بقلم طارق المنضوج،
ليبيا في خطر ، سوريا في خطر. خطاب سمعناه و نسمعه. على خلفية التطورات الجديدة، خاصة بعد التدخل الروسي في سوريا أصبح المشهد يوحي بمشاريع إستراتيجية من أخبث ما يمكن أن يأتي به التاريخ. سنة، شيعة، دروز، مسيحيين، تركمان، أشورين، اكراد … سوريا الجديدة … و دولة للدروز هي فرصة حاولت إسرائيل تحقيقها منذ عهود، منذ حرب 1967.
منذ أيام تكلم متحدث بإسم الخارجية الأمريكية عن إنهاء الحرب الدائرة في سوريا عبر تقسيمها، و أن التقسيم يمكن أن يكون الحل الأمثل. و اليوم كيري يعيد و يردد نفس الكلام. كل هذا لماذا ؟ لشيء واحد في البداية : إنهاء وجود الدولة القومية السورية، حتى تسقط قضية الجولان المحتل، و لا أي دويلة من الدويلات الجديدة يمكن أن تطالب به أو تذهب إلى تحريره أو تعتبر قضية الجولان قضية وطنية، لأنه لم يفتك منها، الدولة الأم ماتت و ليس لأحد أن يطالب بالجولان. و القانون الدولي يمكن أن يتدخل و يفتي لصالح إسرائيل.
المسألة مسألة توازن قوى. اليوم كل الشعوب العربية أمام معركة مصيرية لا مثيل لها… و خريطة الطريق للقوى الاستعمارية واضحة … أمريكا، كما روسيا، يمكن أن تكون حليف قوي لأي دولة عربية أو إسلامية، لكن لا يمكن أن تكون حليفا أمينا. على إيران أن تفهم، و على العربية السعودية أن تعي الموقف، كذلك تركيا. ثم يجب أن نفهم أن المستهدف هو كل عامل قوة أو عامل ردع لدى الدول الإسلامية، و على رأسه النووي الباكستاني.
إسرائيل دولة لا يمكن أن تعيش طويلا بدون توسع جديد. و هذا كلنا نعرفه . كذلك يصبح الوقت سانحا لإقامة دولة درزية على جزء من الجولان … تصوروا سوريا الحالية تصبح 4 أو 5 دول ! غريب أمر العرب. نعم هكذا تقتل القضايا العادلة وثورات الشعوب.
في ليبيا القوات الفرنسية و الأمريكية موجودة منذ أسابيع، لكن لا أحد يتكلم، و الآن يعلنون عن وجودها في الشرق و الغرب الليبي، و ما خفي أعظم. الآلة العسكرية للقوى الاستعمارية لا تتحرك مجتمعة لتخسر الحرب. مثّل تدخل الدب الروسي في حرب أفغانستان وكذا تدخل الولايات المتحدة في نفس البلد في 2001 درسا لحروب أفغانستان والعراق سنة2003. أمريكا اليوم في العراق من جديد بعد أن أعلن قادتها انتهاء الاحتلال، القوات الروسية في سوريا، وقد تتدخل في اليمن.
الدكتور ولايتي مستشار آية الله خمائني مرشد الثورة في إيران أعلن منذ أيام أن إيران يمكن أن تتعاون مع روسيا في اليمن أيضا كما تتعاون معها في سوريا والعراق و لبنان. و نحن نرى كيف هو التعاون الإيراني الروسي في سوريا. هل هو من أجل حماية الدولة القومية، أو للمشاركة في عملية التقسيم ؟ و ما هي أهداف الدور السعودي و القطري و الإماراتي و التركي في سوريا؟ هل يرقى إلى مساندة ثورة شعب انتفض في وجه دكتاتور و من أجل الحفاظ على الدولة القومية ؟ العالم العربي اليوم مفتوح لكل التطورات، و هذا لا يخفى على أحد. على دول العالم الإسلامي أن تتعاون مع بعضها، و أن تدخل في عملية خلق جديد لآليات تعاون بينها، و أن تتجاوز المذهبية. الدب الروسي و العم سام لهم أجندات توسع و سيطرة من نوع جديد. و كل إمبراطورية تفكر في توسع و سيطرة جديدة و إلا ستموت. ثم إذا رأينا كيف تعامل النظام الرأسمالي مع أزماته عبر التاريخ سنرى أنه دائما ما أوجد الحلول عبر آلته العسكرية. إنها دورة من دورات النظام الرأسمالي العالمي، ليخرج من أزمته الاقتصادية و المالية. فهل يمكن لدول عربية عجزت أن تتعامل مع قضاياها الاجتماعية أن يكون لها موقع قدم ذا اعتبار إيجابي في العالم الجديد ؟
نحن في تونس دون النجاح في إيجاد حلول وطنية ذاتية للمشاكل الاجتماعية و الاقتصادية و دون تكريس جدي و نوعي للديمقراطية لا يمكن أن نواصل مسيرة أهداف الثورة، مسيرة الكرامة عامة، و كذلك كل دول العالم العربي والدول الإفريقية و العالم الإسلامي.
نعم لقد نبه الكثيرون من خطر داعش، و أن خطر هذا التنظيم يتجاوز مشروع ظلامي محلي، ليكون هو نفسه مشروع التقسيم الجديد للعالم، مشروع الاستعمار الجديد. مشروع العنف الشامل، الذي يذهب ضحيته الإنسان العربي، كرامة و جغرافيا و مصير. هناك عوامل محلية ساهمت في إنتاج داعش، الخطاب المتتشدد، الفكر التكفيري ، سياسات التنمية التي همشت الجغرافيا و الإنسان … لكن النظام الرأسمالي العالمي يعرف كيف يصنع الفرص … ومن لا يتحين الفرص غبي … أما صنع الفرص فهو درجة أخرى من المعارف.
الحرب في سوريا والعراق وغدا في ليبيا من أجل عالم جديد، و ليس شرق أوسط جديد فقط، هو إحدى بداية التتويج للثورة الرقمية في صورتها أو جانبها المهلك، كأداة دمار، و سيطرة في الذهن الاستعماري … ربح الوقت … مشكل الإنسان العربي مع الوقت لا يزال عويص … قد قالها كثير من علماء الغرب، أن الإنسان بتطويره للتكنولوجيا الرقمية يخلق هلاكه أيضا … و هذا لا يعني أن الثورة الرقمية شر … التقدم العلمي والتكنولوجي خاض الحرب العلمية الثانية، و كانت هيروشيما … وحسم الأمر إلى غالب ومغلوب … و إلى نظام دولي جديد… ونحن اليوم على أبواب كوارث قد تكون أشر من كوارث الحرب العلمية الثانية … تتوسع إسرائيل … و قد تحدث تجزئة من نوع جديد لعديد الجغرافيات.
بدون سياسات اجتماعية و اقتصادية جادة تعتمد على الذات الوطنية، القطاع العام، كما القطاع الخاص، بدون ديمقراطية تحمل في مضمونها الشفافية و العدالة الاجتماعية و حقوق الإنسان لا يمكن أن تدخل دولة من الدول التاريخ من بابه الواسع. باب الفعل التاريخي و المساهمة من أجل عالم أفضل، عالم أعدل، عالم متضامن في مصارعة الأمراض والفقر والأمية والكوارث البيئية التي تهدد كل دول العالم.
و أنتم يا أهل ليبيا، إلى متى الحرب الأهلية ؟ اليوم تؤجلون التوافق، و غدا ؟ ماذا تنتظرون ؟ حرب العشر سنوات ثم تقسيما ؟
iThere are no comments
Add yours