المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة

municipalite

بقلم أحمد قيدارة و البحري المثلوثي*،

نشرت وزارة الشؤون المحلية مشروع مجلة الجماعات المحلية في نسخته المحينة يوم الاثنين 27 جوان 2016 بعد أن نشرت النسخة الأولية في اكتوبر2015 وذلك بعد أن نظمت في الغرض عددا من الاستشارات واللقاءات الجهوية والقطاعية مع الأطراف المعنية بالموضوع كللت بتغييرات جوهرية على النسخة الأولية.

تضمن المشروع الذي وضع نواته الأولى ثلة من خبراء القانون عديد النقاط الايجابية التي كرست المبادئ الدستورية الواردة بالباب السابع وشكلت إطارا ملائما لإرساء النظام اللامركزي الفعلي والحقيقي خصوصا من خلال ما تضمنته النسخة المحينة لجوان 2016 من تفاعل ايجابي مع الملاحظات المقدمة من أهل الاختصاص ضمن عدد من الملتقيات والندوات حول نسخة مارس 2016.

وتفاعلا منا مع المشروع المشار إليه، سنحاول في هذا العمل تقديم بعض الملاحظات ذات الطابع العملي إسهاما منا في إثراء مشروع المجلة.

في البداية كان من الأجدر تسمية هذا القانون بالقانون الأساسي للسلط المحلية تماشيا مع التسمية الواردة بالباب السابع من الدستور.

تضمن المشروع كتابين، يتعلق الأول بالأحكام العامة والثاني بالأحكام الخصوصية ولكن بتصفح مختلف الفصول نلاحظ وجود أحكام خصوصية بكتاب الأحكام العامة على غرار الفصل السادس من المشروع والذي ذكر خطة كواهي الرؤساء والتي لا تهم إلا البلديات ولا يمكن الحديث عنها في بقية أصناف الجماعات المحلية وبذلك كان من باب أولى وأحرى أن يتم إدراج الفصل المذكور بكتاب الأحكام الخصوصية. وتنطبق نفس الملاحظة بالنسبة للفصول 19 و20 و21. والعكس كذلك صحيح،حيث نجد أحكاما ذات صبغة عامة بمعنى أنها تنطبق على كل أصناف الجماعات بكتاب الأحكام الخصوصية ويقع تكرارها مع كل صنف من الجماعات المحلية على غرار الأحكام القانونية المتعلقة بتسهيلات المؤجرين لأعضاء مجالس الجماعات حضور اجتماعات المجالس واللجان (الفصل 222 الخاص بالبلديات والفصل 326 الخاص بالجهات) والتي كان يمكن إدراجها مرة فقط بكتاب الأحكام العامة.

وفق فلسفة تجميع النصوص في مجلة واحدة تطرق المشروع إلى مجالات مختلفة في العمل المحلي على غرار الهيكل الإداري للجماعة المحلية وطرق تسييرها ومواردها ونفقاتها و وظائفها،غير أنه لم يلغي كل المجلات القانونية القديمة على غرار مجلة الجباية المحلية وبالتالي لن يحتوي المشروع المدروس كل النصوص المتعلقة بالعمل المحلي وفق الفلسفة التي قام عليها منذ البداية.

تعرض المشروع في هذه النسخة المحينة إلى صلاحيات كل صنف من الجماعات المحلية ولكن لم يقع التطرق إلى طبيعة المواضيع التي تهم بلديتين متجاورتين مثلا وقد تكونان من جهتين وإقليمين مختلفين فهل يعد ذلك شانا محليا أم جهويا أم إقليميا. وهو ما يستدعي مزيد التدقيق في هذه الوضعيات واستباقها تحسبا لكل الإشكاليات التي يمكن أن تحدث مستقبلا.

تطرق المشروع إلى جملة من المبادئ الواردة بدستور 27 جانفي 2014 على غرار مبدأ التدبير الحر، إلا آن بعض الفصول جاءت مخالفة لهذا المبدأ مثل الفصل 30 والذي نص على انه ”تتولى الوزارة المكلفة بالجماعات المحلية، بعد استشارة المجلس الأعلى للجماعات المحلية، تحديد إطار وصيغ المنهجية التشاركية من خلال دليل لمشاركة المواطنين في برامج التنمية والتهيئة المحلية“ ويمكن اعتبار إصدار الدليل تضييقا من حرية الجماعات المحلية في اختيار الأطر والصيغ التي تراها مناسبة لمشاركة المواطنين والتي تتناسب مع خصوصياتها الثقافية والحضارية والاجتماعية وغيرها في احترام لللامركزية التي تقوم على احترام الاختلاف والتنوع.كما أن تقنين هذه المسائل من خلال الأدلة قد يفهم وكأنه شكل من أشكال الإشراف المقنع خصوصا اذا تم ربط تمتيع الجماعات المحلية بالمساعدات مهما كان نوعها باحترام المنهجية المضبوطة من طرف الوزارة.

