بيـان حول مشروع قانون أساسي يتعلق بإجراءات خاصة بالمصالحة في المجال الاقتصادي والمالي

إنّ المرصد التونسي لاستقلال القضاء:

● بعد اطلاعه على مشروع القانون الأساسي المتعلق بإجراءات خاصة بالمصالحة في المجال الاقتصادي والمالي والمعروض بمبادرة من رئيس الجمهورية على اجتماع مجلس الوزراء المنعقد بتاريخ 14 جويلية 2015 وعلى شرح الأسباب المتعلق بالمشروع المذكور.

● وبعد الاطلاع على نص بيان مجلس الوزراء المتضمن خصوصا أنّ مشروع القانون الأساسي المصادق عليه قد أقرّ تدابير خاصة بالانتهاكات المتعلقة بالفساد المالي والاعتداء على المال العام تمثّلت في إيقاف التتبع أو المحاكمة او تنفيذ العقوبات في حق الموظفين العموميين وأشباههم إضافة إلى امكانية إبرام صلح لفائدة كلّ شخص حصلت له منفعة من أفعال تتعلق بالفساد المالي والاعتداء على المال العام وكذلك العفو عن مخالفات تراتيب الصّرف وذلك بهدف انجاح مسار العدالة الانتقالية في هذا المجال واستكماله في أقرب الآجال فضلا عن تسوية الوضعيات العالقة بما يساهم في إنعاش الاقتصاد الوطني (وكالة تونس افريقيا للأنباء – 14 جويلية 2015).

● وبعد الاطلاع على موقف هيئة الحقيقة والكرامة من المشروع المذكور وخصوصا بيانها الصّادر في 20 جويلية 2015 المتضمن أنّ مشروع قانون المصالحة قد أعدّ دون استشارة أيّ من المؤسسات والهياكل القائمة ذات العلاقة بموضوعه زيادة على تعارض المشروع مع أحكام الدستور وتداخل اختصاصات لجنة المصالحة مع مهام لجنة التحكيم والمصالحة التابعة لهيئة الحقيقة والكرامة وما يؤدي إليه المشروع من إفراغ منظومة العدالة الانتقالية من محتواها (الموقع الالكتروني لهيئة الحقيقة والكرامة).

● وبعد الاطلاع على مختلف المواقف الصّادرة عن بعض مكونات المجتمع المدني وعدد من الأحزاب السياسية وأساسا ردود الأفعال المثارة من قبل الهيئات الفاعلة في مجال العدالة الانتقالية.

● وإذ يذكّر بالمواقف السابقة للمرصد بشأن الممارسات الرامية إلى الالتفاف على مسار العدالة الانتقالية وزيادة الضغوطات السياسية على هيئة الحقيقة والكرامة واستغلال التحفظات الشخصية على بعض الأعضاء والأصوات الداعية إلى طيّ صفحة الماضي دون محاسبة بقصد مراجعة القانون المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها والتخلّي عن الصلاحيات الأساسية لتلك الهيئة (بيان المرصد التونسي لاستقلال القضاء بتاريخ 13 نوفمبر 2014).

وبناء على ذلك يبدي المرصد الملاحظات التالية بشأن المشروع المذكور:

أوّلا- من جهة الملاحظات العامة:

1- يؤكّد أنّ مشروع القانون المتعلق بالمصالحة لم يخضع بأيّ شكل الى استشارة الهيئات الرسمية أو غير الرسمية المعنية بالعدالة الانتقالية أو مكافحة الفساد وعلى رأسها هيئة الحقيقة والكرامة والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وكذلك الهيئات القضائية فيما يتعلق باختصاص الدوائر القضائية في مجال العدالة الانتقالية.

2- يعتبر أنّ الأهداف والمضامين والآليات الواردة سواء بشرح الأسباب أو بنصّ المشروع المذكور لا تتوافق مع مقتضيات العدالة الانتقالية باعتبارها مسارا متكاملا من الآليات والوسائل لفهم ماضي انتهاكات حقوق الانسان ومعالجتها بما يحقق المصالحة الوطنية فضلا عن اعتماد المشروع لمفاهيم مبهمة من قبيل “العدالة التصالحية” والاستناد الى إجراءات مختصرة وغير شفافة في مسائل تتّسم بالتعقيد والخطورة كالأفعال المتعلقة بالفساد المالي والاعتداء على المال العام.

3- يعتبر خلافا لما ورد في تقديم المشروع أنّ الإجراءات المقترحة تمثل التفافا على مسار العدالة الانتقالية في اتجاه إضعافه والانحراف بأهدافه السامية والتنكر لاستحقاقات الثورة ومتطلبات الانتقال الديمقراطي إضافة إلى ما تؤدي إليه تلك التوجهات من تشجيع على الإفلات من العقاب والتفصّي من المسؤولية ومكافأة الفاسدين وحمايتهم من المساءلة.

4- يلاحظ أنّ المقتضيات الأساسية الواردة بالمشروع المذكور تمثل إخلالا بالتزامات الدولة طبقا للأحكام المقررة بالدستور وخصوصا ما يتعلق بالتزامها بتطبيق منظومة العدالة الانتقالية في جميع مجالاتها والمدّة الزمنية المحددة بالتشريع المتعلق بها (الفصل 48) وضرورة الحرص على حسن التصرف في المال العمومي ومنع الفساد ومقاومة التهرب والغش الجبائي (الفصل 10) فضلا عن مخالفة ذلك لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد المعتمدة في 31 أكتوبر 2003 والمصادق عليها من قبل الجمهورية التونسية في 25 فيفري 2008 (الرائد الرسمي عدد 18 بتاريخ 29 فيفري 2008).

