بقلم علي كنيس،
لماذا ينتفض الشباب في تونس مرة أخرى…
بعد خمس سنوات من إندلاع الحراك الثوري في تونس و بعد أن شهدت البلاد خمس حكومات و ثلاث مناسبات إنتخابيّة ; إنتخابات المجلس الوطني التأسيسي في 2011 و الإنتخابات البرلمانية و الرئاسية في 2014. شهدت تونس موجة إحتاجاجات إنطلقت من مدينة القصرين أحد أهمّ المدن التي شهدت في جانفي 2011 موجة إحتجاجات واجهها آنذاك نظام بن علي بعنف شديد إبان الحراك الذي شهدته البلاد و الذي أدى لهروب الرئيس المخلوع . مرّة أخرى إنتشرت الإحتجاجات بداية من منتصف جانفي 2016، إبتدأت من القصرين نحو المدن و القرى المجاورة ثمّ لتتوسع خريطة الإحتجاجات في أغلب مدن البلاد. لتستمر فيما بعد في شكل إعتصامات و حركات إحتجاجية متواصلة بعدد من جهات البلاد.
القصرين و عبر تاريخ تونس مثلت بمثابة الحوض الثوري إضافة لجهة قفصة و سيدي بوزيد و مختلف الجهات الداخلية التي سرعان مما تتفاعل مع أيّ حراك إجتماعي يندلع في منطقة من مناطق تونس.
أي يمكن وصف القصرين بالعنصر الأساسي في كمياء الثورة و التمرّد على السلطة المركزية في تونس، منذ عهد البايات إبّان فترة الحكم الحسيني إذ إنطلقت إنتفاضة علي بن غذاهم من نفس الجغرافيا الثوريّة التي إنطلق و توسّع فيها الحراك الثوري في 2010 و 2011.
الإشكالية العميقة التي تدفع الشباب إلى الخروج للشارع و الإحتجاج الآن هي نفس المطالب التي رفعها الشباب منذ ديسمبر 2010 – جانفي 2011 المتمثّلة في الحق في الحصول على عمل و الإهتمام بمناطقهم و إيقاف التهميش المتواصل الذي يتعرّضون له من قبل الحكومات المتعاقبة. فعبر السنوات الفارطة لم تشهد الجهات التي مثلّت مربّع الفقر و الثورة في تونس أيّ تغييرات حقيقية و حتى التنصيص في الفصل 12 من الدستور الجديد للبلاد على التمييز الإيجابي لصالح هذه الجهات لم يتمّ تفعيله على أرض الواقع. إذ يصطدم التمويل المالي و شروط و مؤسسات النقد و الإقراض الدولية و بإدارة عمومية تعاني من بيروقراطية تتحكم و في أبرز التفاصيل إضافة للفساد المستشري في كل المجالات الذي يعيق تطبيق أيّة حلول، ومن آخر أخبار الفساد و في جهة القصرين تحديدًا ; خصصت وزارة التربية عدد من الدرجات الهوائية للتلاميذ في الأرياف للتنقل بها إلى مدارسهم البعيدة عن محلّ سكناهم فوقع السطو عليه من قبل المسؤولين على المستوى الجهوي و لم يقع توزيع جميعها على المنتفعين بها، هذه عيّنة بسيطة عن تغلغل الفساد في الإدارات التونسية.
أزمة النخبة السياسية في تونس…
تعامل النخبة التونسية مع الحراك الثوري الذي إندلع منذ 2010 بقي إنتقائيًّا ، إذ إقتصر على الإستفادة من الحريات السياسية التي أتاحتها الثورة من حرية التعبير و التنظيم و المشاركة السياسية. بينما يغيب الوعي بأزمة النظام الإقتصادية و إرتفاع منسوب التهميش و التفقير و الإحساس بالظلم لدى فئات واسعة من المجتمع و خاصة الشباب.
