%d9%87%d9%8a%d8%a6%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%82%d9%8a%d9%82%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%b1%d8%a7%d9%85%d8%a9-%d8%b3%d9%84%d9%8a%d9%85-%d8%b4%d9%8a%d8%a8%d9%88%d8%a8

رغم انقضاء حوالي 5 أشهر على إبرام اتفاقية التحكيم والمصالحة بين صهر الرئيس السابق سليم شيبوب والمكلف العام بنزاعات الدولة في حق وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية -برعاية هيئة الحقيقة والكرامة- فإن القرار التحكيمي لم يصدر إلى حد الآن. وقد سبق لهيئة الحقيقة والكرامة أن نشرت بلاغا يوم 5 أوت 2016، تاريخ انتهاء المدة القانونية المقدرة بـ3 أشهر، أكدت فيه أن لجنة التحكيم والمصالحة قررت التمديد في إصدار القرار التحكيمي لمدة شهر بناءا على طلب المكلف العام بنزاعات الدولة وسليم شيبوب. ورغم انقضاء أجل التمديد المنصوص عليه في البلاغ -أي 5 سبتمبر 2016- فإن القرار التحكيمي لم يتم إصداره، وهو ما يثير العديد من التساؤلات حول مسار مفاوضات التحكيم والمصالحة، خصوصا في الجانب القانوني.

ivd-communique08-2016

في هذا السياق أوضح محمد العيادي، عضو سابق في هيئة الحقيقة والكرامة وعضو حالي بالهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، لموقع نواة أن “لجنة التحكيم والصلح بتأخرها في إصدار القرار التحكيمي لملف سليم شيبوب، تكون قد خالفت مقتضيات الفصل 22 من دليل إجراءات لجنة التحكيم والمصالحة”. وقد ورد في الفصل المذكور في فقرته الثانية “وتجرى جلسات التحكيم والمصالحة في مقر هيئة الحقيقة والكرامة على أن لا يتجاوز أجل إبرام اتفاقية التحكيم والمصالحة ثلاثة أشهر من تاريخ استدعاء المطلوب للتحكيم والمصالحة وأن لا تتجاوز أجل صدور قرار التحكيم والمصالحة ثلاثة أشهر قابلة للتمديد مرة واحدة لنفس المدّة”.

بن سدرين: المكلف العام بنزاعات الدولة وراء التأخير

أسباب تأخير إصدار القرار التحكيمي أرجعته رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة، سهام بن سدرين، إلى المكلف العام بنزاعات الدولة، مشيرة إلى أنه “عمد إلى تأخير الجلسات 3 مرات وطالب بالتمديد 3 أشهر إضافية بعد انقضاء الآجال القانونية، فسعت الهيئة إلى إقناع سليم شيبوب بقبول شهر تمديد، فوافق هذا الأخير”. وأضافت بن سدرين بأن “طلب التمديد اضطر الهيئة إلى تعديل الفصل 22 من دليل الإجراءات ليسمح بتأجيل إصدار القرار التحكيمي  لمدة 3 أشهر إضافية”.

الآجال الجديدة التي أشارت إليها رئيسة الهيئة تنتهي يوم 5 نوفمبر 2016، ولكن إمكانية تجاوزها وارد إلى حدود بعيدة، خصوصا في ظل الصراع القائم بين الهيئة والمكلف العام بنزاعات الدولة. وفي هذا السياق أكدت بن سدرين أن “المكلف العام بنزاعات الدولة أمعن في طلب التأجيل بتعلة أن قضايا الفساد تتطلب خبيرا وأن الدولة لا تملك ميزانية  لدفع راتبه، فاضطرت الهيئة إلى التكفل بذلك”. وأضافت أن “المكلف العام بنزاعات الدولة رفض مد الجهات القضائية برقم الحساب البنكي لتحويل مبلغ مالي أراد سليم شيبوب وضعه في خزينة الدولة بعد رفع قرار التجميد من طرف بنوك سويسرية”.

