانت هذه أبرز جملة في الخطاب المتلفز الذي استمع له الشعب التونسي عشية السبت من رئيسهم، جملة تحمل مضمونا تهديديا صادما مرعبا كانت المسوّغ المستخلص من البيان الفاتر والمكرر في اغلبه لتبرير إعلان الطوارىء، وكانت اشكالية من زاوية انها “إنشائية” أدبية في شكلها وافتقدت للتعليل الجدي والدقيق ومن زاوية البون الشاسع بين ما آلت اليه الأمور من وصول “الدولة إلى حافة الانهيار” بعد ستة اشهر فقط من حكم السبسي وحزبه الذي بشّر، فضلا عن مقاومة الإرهاب وبسط الأمن، باعادة “هيبة الدولة”.
وهو ما عمّق الانشغال عند جزء واسع من الفئات الشعبية والطبقة السياسية والفكرية حول مستقبل البلد بشكل عام، وعن مشروعية وجدوى إعلان الطوارىء زيادة عن أهلية النداء في قيادة الحكم وضمان الحد الأدنى لاستمرار السلط العمومية وتأمين المصلحة الوطنية سواء أثناء فترة الطوارىء التي لا ندري عن مداها (يمكن تمديدها) وما بعدها.
السؤال الرئيسي الأول يرتبط بقانونية ومشروعية إعلان الطوارىء، فإذ يمنح الفصل 77 من الدستور لرئيس الجمهورية «اتخاذ التدابير التي تحتمها الحالة الاستثنائية والإعلان عنها طبقا للفصل 80» فان لا الفصل 77 ولا 80 ينصان على “حالة الطوارىء” التي ينظمها “الأمر” 50 لسنة 1978 المؤرخ في 26 جانبي 1978، والذي يظهر جليّا ان المؤسسين لم يأخذوه بعين الاعتبار وإنما أجازوا “تدابير استثنائية” حسب الحالة، إذ ان الأمر المذكور صار مخالفا للدستور خاصة من حيث الشكل إذ يقع تنظيم كل ما يتعلق بالحقوق والحريات بـ”قانون أساسي”.
وما يزيد في الانشغال هو عدم تحديد “التدابير الاستثنائية” في البيان الرئاسي فضلا عن ضرورة “هدف التدابير إلى تأمين عودة السير العادي لدواليب الدولة في اقرب الاجال” التي يجب بيانه (الهدف) بدقة وجلاء كاف من ناحية ارتباط “التدابير” بـ”الهدف” ومن ناحية تحقيق الهدف في “اقرب الآجال”، والثابت انه تمت الإحالة على الأمر المذكور (الذي وصفه رئيس الجمهورية بطريقة غريبة بأنه قانون) وأيضاً إلى “خلية الأزمة” لتفسير الوضعية وهو ما يخالف الدستور صراحة، وهي نقطة الاستفهام الثانية التي ظلت معلقة.
وهو ما يطرح التساؤل حول ارتجالية القرار والخضوع في اتخاذه للقصف الإعلامي المركّز الذي قاده أباطرة الاعلام بعد هجوم القنطاوي الدموي، وعلى راسهم محمد بـوغلاب الذي خلناه سيصدر “البيان رقم 1” وسفيان بن فرحات الذي تجاوز حالة الطوارىء ووصل إلى حد طلب إعلان “الأحكام العرفية” التي تشرّع لقانون الغاب والفوضى وتدعو الجيش للاستيلاء على السلطة!
“حالة الطوارىء” الحقيقة هي حالة استثنائية، إذ يقع العمل بتعليق جزء كبير من الدستور خلال فترة قد تطول، ويُسار إلى تحديد كبير للحقوق والحريات وإطلاق يد السلطة التنفيذية وخاصة الأمنية على حساب السلطة القضائية والتشريعية بإمكانية اعلان حظر التجول على الأشخاص والعربات ووضع الأشخاص تحت الإقامة الجبرية وتحجير الاجتماعات وتفتيش بعض المحلات ليلا نهارا ومراقبة الصحافة.. ويمكن ان تقود في عدة أحيان إلى إعادة القبضة الأمنية وإنتاج الدكتاتورية وفق تطورات معينة، وهو الامر الذي لم يقدم السبسي أية ضمانة على عدم الوقوع فيه وظل معلقا.
لا شيء من حيث الجدوى يدل من جهة أخرى على ان إعلان الطوارىء سيؤدي إلى تحقيق أهداف استعادة الأمن ومقاومة الإرهاب والحؤول دون انهيار الدولة، إذ ان الإعلان في حد ذاته هو دليل فشل الدولة في تحقيق السير العادي لدواليبها وإخفاق الحكومة في وظيفتها الأساسية ما يفقد الثقة في مؤسسات الدولة ولن يحقق استعادة الاقتصاد لعافيته وجلب الاستثمار الذي يبحث على مناخ الثقة، ويبعث برسالة سلبية للسواح بان الأمن غائب وينفرهم نهائيا من زيارة البلاد.