ظلت النخب التونسية المعارضة لنظام بن علي تناوئه بشكل جوهري على أساس المطالب السياسية الحقوقية و لم تنجح في إستدعاء الشعب لمعركة الحريات السياسية ضدّ النظام الحاكم و لا في تحقيق إنتصارات حقيقية على النظام الإستبدادي. و عندما طُرحت المشاغل الإجتماعية للشعب منذ إنتفاضة الحوض المنجمي في 2008 و حتى تاريخ 17 ديسمبر 2010 حين مثّلت المطالب الإجتماعية و الإقتصادية محور الإشتباك مع النظام الحاكم الذي إنخرط في أواخر الثمانينات مع قدوم بن علي للسلطة في برنامج الإصلاح الهيكلي إستجابة لحزمة الإصلاحات فرضتها مؤسسات التمويل الدولية التي مكّنت بن علي من الإستمرار في الحكم ثمّ إنخراطه في سياسة الإنقتاح الإقتصادي خاصة في فترة التسعينات و خوصصة عدد من القطاعات العمومية، مع تفشّي الفساد لصالح المقرّبين من النظام من رجال أعمال خاصة أصهاره المختلفين و هو ما أثّر حتى على الإستثمار الأجنبي.
هذا المناخ الإجتماعي المختنق و الوضع الإقتصادي الذي فتح البلاد على مصراعيها للّبرلة الإقتصادية هو الذي مثّل المناخ الإجتماعي و الإقتصادي الذي أدّى إلى جملة من التراكمات المجتمعيّة التي مهّدت للحراك الثوري الذي إنطلق في جهات البلاد المهمّشة مع إتاحة الفرصة لإنتشار المعلومات من خلال وسائل الإعلام الجديد بفضل التطور التكلونوجي الذي مكّن المحتجّين آنذاك أي في أواخر 2010 و بداية 2011 من فكّ الحصار الذي يفرضه النظام من خلال منظومة إعلامه و دعايته الرسمية.
خمس سنوات و الحراك الإجتماعي أحد ثوابت المشهد التونسي…
بعد خمس سنوات من الحراك الثوري الذي شهدته البلاد و إستمرار الإحتجاجت طيلة هذه المدّة من الفئات التي لم تحقق لها الحكومات المتعاقبة المطالب التي طالبت بها رغم الوعود الإنتخابية و الحكوميّة طيلة هذه الفترة. تراكم مستوى الغضب الشعبي على تواصل نفس السياسات التي كان يمارسها نظام بن علي و هو ما يؤكّد مرة أخرى أنّ المنوال التنموي الذي أدّى لخروج الناس للإحتجاج ذات 17 ديسمبر 2010 لم تقع مراجعته رغم الوعود التي قدمت بذلك في المناسبات السياسية المختلفة، بل إنّ السياسات التي قدّمتها الحكومات عمّقت الأزمة الإقتصادية و سياسات التهميش للشباب العاطل و الجهات التي بني الإقتصاد التونسي على إستثنائها من توزيع الثروة ، و إقتصارها على المدن الكبرى و خاصة العاصمة و الساحل ممّا خلق حالة هجرة داخلية من الجهات الداخلية و خاصة الشمال الغربي نحو العاصمة و المدن الساحلية و هو ما تواصل بعد الثورة كما بيّن المعهد الوطني لإحصاء في التعداد العام للسكان و السكنى لسنة 2014.
أزمة الحالة التونسية أنّ النخبة السياسية لم تُرد أن تذعن لمطالب الحراك الإجتماعي و مضت للأمام لتقديم و فرض تصوراتها الحزبية الخاصة دون تقبّل فهم المشاكل و المطالب الإقتصادية و الإجتماعية التي ينادي بها الشباب منذ خمس سنوات. مما يجعل الديقراطية السياسية الليبرالية تبقى في حالة هشاشة مستمرّة طالما لم تقع تغييرات حقيقية في الأوضاع الإجتماعية للفئات و الجهات المهمّشة التي كان و لا يزال إحتجاجها على الظروف الإقتصاديّة و الإجتماعية التي تعيشها مطالبة بمراجعة سياسات الدولة أي ما يصطلح عليه بالمنوال التنموي.
مما يجعل الحراك الإجتماعي أحد ثوابت المشهد التونسي الحالي، هذا الحراك الذي يُسائل المنظومة السياسية و نخبتها و الديمقراطية الليبرالية التي حققتها البلاد و تعتبرها النخبة المنجز الأهمّ الذي تتباهى به أمام باقي دول الثورات العربي، هذه الديمقراطية الليبرالية التي لا تمثّل الإجابة الحقيقة على جلّ مطالب الحراك الثوري هذا الحراك الذي سيستمرّ بتواصل أسبابه و إمكانات إندلاعه مرّة أخرى، تلك هي الأزمة الهيكليّة للنظام السياسي و الإقتصادي و للنخبة السياسية معًا.
iThere are no comments
Add yours