تطرق المشروع إلى موضوع اقتراض الجماعات المحلية بكل اقتضاب رغم ما للموضوع من أهمية قصوى لأداء هذه السلطة لمهامها التنموية (الفصل 120) وان لم يرد في هذه النسخة المحينة إلزام الجماعات المحلية بالاقتراض لدى صندوق القروض ومساعدة الجماعات المحلية دون سواه على غرار نسخة مارس 2016، فان النسخة الحالية لم تتطرق إلى إمكانية الاقتراض لدى المؤسسات المالية الأخرى المحلية منها والأجنبية وهو ما لا يسمح بتنويع مصادر التمويل ويعتبر ذلك تراجعا مقارنة بالتشريع الحالي والذي يتيح الاقتراض لدى مؤسسات مالية أخرى بعد الترخيص بمقتضى أمر.ونعتقد أنه يستوجب أن تتضمن النسخة النهائية أحكاما تتعلق بالاقتراض من المؤسسات المالية الوطنية والأجنبية استباقا لهذه الوضعية،حيث لا يعتبر اختيار واضعي المشروع السكوت عن ذلك ضمن المشروع بحثا عن حصرية ضمنية للاقتراض للصندوق بالاختيار الصائب حسب رأينا.

تضمن المشروع عدة مصطلحات ومفردات مطلقة وفضفاضة على غرار ”النصيب الأهم“ و ”ضرائب أخرى“ (الفصل 117). في نفس الإطار اكتفى الفصل 117 عند التطرق إلى الموارد التي سيقع تحويلها الى الجماعات المحلية بذكر المعاليم الموظفة على نقل الملكية دون سواها ولم يتحدث مثلا عن معاليم الجولان والأداء على القيمة المضافة والأداء على الشركات واكتفى بعبارة ضرائب أخرى.

تم استعمال عدد من المفردات والمفاهيم دون تعريفها والتمييز بينها على غرار التسوية والتعديل الواردة بالفصل 37 وكذلك الاقتصاد الاجتماعي والاقتصاد التضامني الواردة بالفصل 107. وفي نفس السياق تطرق المشروع في الفصل 104 بمناسبة الحديث عن مخطط التنمية المحلية عن المساواة بين الجنسين وكان الأجدر استعمال مفهوم النوع الاجتماعي لشموليتها خصوصا وانه تم استعمال هذا المفهوم في عدد من الفصول الموالية للمشروع على غرار الفصل 116.

كما لوحظ بالمشروع وجود عدم التناسق بين عدد من الفصول،حيث ذكر الفصل 143 موارد الاقتراض الخارجي (ضمن الصنف العاشر) عند التطرق لموارد العنوان الثاني، في حين آنه لم يرد في بقية الفصول ما يدل على إمكانية حصول الجماعات المحلية على القروض الخارجية. من جهة اخرى ورد بالفصل 127 انه يحق للجماعات المحلية التحصل على معاليم قبول أو معالجة مختلف فواضل وحدات الانتاج الملوثة في حين أن الفصل 231 المتعلق بضبط المرافق البلدية لم يتعرض لذلك ضمن مشمولات الجماعات المحلية.

كما لاحظنا في المشروع تحديدا لبعض المؤشرات المتعلقة بالتصرف المالي اقتصر على نسبة التأجير في حين انه يتعين تحديد عدة مؤشرات أخرى تتعلق بالادخار الخام و المديونية و مصاريف صيانة المنشآت العمومية ومصاريف التدخلات وغيرها.

تطرق الفصل 126 إلي الرسوم والحقوق والمعاليم المخول للبلديات ضبط مبالغها وجاء ذلك على وجه الحصر، إلا أن هذا الفصل لم يتضمن بعض المعاليم المرتبطة بالعمل المحلي على غرار معلوم الحجز بمستودعات الحجز ومعلوم الدفن بالمقابر.

كما وزع الفصل 131 معاليم إشغال واستغلال الأملاك العامة والخاصة للدولة بين مختلف أصناف الجماعات المحلية والدولة باعتماد نسب جزافية غير خاضعة لمعايير موضوعية. حيث اسند 50% للدولة ووزع الباقي كما يلي 20 %للإقليم و40% للبلديات ومثلها للجهات. وذلك دون ربط التحويلات بحجم الصلاحيات والحاجيات المالية لكل جماعة محلية.

تعرض الفصل 252 من المشروع لصلاحيات رئيس البلدية بصفته ضابطا للحالة المدنية وأتاح له إمكانية تفويض إمضائه في الوثائق المتعلقة بالتعريف بالإمضاء وبمطابقة النسخ للأصل، إلا انه لم يتعرض إلى إمضاء وثائق الحالة المدنية على غرار مضامين الولادة والزواج والوفاة وغيرها وهو ما يبدو انه سهو يجب تداركه في النسخة النهائية.

* احمد قيدارة مستشار المصالح العمومية ومدير المالية ببلدية صفاقس، البحري المثلوثي متصرف مستشار كاتب عام بلدية الحنشة صفاقس