hafedh-caid-essebsi

تغيّرت الصورة كثيرا بين 2012 واليوم، فذاك الكهل الذي كان في الهامش يتبع خطوات والده وهو يتجول لحشد أنصاره بين المدن، ويتخذ مكانا قصيا ينظر بعين طفل صغير لوالده ويرصد ادق التفاصيل ليقلدها في خلواته حينما ينفرد بنفسه، قبل ان يصبح التقليد علنيا، في اللباس والسلوك.

ولئن الولد سر أبيه وظله في الأرض يتبع خطاه ويرثه حيا وميتا، اختار الكهل ذو 55 سنة ان يبرهن لأباه انه جدير بحمل لقب الوريث ، بعد ان فشل في سنواته الخمسين الأولى ان يثبت له ذلك.

محمد حافظ قائد السبسي، هو الكهل الذي اتبع خطوات والده طوال 2012، وعرّف نفسه بأنه “نجل” الباجي لمن لم يجد أي شبه بينهما، فهو لم يرث ملامح والده ولا طلاقة لسانه ولا مهنة المحاماة التي بحث الأب ان يورثها لابنه، ولكنه ورث عنه “الصبر” لتحقيق غايته والتدرج في ذلك انطلاقا من إسقاط اسم محمد عن اسمه الكامل كما فعل والده.

فالابن المدلل لولادته شادلية سعيدة فرحات التي منحت ابنها تقاسيم وجهها ومحبتها المفرطة ودعمها له في كل خلافاته مع والده الذي أعلن مرارا تذمّره من سلوك ابنه وطيشه، وهي التي شجعت ابنها المدلّل على التقرب من والده بمنح ابنه اسم الجد، وهو ما تمّ حيث منح حافظ ابنه البكر اسم والده بعد ان اسقط عنه “محمد” فكان ابنا وابا للباجي قائد السبسي.

الابن الذي مسك “مغازة” الأب اثر عودته من فرنسا دون تحصيل شهادة علمية أرسل من اجلها إلى هناك، حاول منذ 1987 ان يثبت لأبيه أن فشله في الدراسة لا يعنى انه “الابن الضال” فانخرط في السياسة من بوابة الحزب الاجتماعي للتقدم، الذي كان فيه شخصية ثانوية غادرت الحزب بعد حصوله على المرتبة الأخيرة في انتخابات 1989.

الفشل في السياسة قاد الشاب إلى تغيير الوجهة الى النشاط «الجمعياتي» عبر فريقه المفضل، الترجي الرياضي التونسي، ليتنهي به المطاف قبل 2011 إلى ان يصبح عضوا في الهيئة المديرة.

في تلك السنوات تحسنت علاقة الابن والاب، بعد ان غابا عن الأنظار ويعودا اثر 2011، ليصعد نجم الأب ويحي حلم الابن القديم، الذي لم يكن اسمه يعني شيء لمتابعي الشأن العام غير أنه “ابن الباجي” ومرافقه الشخصي.

لكن “المرافق” التقط من ابيه سرّه بعد ذلك التاريخ وبات احد ابرز للأسماء تداولا في المشهد السياسي والإعلامي رغم تجنبه الحذر تقديم اية تصريحات إعلامية، وسرعان ما بات عنوان صراع في حركته تحت عنوان “توريث الحزب”.

حافظ قائد السبسي الذي لمع نجمه وبات يترأس اللقاءات الحزبية واجتماعات الهياكل يصر على انه احق من غيره بذلك، فهو التحق بالحزب منذ التأسيس وكان ضحية ابيه الذي رفض ان يلمع نجم ابنه أو أن يكون في الصورة فاكتفى بتكليفه بمهمة رئيس لجنة التنظيم المختصة بالتظاهرات في بداية 2013 ثم تقلد منصب رئيس لجنة الهيكلة والتنظيم وهي ابرز المناصب في الحزب ومفتاح السيطرة عليه من وجهة نظر خصومه، وهم عدة.

