يدور الحديث اليوم حول الاصلاحات الهيكلية التي ستقبل على تنفيذها الدولة التونسية بوصاية من المانحيين الدوليين و على رأسهم صندوق النقد الدولي، والتي ستشمل جل القطاعات الحيوية و مجالات التدخل الاقتصادي و الاجتماعي، وذهب كثير من الساسة و الخبراء الاقتصاديين إلى أن المؤسسات المالية الدولية تحـاول فـرض برنـامج إصـلاح هـيكلي مدمر للاقتصـاد التـونسي له تبعات اجتماعيّة خطيرة على مستوى عيش المواطنين يقضي بإلغــاء صـندوق الدعـم في ظرف 3 سـنوات والتـرفيع في الضـغط الجبائي إضـافة إلى مراجـعة صنـاديق الجـراية وصنـاديق التـغطية الاجتـماعيّة و رعاية الفئات الفقيرة.
ويستذكر الكثيرون بأن الصندوق الدولي كان فرض على تونس سنة 1986 برنامج إصلاح اقتصادي بموجبه تمّت خصخصة القطاع العام وخلق الأشكال الهشّة للتوظيف على غرار المناولة و الآليات طبقها النظام السابق مما خلق تباينا في المستوى المعيشي بين الفئات الاجتماعيّة والجهات.
فهل إنّ تطبيق هذا البرنامج القديم مجددا في تونس سيقضي على الفئات الفقيرة والمتوسّطة الدخل ؟
ألم تكن ثورة إجتماعية ؟
كان الاستحقاق الاجتماعي الديمقراطي للثورة التونسية مجرد شعار واهم، كيف لا و طيف كبير من الشعب التونسي لديه قناعة راسخة أن الغاية من الثورة لم تكن أبدا منح بضع عشرات الأحزاب تراخيص العمل السياسي القانوني وخوض لعبة الانتخابات بهدف التداول على الحكم- ما ولد الصراع على كراسي الحكم بين الإسلاميين والعلمانيين – وتُركت مطالب الشعب الاجتماعية جانبا، المطالب الدائرة أساسا حول إنهاء حالة التفاوت التنموي المجحف بين الجهات ومعالجة مشكل البطالة وتشغيل الشباب ومعالجة أزمة الإصلاح المدرسي وعدم تناسب الاختيارات التربوية مع مطامح الشباب الاجتماعية وتحسين ظروف عيش الطبقة الفقيرة والطبقة الوسطى التي اقتربت من حافة الفقر…الخ.
ولكن خمس سنوات بعيد الثورة لم نرى إلا صراع السياسين و دماء الشهداء و أشلاء الإرهابين و ضيعت بوصلة حلم دولة الرعاية الإجتماعية.
الدور الاجتماعي للدولة
تلعب الدولة العديد من الأدوار الهامَّة في تنظيم شؤون الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وضبْط الكثير من أشكال التفاعل بين الأفراد والجماعات في بيئتها. فالدولة، كما يؤكِّد العديد من المنظرين الاقتصاديين، ”ليست فاعلاً مُطلَق اليدين بشكل كامل، وإنما هي فاعل تتنازعه قوى تتقارَب أحيانًا وتتعاند أحيانًا أخرى، ولكنها في كل الأحوال تضع الدولة بين شقي رحى؛ فمن ناحية، هناك القوى الخارجية المتعلِّقة بوضع كلِّ دولة داخل النظام العالمي، وما يترتَّب عليه من ضغوط سياسيَّة واقتصاديَّة خارجية كما هو حال تونس اليوم، وهناك من الناحية الأخرى القوى الداخلية المرتبِطة بالأساس بالتشكيل الطبقي، ومستوى نموِّه، ودرجة التنافس أو الصراع الذي يُفرِزه، فالدولة بذلك هي محصِّلة لتفاعل عوامل ذاتيّة وموضوعية داخلية وخارجية، تُفهَم من خلال عَلاقة بين داخل يتشكَّل في ثنايا الخارج، وخارج يتبدَّل مع تبدُّل الخارج“.