5- ينبّه إلى أنّ الإجراءات الخاصة الواردة بالمشروع كإقرار العفو والصّلح خارج الضمانات الأساسية من شأنها أن تؤدي إلى توسيع دائرة الفساد والمساس بثقة المواطن في الدولة والتفريط في المال العام والإضرار بالاقتصاد الوطني ومناخ الاستثمار.

6- يلاحظ أن تأسيس المشروع المتعلق بالمصالحة لمسار مواز للعدالة الانتقالية يتضمّن إسقاطا للمراحل الضرورية لتلك العدالة وذلك من جهة كشفها لحقيقة الانتهاكات ومساءلة المسؤولين عنها وجبر ضرر الضحايا بما يساهم في تكريس منظومة حقوق الانسان (الفصل 1 من القانون الأساسي عدد 53 لسنة 2013 المؤرخ في 24 ديسمبر 2013 والمتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها).

وعلى ذلك الاعتبار فإنّ التمسك عند تقديم المشروع بالأهداف الرامية إلى تدعيم العدالة الانتقالية والعمل على إنجاح مسارها ومراعاة العدالة والإنصاف يتعارض مع الأحكام التفصيلية الواردة بالمشروع فيما يمثل مغالطة حول الأسباب الموجبة لاقتراحه.

ثانيا – من جهة الملاحظات الخاصة:

7- يشير إلى أنّ إقرار عفو عام على الموظفين العموميين وأشباههم ممّن ارتكبوا أفعالا تتعلّق بالفساد المالي وبالاعتداء على المال العام يمثّل إجراء غير مسبوق من شأنه أن يؤدي إلى محو الصفة الإجرامية عن أفعال خطيرة إضافة إلى مساهمة ذلك في توسيع واقع الفساد بالمؤسسات العمومية وترسيخ الممارسات المرتبطة بالنظام الاستبدادي وتفصّي هؤلاء من تحمّل مسؤولياتهم عن أفعالهم الشخصية.

8- يلاحظ أنّ إحداث لجنة للمصالحة برئاسة الحكومة للنظر في مطالب الصلح يتضمن نزع الاختصاص الموكول بمقتضى القانون المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية إلى الدوائر القضائية المتخصصة (الفصل 8) ولجنة التحكيم والمصالحة المحدثة صلب هيئة الحقيقة والكرامة (الفصل 45) وإحالة النظر في ذلك إلى لجنة إدارية تفتقر إلى ضمانات الاستقلالية والحياد.

9- يعتبر أنّ إحداث لجنة حكومية ذات اختصاص قضائي في غياب الضمانات الأصلية والإجرائية يتنافى مع أحكام الدستور التي تحجّر سنّ إجراءات استثنائية من شأنها المساس بمبادئ المحاكمة العادلة (الفصل 110) فضلا عمّا في ذلك من انتهاك لمبدأ الفصل بين السلطات ونزع الاختصاص عن القاضي الطبيعي.

10- يعتبر أنّ إحلال لجنة المصالحة محلّ لجنة التحكيم والمصالحة المحدثة بهيئة الحقيقة والكرامة يفضي إلى استبعاد جملة الضمانات الخاصّة بمسار العدالة الانتقالية من ذلك اعتبار أنّ إقرار طالب المصالحة بما اقترفه كتابيا واعتذاره الصريح من جملة الشروط لقبول مطلب التحكيم والمصالحة (الفصل 46 من القانون المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية) وإمكانية استئناف التتبع أو المحاكمة أو تنفيذ العقوبة في ضوء تعمّد إخفاء الحقيقة أو تعمّد عدم التصريح بجميع ما أخذه مقترف الانتهاك دون وجه حقّ (الفصل 45 من القانون المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية).

11- يعتبر أنّ غياب الضمانات ومقتضيات الشفافية سواء على مستوى تكوين لجنة المصالحة أو إجراءات عملها لا يمكّن من تحقيق ما يوجبه مشروع القانون لقبول مطلب الصلح من دفع قيمة الأموال العمومية المستولى عليها أو المنفعة المتحصّل عليها.

12- يشير إلى أنّ العفو عن المخالفات الصرفية والجبائية الوارد بمشروع القانون يؤدي في صورة تطبيقه إلى الانتقاص من موارد الخزينة العامة والإخلال بمبدأ المساواة بين المطالبين بالأداء وبقواعد الحوكمة الرشيدة.

13- يطالب بسحب مشروع القانون المتعلق بالمصالحة والتخلي عن التوجهات الرامية إلى تهديد مسار العدالة الانتقالية والتراجع عن مشروع القانون الذي تعدّه وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية بشأن إعادة النظر في إجراءات المصادرة وإجراء الصلح بخصوص الممتلكات المشمولة بها.

14- يدعو إلى الاعتماد في معالجة الانتهاكات المتّصلة بالمجال الاقتصادي والمالي على منظومة العدالة الانتقالية والأحكام الخصوصية المتعلقة سواء بنظر الدوائر القضائية في الانتهاكات الخاصة بالفساد المالي والاعتداء على المال العام أو بتعهّد لجنة التحكيم والمصالحة بمطالب الصلح في ملفات الفساد المالي.

15- يدعو مكونات المجتمع المدني والسياسي إلى التصدّي لمشروع القانون المتعلق بالمصالحة ولجميع المحاولات الرامية لتعطيل مسار العدالة الانتقالية.

16- يدعو إلى ملاءمة التشريع الوطني مع أحكام اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد من ذلك تجريم الرشوة والفساد بالقطاع الخاص وحماية الشهود والمخبرين والخبراء وإصدار القانون المتعلق بالكسب غير المشروع.

عن المرصد التونسي لاستقلال القضاء
الرئيس أحمد الرحموني