فالابن الذي رافق والده في بداية تأسيسه لمشروعه السياسي، كمرافق يقدم المساعدة متى احتاجها الأب بعد ان بلغ من العمر عتيا وأصابه الوهن، اخذ من والده بضع قواعد، لا تحتاج إلى فلسفة، أو ذكاء، أولها إيجاد الدعم الداخلي وربط المصالح وثانيها الاحتفاظ بروابط وصلات سياسية مع كل أجنحة الحزب، وثالثها استمرار “الإمساك” برقبة الحزب مباشرة سواء عبر جهاز الهياكل والتنظيم، ورابعها مكافأة المواليين وإحاطة نفسه بمن يبحث عن “ارضاء الاب بخدمة ابنه”.

“الزعيم” الشاب في الحركة السياسية يعتبر ان نجاح لجنة التنظيم في إقامة العديد من اللقاءات والتظاهرات الحزبية الناجحة رغم انها كانت الحزب الوحيد المهدد من قبل روابط حماية الثورة وأحزاب الترويكا والمرور من حزب يصارع على الوجود إلى حزب يمسك بالسلطة كانت بفضله.

ولأنه صاحب الفضل فقد قرر المرور من الكواليس الى واجهة الحزب، وهو خروج قال عنه السبسي الابن انه غير مقصود فالولد والوالد لم يكن يريدان ذلك، وكلاهما يرفع شعار انه ضد التوريث ويؤكد عليه في تصريحاته .

كما يؤكد كلاهما ان علاقة الابن بالأب لم تؤثر إيجاباً على موقع حافظ في الحزب وإنما العكس، فالابن الذي يعتبره أباه – في لقاء مع كاتب المقال منذ سنة -كفاءة، لم يقع التساهل معه بل حوسب بشدة، دون ان يغفل عن التشديد على ضرورة أن لا تنعكس هذه العلاقة على الابن سالبا، كأن يقع إبعاده من الحزب او من مواقع قيادية.

هذا الانتقال من الهامش إلى المحور تم بمباركة الباجي، الذي خص ابنه بنصائح مستشاره الخاص في سنة 2013 محمد الغرياني، آخر أمين عام للتجمع الدستوري الديمقراطي المنحل، ليقدم يومها الغرياني نصائحه الثمينة لحافظ ويحيطه برجالات الصف الثاني في التجمع لخدمته، ويربط له علاقات بأوساط المال والأعمال.

الغرياني الذي غادر الحزب سريعا لم يغادر موقعه كذراع يمنى تخطط وترسم لحافظ، فالأمين العام السابق للتجمع، نجح قبل مغادرته في تثبيت موقع حافظ وحشد أنصار له، ولكنه نجح بالأساس في إحداث صداقة بين السبسي الابن ورجل الأعمال شفيق جراية، وهي صداقة قامت على المصلحة المتبادلة. والمصالح هي من شبكة علاقات هامة للابن،  وهي التي جعلته محاطا برموز النظام السابق، الذين باتوا مستشاري القائد الابن واعوانه في اعادة كتابة التاريخ بما يستجيب “للدافع” النفسي له.

فالابن قررّ إعادة كتابة تاريخ حزب أبيه وجعله “مسألة شبه عائلية دبّرت في غرفة مغلقة بين الأب وابنه وأصدقائهما، ويصبح بذلك الابن “مؤسسا” وليسا تابعا، قرّر اخذ مكانه تحت الشمس بعد ان “تعفّف” عنه بوجود ابيه.

حافظ الذي عوض اباه في قائمة مؤسسي الحزب، مسكون بهاجس حماية ارث ابيه ونهجه الذي بالغ في تعظيمه كما بالغ في تذمره من انكار خصومه عليه أن يكون سياسيا كأبيه ، فالسياسة مهنة  توريث مثلما يكون ابن الطبيب طبيبا وابن الصيدلي صيدليا يكون ابن الباجي قائد السبسي نسخة مصغرة عن ابيه وزعيما سياسيا ينقذ البلاد والعباد.
وعملية الانقاذ هذه المرة تعلقت بارث الاب والبقاء على حزبه سليما دون “الخونة” الذين يزاحمون الابن في ميراث والده ولا ينفع معهم غير دفعهم على الخروج او طردهم، وهو ما تم في مؤتمر سوسة يومي 9 و 10 جانفي 2016، الذي كان بداية انهيار ارث الباجي علي يد ابنه. حافظ الذي بحث عن التقرب خطوة اضافية من ابيه وجد نفسه اليوم يبتعد الاف الخطوات فهو من حطم ارث الاب وهو من دمر حزبه حينما ظن ان اللقب وحده يكفي لكي يكون سياسيا