تعطّل سير المفاوضات في ملف سليم شيبوب يضع آلية التحكيم والمصالحة داخل هيئة الحقيقة والكرامة أمام منعرج جديد لا يخلو من المنزلقات، خصوصا وأنها أمام رهان إثبات النجاعة والشفافية في ملفات الفساد المالي، التي عجزت الهيئات القضائية على إيجاد حلول لها منذ أكثر من 5 سنوات. ويلوح أن الهيئة دخلت في صر اع انتهاء الآجال مع المكلف العام بنزاعات الدولة. ولئن غُلِّف هذا النزاع بطابع بيروقراطي فإنه يعكس استمرار معركة سياسية بين المشاريع التي تتصارع حول أحقية المسك بملف المصالحة المالية والاقتصادية، على غرار مشروع المصالحة الاقتصادية الذي تقدمت به رئاسة الجمهورية صيف 2015. وفي الوقت الذي تتمسك فيه الهيئة بصلاحية البت في  ملفات الفساد المالي، معولة على نجاحها في إدارة ملف شيبوب بكل الوسائل، تسعى جهات نافذة في السلطة –خصوصا رئاسة الجمهورية- إلى سحب البساط من الهيئة والتشكيك في نجاعتها. ولعل الصراع حول هذا الملف الحساس بهذه المضامين سيؤدي إلى الإنزلاق نحو تبييض الفساد وتعزيز الإفلات من العقاب وطمس الحقائق.

سليم شيبوب: الاستفادة القانونية والرمزية

على ضفة النزاع الأخرى يلوح أن صهر الرئيس السابق سليم شيبوب استفاد كثيرا من هذا المسار المتعثر، رمزيا وقانونيا:

-على المستوى الرمزي، أفلح سليم شيبوب في الظهور بصورة “المتهم الذي ينتظر البراءة” والرجل المهذّب الذي يحترم القانون، وتملّص من صورة صاحب النفوذ والارتباطات المشبوهة في النظام السابق. وبالفعل اشتغل إعلاميا على ترويج هذه الصورة، إذ ظهر في حوار تلفزي مطوّل أواخر شهر ماي الفارط على قناة التاسعة –بعيد أيام قليلة من إبرام اتفاق التحكيم والصلح- ليؤكد “أنا لست مظلوم، أنا في وضعية دفاع عن نفسي بشراسة”، مضيفا “استفدت من موقعي في السلطة مثلما يستفيد آخرون الآن”. هكذا سعى شيبوب إلى قلب المواقع، ليصبح –رمزيا- في موضع قوة ودفاع عن النفس بعد أن كان مُدانا. ونفى عنه تهمة الجرائم المالية والاقتصادية ليجعل من الفساد حالة طبيعية مرتبطة بكل المواقع القريبة من السلطة.

-على المستوى القانوني، ظفر سليم شيبوب بتعليق التتبعات العدلية الصادرة في شأنه، وهذا الإجراء سبق أن أكده محاميه هيكل المكي في تصريحات إعلامية سابقة. وأكده أيضا رئيس لجنة التحكيم والمصالحة خالد الكريشي الذي أشار إلى أن “هذا الاتفاق لديه مفعول تجميدي، يقضي بتعليق الاجراءت القضائية ويرفع مفعول البطاقات القضائية الصادرة ضد المعني بالمصالحة”. وقد أثار هذا القرار جدلا قانونيا إذ عده البعض متعارضا مع الفصل 45 من قانون العدالة الانتقالية، الذي ورد فيه “كما تنظر لجنة التحكيم والمصالحة في مطالب الصلح في ملفات الفساد المالي ولا يعلق تقديم مطلب الصلح النظر في القضية ولا تنقرض الدعوى العمومية إلا بموجب تنفيذ بنود المصالحة”.

بالإضافة إلى هذا كشفت اتفاقية التحكيم والمصالحة التي نشرتها منظمة “أنا يقظ” يوم أمس عن القضايا محل التحكيم بين سليم شيبوب والمكلف العام بنزاعات الدولة، وهي عموما 6 قضايا فساد مالي منشورة لدى القطب القضائي، ولم تتم إدانته في أي واحدة منها. وهو ما يطرح السؤال مجددا حول مدى قدرة كل من مؤسسات العدالة الانتقالية والجهات القضائية على حل ملفات الفساد المالي، التي ظلت لأكثر من 5 سنوات تحت قيد التلاعب السياسي والقانوني.

⬇︎ PDF