بقلم غسّان بن خليفة،
كشف مشروع ميزانية 2016 عن نيّة الحكومة إدخال تخفيضات ضريبيّة على توريد بعض المواد المُصنّعة وعلى معلوم استهلاك بعض المواد “الفاخرة”.
وبرّرت الحكومة هذه القرارات بأنّها ستساعد على “مقاومة التهريب والتجارة الموازية”. إلاّ أنّ هذا التبرير لا يغني من التساؤل حول مدى جدّية سعي الفريق الحاكم إلى “تعبئة موارد الميزانية” في ظلّ “العاصفة التي تعيشها تونس”، حسب تعبير وزير المالية سليم شاكر مؤخّرًا.
التخفيضات على التوريد
تهمّ التخفيضات، المنصوص عليها بالفصول 32 إلى 34، على توريد “المواد الأولية والمواد نصف المصنّعة والتجهيزات” ومنتجات أخرى منصوص عليها في تعريفة المعاليم الديوانية. وتخضع هذه المواد إلى حدّ الآن إلى أربع نِسب معاليم ديوانيّة، هي: 10%، 15%، 27 و30% ، سيتمّ حذف الأولى والثانية وتعويض الثالثة والرابعة بنسبة 20%.
وعلّل كاتبو مشروع الميزانية هذا الإجراء بأنّه يدخل “في إطار دعم القدرة التنافسية للمنتوج الوطني واختيار مصدر التوريد (…) بصرف النظر عن بلد المنشأ (…) وقصد تخفيف الضغط الجبائي على المواد المورّدة من خارج الاتحاد الأوروبي تفاديًا لظاهرة تحويل وجهة الواردات”.
يفنّد لطفي بن عيسى، الخبير الاقتصادي العضو بالجبهة الشعبيّة، هذه التبريرات، موضحًا من جهته أنّ هذه القرارات هي استكمال لمسار قديم بدأ منذ سنة 1995، تاريخ انضمام تونس إلى المنظمة العالمية للتجارة. إذ تخلّت تونس منذ ذلك الوقت تدريجيًا عن فرض الأداءات الجمركية على البضائع المورّدة. فمن 30 نسبة معاليم ديوانية، لم يبقَ اليوم سوى الأربعة المذكورة في مشروع الميزانية، في انتظار التخلّي عنها مستقبلاً. ويرى بن عيسى أنّ هذه التخفيضات “تضرّ بالميزانية ولا تنفعها”، إذ أنّ مناب المعاليم الديوانيّة كان يمثّل 28% من المداخيل الجبائيّة للدولة سنة 90، فيما لا يغطّي اليوم سوى 2.5% . والأهمّ من ذلك أنّ التخفيض على الواردات “لا يسمح ببناء صناعة وطنية”، فهو يخلق منافسة غير متكافئة بين صناعة محلّية غير مؤهّلة والصناعات الأجنبيّة المتطوّرة والمدعومة من الدولة. ويُذكّر بن عيسى بأنّ مسار تفكيك الرسوم الجمركيّة، الذي بلغ أوجه باتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، أدّى إلى “نسف نصف النسيج الصناعي المحلّي، لصالح المنتجات الأوروبية”.
ويُقدّر لطفي بن عيسى حجم خسارة الميزانية القادمة من تخفيض المعاليم الديوانيّة بـ 316 مليون دينار، فيما بلغت الـ 2000 مليون دينار، منذ بدء هذا المسار سنة 94 “بناء على توصيات البنك العالمي”.
المعلوم على الاستهلاك
وفي نفس السياق تضمّن مشروع الميزانية مراجعة للمعلوم على الاستهلاك على المنتجات “ذات الصبغة الكماليّة” في الفصلين 35 و36. وحسب موقع وزارة المالية، يُطبّق هذا المعلوم عند التوريد والتصدير على “قائمة محدودة من المنتجات”، وهي بالأساس: الجعة والخمور والمشروبات الكحولية، المحروقات، السيارات السياحية، العطور ومياه التجميل، آلات تكييف الهواء والتبغ المُصنّع والخام، باستثناء التبغ الخام المحلّي. ويضيف إليها مشروع الميزانية : الأحجار الكريمة، المعادن الثمينة، القهوة، الشاي والمياه الغازية. ويخضع لهذا المعلوم (المتراوح بين 10% و135% ) المنتجون المحلّيون لهذه المواد ومخزّنوها وتجّار الجملة (الحرفاء بالنسبة للكحول).
وبتعلّة “الحدّ من ظاهرة التهريب وباعتبار تطوّر نمط الاستهلاك”، تنوي الحكومة حذف المعلوم عن “المنتجات التي تُعتبر من الاستعمال اليومي والضروري” مثل الشاي والقهوة وآلات التكييف والعجلات المطاطية. إلاّ انّه يلاحظ أنّه سيتمّ كذلك تخفيض المعلوم على مواد أخرى لا يمكن اعتبارها ضمن “الاستعمال اليومي والضروري” مثل الجعة المصنّفة المعبّأة في أوعية أو بعض المشروبات الكحولية الرفيعة كالويسكي والكونياك والفودكا. بل وسيتمّ أيضا حذف معاليم الاستهلاك على مواد فاخرة مثل اللؤلؤ والألماس والأحجار الكريمة والمجوهرات، وعلى مواد أخرى كالمسدّسات والأسلحة الناريّة والذخائر المعدّة للصيد.
كما يُلاحظ أنّ قائمة المنتجات الخاضعة لهذا المعلوم قد تقلّصت بشكل واسع نتيجة لتعديلها عديد المرّات منذ صدورها في القانون عدد 62 لسنة 1988.
بالنسبة للخبير لطفي بن عيسى، ينمّ هذا الإجراء على نفس “العقليّة الليبرالية” للحكومة التي “تفرّط في موارد جبائيّة مضمونة وتفضّل الاقتراض”. وهو يقدّر ما ستخسره ميزانية الدولة بهذا الإجراء في حدود الـ 27 مليون دينار.
ويعقد الخبير الاقتصادي بعض المقارنات لتبيين حجم ما ستخسره الدولة بهذه الإجراءات. فعلى سبيل المثال، يذكّر بأنّ قيمة ما سيدفعه أجراء القطاع العامّ، الذين سيتمّ انتدابهم السنة القادمة، تحت عنوان “الأداء على الدخل” يمثّل 320 مليون دينار. ويرى أنّه بالإمكان استغلال هذه الأموال الضائعة من الميزانية، وقيمتها الجملية بـ 343 مليون دينار، لصالح الفئات المحتاجة لدعم الدولة. وذكّر لطفي بن عيسى في هذا الصدد باقتراح الجبهة الشعبيّة، في الانتخابات الأخيرة، إقرار منحة بحث عن شغل للُمعطّلين عن العمل من أصحاب الشهائد، وقد قُدّرت كلفتها الجملية بـ 400 مليون دينار.
iThere are no comments
Add yours