والحديث عن الدور الاجتماعي للدولة يأتي هنا باعتباره حديثًا عن دور المؤسسات التابعة للدولة في النشاطات الاجتماعية المختلفة، وبالتالي يمكننا تعريف الدور الاجتماعي للدولة : ما يجب أن تقوم به مؤسسات الدولة من تدخلات لحماية مواطنيها، اقتصاديًّا واجتماعيًّا، من خلال التدخل، سياسيًّا وتشريعيًّا، بوضع السياسات وسنِّ التشريعات اللازمة لتنظيم قوى السوق وإصلاح الاختلالات الناجمة عن عملها؛ لتحقيق العدالة الاجتماعيَّة وضمان الاستقرار الاجتماعي، من خلال توفير شبكات الأمن الاجتماعي ضد المخاطر والأمراض الاجتماعيَّة كالفقر والتهميش والفوارق الجهوية، وتوفير المواد المدعمة والخدمات العامة، والحد من الآثار السلبية للعولمة و النيوليبرالية الموحشة على الفقراء، فالفقر في تونس موجود من زمن بعيد، وأسبابه متعددة ومتشابكة، وسعت الدولة بمختلف البرامج الاقتصادية والاجتماعية إلى تقليص نسبته، إذ لا يمكن القضاء عنه كلية نظرا لضعف الأداء الاقتصادي أو لقلة الموارد الاقتصادية والمالية، أو لسوء توزيع الثروة.
إن نسبة الفقر العامة المسجلة لدى وزارة الشؤون الاجتماعية خلال سنة 2014 بلغت 24%، خولت ل 250 ألف عائلة الانتفاع بالمساعدات الاجتماعية والمنح المرصودة من قبل الدولة، ونلفت الانتباه الى أنّ هذا الرقم يمثل 90% من نسبة العائلات الفقيرة المقدرة لدى المعهد الوطني للإحصاء، وهنا يطفو خلاف غير مفهوم و غير مبرر لتأثيراته السلبية على سياسة الدولة، بين وزارة الشؤون الاجتماعية والمعهد الوطني للإحصاء حول تحديد نسبة الفقر وتفاوتها بينهما، ذلك أنّ تقديرات المعهد الوطني للإحصاء مبنية على ”المنهجية العلمية“، في حين تقول وزارة الشؤون الاجتماعية أنّ تقديراتها مبنية على معايير متبعة في برامجها.
يذكر أن المعهد الوطني للإحصاء يقسم الفقر في تونس حسب تصنيفات البنك الدولي الى فقر مدقع، ونسبته قدرت عقب الثورة بـ 3.5%، أضف إليه أكثر من 700 ألف شخص ممن ينتمون الى الفقر والخصاصة، لتكون النسبة قد تجاوزت 11.5%، أي أنّ ما يزيد عن مليون وربع مليون تونسي يعيشون تحت خط الفقر.
فما هو مصير المليون مواطن تحت خط الفقر في ظل الحديث عن الإصلاحات المفروضة من صندوق النقد الدولي ؟
الرعاية الاجتماعية في ظل شروط صندوق النقد الدولي ؟
رغم المجهود المبذول من وزارة الشؤون الاجتماعية منذ أكثر من نصف قرن و لكنها لم تستطع أن تخفف من سلبيات السياسة الإقتصادية التونسية في تهميش قطاعات واسعة من السكان، وإذا كانت قد قامت بتمويل برامج أمن اجتماعي، فإن هذه البرامج لم تقدِّم سوى الحدّ الأدنى من الدعم، فالرعاية الاجتماعية منذ إقرارها بعيد الاستقلال تمثل وسيلة لتخفيف المعاناة على الطبقات المحرومة، خاصة في فترات التقلبات الاقتصادية و الكوارث الطبيعية، و تكون في كثير من الأحيان مساعدات رمزية ضمن برامج مسقطة، بل أن الكثير من المتابعين ربطوا بين هذه المساعدات وخاصة منحة العائلات المعوزة و العلاج المجاني بالفساد و المحسوبية و هو كلام منطقي إذا تذكرنا ممارسات النظام السابق في ربط إسناد هذه المساعدات بالولاء الحزبي للتجمع المنحل بل أن الكثير إنتفع بالتشغيل عن طريق هذه المنظومة دون وجه حق… ولكن بعيد الثورة ضغطت إطارات هذه الوزارة من متصرفين وأعوان و أخصائيين من أجل القطع النهائي مع البرامج الاجتماعية السابقة واعتماد مبدإ المساواة والعدالة بين الناس ومراجعة وضعية 800 الف عائلة بين منتفعة بالمنحة القارة وبالتعريفة المخفضة للعلاج إضافة إلى احالة رئاسة اللجان التي تنظر في المساعدات الى ادارة الشؤون الاجتماعية و الأخصائيين الاجتماعيين عوض العُمد والمعتمدين و الولاة و رؤساء الشعب.