السبسي اعلن عن عجز الدولة بأدواتها الحالية عن تحقيق أمنها ومواجهة الإرهاب، ولسان مقاله كان يدعو الدول الأجنبية للتدخل الفعّال ولا ندري الحقيقة ان كان الامر سيتم في نطاق الشفافية والدستور أم ستكون هناك تجاوزات لاستباحة السيادة الوطنية وخاصة حول إمكانية تركيز قواعد عسكرية تحت مسميات “السند اللوجستي” أو “التكوين” أو غيرها من المسوغات، وهو تساؤل محوري ظل معلقا أيضاً، ولم يقدم رئيس الجمهورية ما يضمن عدم السقوط في هذا المستنقع الخطير.
في البيان الموجه للشعب السبسي تحدث عن وجود “حرب” بقيت مجهولة المعالم والافق، ثم ان “الحرب” لها مستوجباتها الدستورية والقانونية ولا يمكن مباشرتها دون إشهارها وفق شروط معينة نظمها الفصل 77 من الدستور، وهو غموض لا ندري هل هو مقصود أم غير متعمد وبالتالي يظل السؤال كبيرا حول الالتزام بالدستور في هذا الصدد.
“الإسلام ليس مرجعا للدولة”، هكذا أعلنها رئيس الجمهورية ولا ندري ان كان استغل الفرصة لتقديم “تفاسير” شاذة للدستور لا يمتلك لا أحقية ولا صلاحية عرضها خاصة في وقت دقيق وحساس، إذ ان الإسلام في الفصل الأول للدستور هو “دين الدولة” بما يعني انه مرجعا أساسيا ( وليس الوحيد) في التشريع وهو أمر تقريبا محل إجماع، ولا ندري الحقيقة كيف سيرد عليه شركائه الإسلاميين في الحكم بعد “الصفعة” الحادة الموجهة ضدهم!؟
القرار الذي اتخذه السبسي دون مسوّغات قانونية وسياسية مقنعة سيظل مثار جدل عميق حول خلفيته، إذ يتضح ان المبررات كانت ضعيفة فضلا عن ان فاعليته ستكون ضعيفة وقد يؤدي إلى نتائج وخيمة خاصة لو حصل في ظله – لا قدر الله- هجوم جديد، وإذ تظل إمكانيات الارتجال قائمة والخضوع للقصف الإعلامي الحاد في اتخاذ القرار فان خيار “الهروب إلى الامام” للتغطية على إخفاق الحكومة الفادح يظل من بين الأسباب القوية الممكنة خاصة وان هجوم القنطاوي مثله مثل هجوم باردو كان يمكن تلافيه لو لم يقع الارتخاء المسجل الذي أقرته الحكومة!!
يجب الاعتراف بأنّ المستفيد الأول والأكبر من المجازر التي ارتكبتها اللحى الشعثاء القروسطية هو النظام الحاكم برأسيه البورقيبونوفمبري والخوانجي. وغبيّ من كان يعتقد بأنّ الحكام القدماء/الجدد لهذا البلد/المبغى جادّون في تطوير البلد وإصلاحه ودمقرطته. ما تؤكده الأحداث هو أنّ هؤلاء يدفعون بكل قواهم إلى تعفين الأوضاع إلى أقصى درجة لسببين هامين: أولا، هم ليسوا سوى مجموعة من أمراء الحرب والمافيات الفاسدة التي لا تفكر سوى في مصالحها ومصالح أولياء نعمتها في الداخل والخارج، وليس لمجرم فاسد أن يقدّم الحلول لإصلاح بلد قد بلغ به الخراب ما بلغته هذه الأرض المنكوبة بأهلها. ثانيا، أكثر ظرف يستفيد منه المجرمون والفاسدون والقتلة هو الأزمات. فهل كان هؤلاء سيمرّرون كل القوانين الزجرية وينهبون المال العام لصالح القطط السمان (أصحاب النزل نموذجا) دون أن يلقوا معارضة لو كان البلد ينعم بالاستقرار والأمن والسلم الأهلي؟
أما عن الدساتير فالكل يعلم أنّه لا يوجد في قاموس العربان الجرذان شيء من هذا القبيل. الدساتير والقوانين توضع وتؤوّل وتطبّق لمصلحة الحكام ومن والاهم لا غير. فلا ترهقوا أنفسكم بطرح أسئلة لن يجيبكم عنها أحد لأنّ لا أحد أصلا يفهمها. وأخيرا، من أدراكم أن الشعب قلق ومنشغل لما يحدث؟ أنا شخصيا لم أقرأ سوى الإطراء والارتياح للقرار الحكيم لسيادة “الرئيس”! بينما لو حدث أمر مشابه في دولة محترمة بشعب محترم لوجدت الملايين في الشوارع يتظاهرون ضد مصادرة الحريات الأساسية تحت ذريعة مكافحة الإرهاب. في الشدائد فقط يظهر المعدن الأصلي للشعوب. وشعبنا “المسلم ولا يستسلم” ليس سوى قبّي قبّي (على رأي ذلك الرابور الرديء اللاعق لأحذية أصحاب النمط). وكل عام وهذا الشعب يائس، بائس، راقص ومن طارىء إلى طارىء أسوأ
الجماهيرية_التجمّعية_الإسلاموية_البوليسية_العظمى
شعب_الشقاق_والنفاق_ومفاسد_الأخلاق
في_إفريقية_وافق_أو_نافق_أو فارق
الديموكراسي_هي_حكم_الدهماء
الديموكراسي_هي_ديمومة_الكراسي
آرابْز_أند_ديموكراسي_دونت_ميكْس