بقلم محمد سميح الباجي عكاز،
تسعى الدولة إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، والتنمية المستدامة، والتوازن بين الجهات، استنادا إلى مؤشرات التنمية واعتمادا على مبدأ التمييز الإيجابي. كما تعمل على الاستغلال الرشيد للثروات الوطنية الفصل 12 من الدستور التونسي
ذات ديسمبر، رفع أهالي الولايات الأفقر في تونس شعارات تطالب بالحياة الكريمة والتشغيل والتنمية، ليجدوا أنفسهم بعد خمس سنوات يزدادون فقرا وليزدحم صفّ المعطّلين عن الشغل وعن الحياة أكثر فأكثر. فقط ظلّ تاريخ 17 ديسمبر حتّى وقت قريب فرصة للاستثمار السياسيّ، وفي الذكرى الخامسة يبدو أنّ الحكّام الجدد قرّروا انهاء الرمزية وولوّا ظهورهم لانتفاضة ما كانوا ليكونوا لولاها، بعد أن استكثر الرؤساء الثلاثة الحضور احتفالات الذكرى الخامسة للثورة في سيدي بوزيد ولو لاجترار الوعود.
ديسمبر 2010: مثلّث الفقر والتهميش
اكتشف التونسيّين ما كانت تخفيه “المعجزة التونسيّة” كما وصفها يوما الرئيسي الفرنسي السابق جاك شيراك، حيث عرّت الاحتجاجات في سيدي بوزيد في 17 ديسمبر 2010 والتّي امتدّت إلى الولايات الأفقر في تونس، كالقصرين وسليانة، حجم الكارثة الاقتصاديّة والاجتماعيّة التي كان يعيشها مثلّث الفقر والتهميش. إذ وبحسب دراسة أجراها المركز الدولي للدراسات العليا الفلاحيّة المتوسطّية، تذيلت ولايات القصرين وسيدي بوزيد وسليانة قائمة ولايات الجمهورية التونسيّة في مؤشّر التنمية.
سيدي بوزيد، القصرين وسليانة، ثلاث ولايات من الشريط الغربيّ للبلاد، لم تكن يوما في صدارة التناول الإعلامي قبل ديسمبر 2010، ولا في أعلى سلّم الأولويات السياسيّة ولكنّها في المقابل كانت تتصدّر مؤشّرات الفقر والبطالة وتتذيّل قائمة مؤشّر التنمية الجهويّة.
⬇︎ نسبة الفقر والبطالة ومؤشر التمنية الجهوية لسنة 2010
الولاية | نسبة الفقر | نسبة البطالة | مؤشر التنمية الجهويّة | |
---|---|---|---|---|
المعدّل العام | بطالة أصحاب الشهائد العليا | |||
سيدي بوزيد | 32,3% | 14,7% | 41% | 0,28 |
القصرين | 30,5% | 20,7% | 38,9% | 0,16 |
سليانة | 25.7% | 15,6% | 27,9 | 0,36 |
المعدّل الوطني | 14,8% | 12,8% | 24% | 0,48 |
مؤشّر التنمية الجهوية: مقياس لتحديد الجهات المنتفعة بمنحة التنمية الجهوية والذي يعتمد بالأساس على أربعة مقاييس ظروف العيش، مؤشرات اجتماعية وديمغرافية، رأس المال البشري، مؤشرات اقتصادية مرتبطة بسوق الشغل.
أمّا على صعيد الاستثمارات العمومية، فلم تحظى ولايات الوسط الغربي و الشمال الغربيّ سوى ب12% من جملة الاستثمارات حسب دراسة أجرتها وزارة التنمية الجهويّة سنة 2011. و احتكر إقليم تونس 26% والوسط الشرقي 22%، في حين لم يتجاوز نصيب الوسط الغربي 4% من الاستثمارات الخاصّة سنة 2010 و2011 لتكون الوضعيّة أسوأ في الشمال الغربي بنسبة لم تتجاوز 2%.
بعد خمس سنوات: المؤشّرات تكذّب الوعود
رغم سيل الوعود التي أطلقتها مختلف الحكومات، بدأ بمحمد الغنوشي، مرورا بحكومة الباجي قايد السبسي ومن ثمّ الترويكا ومهدي جمعة وأخيرا حكومة الحبيب الصيد ، إلاّ أنّ المؤشّرات المحيّنة لسنة 2015 كشفت أنّ هذه الولايات التّي ظلّت خارج الحسابات التنمويّة للحكومات المتعاقبة رغم دورها الرياديّ في الاحتجاجات.
⬇︎ نسبة الفقر والبطالة ومؤشر التمنية الجهوية لسنة 2015
الولاية | نسبة الفقر | نسبة البطالة | مؤشر التنمية الجهويّة | |
---|---|---|---|---|
المعدّل العام | بطالة أصحاب الشهائد العليا | |||
سيدي بوزيد | 33% | 24,5% | 57,1% | 0,27 |
القصرين | 32% | 23,4% | 46,9% | 0,23 |
سليانة | 27% | 20,5% | 38,8% | 0,26 |
المعدّل الوطني | 15,3% | 15,6% | 28% | 0,43 |
أما على صعيد الاستثمارات العموميّة والخاصّة، فقط حافظت المناطق الكلاسيكيّة الجاذبة للاستثمارات على الشريط الشرقي للبلاد على صدارتها أين تركّزت أكثر من 93% من المشاريع الاستثماريّة. . وهو ما يطرح أكثر من تساؤل حول جديّة الحكومات المتعاقبة في معالجة التفاوت الجهوي. فإلقاء اللوم على رؤوس الأموال والمستثمرين الأجانب والتونسيّين مجرّد ذريعة للهروب من استحقاقات الدولة ومسؤوليتها في دفع التنمية في الدواخل التونسيّة، فالوضع المزري للبنى التحتيّة وتواضع الموارد البشريّة وغياب الوسائل اللوجيستيّة هو السبب الرئيسيّ لبقاء هذه المناطق منفّرة وطاردة للرؤوس الأموال واليد العاملة على حدّ سواء. وهو ما تبيّنه كذلك حصيلة الهجرة الداخليّة بين الولايات، حيث كشفت دراسة صادرة عن وزارة الشؤون الاجتماعيّة أنّ ولايات القصرين وسيدي بوزيد وسليانة حقّقت حصيلة سلبيّة ب60% بين سنوات 2009 و2014. ممّا يعكس طبيعة الركود الاقتصاديّ في تلك الجهات وحالة الانكماش على صعيد الاستثمارات وخلق مواطن الشغل.
تلك الجهات لم يكن سوى عيّنة عن حالة اقتصاديّة مترديّة يعيشها الشريط الغربيّ للبلاد، ويمتدّ ليشمل أحزمة الفقر في المدن الكبرى، حيث لا تقتصر مظاهر التهميش على المؤشّرات الاقتصاديّة فحسب، بل تشمل الخدمات الاساسيّة والصحّة والبنى التحتيّة. الفصل 12 من الدستور كغيره من الفصول القانونيّة التي أقرّت بعد الثورة بقى مجرّد حبر على ورق أمام حسابات السياسيّين وصراعات النفوذ والمصالح الذّي حجب المطالب الكبرى لمن كانوا يوما ما في الصفّ الأوّل للمواجهة.
iThere are no comments
Add yours