ولكن رغم هذا الجهد و مساعي الإصلاح من قبل المتدخلين في القطاع لتكون المنح القارة موجهة بالأساس لمستحقيها ولكن تبقى دائما دون المأمول وهي برامج مفرغة حتى وإن تغيرت مسمياتها أجزم أنها لن تستطيع مجابهة الإصلاحات الجديدة المفروضة من صندوق النقد الدولي كشروط قاسية على تونس نحو التخلي عن الدعم المالي للسلع الضرورية في حياة المواطنين كالخبز والسميد والشاي والسكر والزيت والمشتقات النفطية وغير ذلك من السلع التي تشكل القوت اليومي للناس. رغم أن أموال الدّعم ليس لها علاقة بالمديونيّة، وإنمّا تتأتّي من موارد الدّولة الجبائيّة، التّي يتحمّل وزرها، بالأساس، الشّعب الكادح بنسبة 82 بالمائة، مُقابل 18 بالمائة مُوظّفة على أرباح الشّركات. وبالتّالي فإنّ أموال دعم المواد الأساسيّة هي أموال الشّعب التّي تعُود إليه في شكل جُزء من ثمن الخبز أو السّميد أو الحليب… وليس فيها ‘مَزيّة لأحد’، بما فيهم الدّائنون الأجانب.
كما ستلزم هذه الإصلاحات بتقليص الانفاق على القطاعات الخدماتية كالصحة والتعليم والسكن والضمان الاجتماعي وبالمقابل زيادة الضرائب على الخدمات اليومية كالكهرباء والمياه والنقل والاتصالات وما شابهها.
يقر اليوم طيف واسع من الفاعلين الاجتماعيين المختصين في تصور وبرمجة وتنفيذ برامج العمل الاجتماعي والتنمية الاجتماعية أنه بات من الواجب القطع مع البرامج السابقة و ضرورة مراجعة المقاييس المعتمدة في اسناد المساعدات و الترفيع فيها مع عدم حصرها في المساعدات العينية التي تعتبر إجراءات تتخذ لضمان حياة الأفراد فقط، ولا تسعى لتحقيق التنمية البشرية، فهي تسعى من خلال عنايتها إلى إبقاء المحرومين على قيد الحياة، وتعتبر علاجا مؤقتا لمشاكل في ظل إقتصاد متقلب مكبل بجبل من الديون الخارجية وباعباء ثقيلة شلت قدرته على التنمية.
المراجع
1- دور دولة الرعاية الاجتماعية في الحد من آثار الفقر د. علاش أحمد.
2- دليل الإحصائيات الإجتماعية 2014 – وزارة الشؤون الإجتماعية –تونس
3- دولة الرعاية الاجتماعية في القرن العشرين. تجارب الأمم المتقدمة في تكريم الإنسان
-المؤلف: جون ديكسون، روبرت شيريل، وآخرون
4- البنك الدولي، تحسين شبكات الأمان ضروري لتحقيق منافع العولمة للفقراء في العالم، 24 جانفي 2001
5- الموقع الرسمي لوزارة الشؤون الاجتماعية
On ne résout pas les problèmes sociaux avec des “SI” ou même avec une description très détaillée. Il faudrait plutôt élever l’analyse et comprendre que cet état de faits est la conséquence de l’application du système capitaliste prédominent dans le monde et en Tunisie depuis l’indépendance jusqu’à ce jour. Et le FMI et la Banque Mondiale n’en sont que les outils d’exécution? Or notre classe politique, nos intellectuels n’ont pas consciences de cela? Tous condamnent le système économique libéral du régime de Ben Ali,qui est pore que le capitalisme classique. Mais continuent à l’appliquer après la révolution? Si les islamistes n’ont jamais compris qu’un système économique islamique c’est une pure illusion comme l’est leur foi dans l’au-delà, les modernistes rêvent d’intégrer notre économie à la “mondialisation” dont ils ignorent encore que c’est la nouvelle forme de colonialisme?