الحرب ضدّ تجربة جمنة، تجاوزت حملات الشيطنة والتشويه لتسخّر الدولة ترسانتها القانونية وتتوعّد جمعية حماية واحات جمنة بالتتبّع القانوني في بلاغ صادر عن وزارة أملاك الدّولة والشؤون العقارية يوم 10 أكتوبر، لتلحقه يوم 13 أكتوبر الجاري ببلاغ ثان تُلزم فيه الجمعية بعدم التصرّف في الصابة أو الأموال وتسليمها للدولة.
مثّل تاريخ 9 أكتوبر 2016 علامة فارقة في مسار الصراع الذّي يخوضه مواطنو جمنة حيث تمّ بيع محصول التمور تحت حماية الأهالي، وبحضور قافلة مساندة قدمت من العاصمة وعدد من المدن الأخرى، حاملة وفودا من الحقوقيون ورجال السياسة وأعضاء من مجلس النواب وفنانين ونشطاء، استفزّ الحكومة وأدواتها الإعلامية بالخصوص، لتبدأ منذ يوم السبت الفارط حملة اعلاميّة ممنهجة لتشويه تجربة تسيير هنشير ”ستيل“ بجمنة ، دون التطرّق للفساد الذّي ينخر ملفّ الأراضي الدولية أو محاولة طرح بدائل وحلول للتعاطي مع هذه المعضلة.
بعد أن انتقلت سلطة استغلال الأرض الفلاحيّة من يد رأس المال الخاصّ -الذّي كان يتسوّغها منذ سنة 2002 -إلى جمعية حماية واحات جمنة، استطاعت هذه الأخيرة أن تغيّر بشكل جذريّ طريقة التصرّف في الأرباح التي كانت تؤول إلى جيوب حفنة من المستغّلين نحو خدمة الصالح العام وتعمير مدينة جمنة التي ظلّت كغيرها من عشرات المدن والقرى خارج الحسابات التنموية للحكومات المتعاقبة.
الإيجار السنوي للنخلة 800 ملّيم!
1.7 مليون دينار تونسي كانت قيمة البتّة لسنة 2016. رقم يكشف حجم الضيم الذّي كان يُسلّط على منطقة بأسرها، إذا ما قورن بعقد بقيمة عقد تسوّغ هنشير ستيل سنة 2002، والذي لم يتجاوز 14 ألف دينار بشكل إجمالي (كراء 111 هكتار بمبلغ 9000 دينار تقريبا، و74 هكتار بقيمة 5000 دينار).
عملية حسابية بسيطة، تكشف حجم الاستغلال الفاحش للملك العمومي، إذ تمّ التفريط في 10800 نخلة منذ سنة 2002 إلى حدود سنة 2011 بقيمة إجمالية لا تتجاوز 800 ملّيم للنخلة الواحدة التي يتراوح مردودها السنوي من التمور بين 150 دينارا و200 دينار. أي أنّ الدولة لم تكن تنتفع بأكثر من 14 ألف دينار سنويّا طيلة 9 سنوات، ولم يكن هنشير جمنة يعود على المجموعة الوطنية ومن ضمنهم أهالي البلدة سوى ب800 مليم سنويا للنخلة الواحدة.
من ناحية أخرى، ومع وضع اليد على هنشير ستيل بعد سنة 2011، ارتفعت قيمة المحاصيل السنوية من 969 ألف دينار في السنة الأولى لتبلغ 1.7 مليون دينار سنة 2016. عوائد محصول التمور لم تعد تذهب كما جرت الأمور إلى جيوب المستغّلين الخوّاص دون غيرهم، بل أصبحت توّجه بعد اقتطاع المصاريف وأجور العمال لتنمية الجهة والولاية ككلّ وتوظيف الأموال الفائضة لتعمير جمنة وتحسين بنيتها التحتية وسدّ الفراغ الذّي تركه غياب الدولة لعقود وتقصيرها في توفير الخدمات الاساسيّة.
عائدات التمور من جيوب الخوّاص إلى الصالح العامّ
بداية تجربة هنشير ستيل، لم تكن سهلة، ولم تكن جمعية واحات جمنة تمتلك الموارد المالية الذاتيّة لتمويل الإنتاج، لذلك تمّ الالتجاء بحسب السيّد طاهر الطاهري، رئيس الجمعية المذكورة إلى الاقتراض من الجمعيات المائيّة وتاجري تمور مبالغ جملية ناهزت 142 ألف دينار، كما تمّ تنظيم حملة تبرّع بين أهالي جمنة جلبت ما يقارب 34 ألف دينار. وُجّهت جميعها لاستصلاح الأرض وإعادة تهيئة قنوات الريّ وشراء المعدّات والتجهيزات اللازمة. لتغطّي العائدات طيلتي سنتي 2011 و2012 بالكاد مصاريف الإنتاج وتسديد ديون الجمعية.
ولكن الانطلاقة الحقيقية بدأت في السنة الثالثة من استغلال هنشير جمنة، حيث ارتفعت العائدات بشكل كبير ليناهز سنة 2014 ما يقارب 1800 مليون دينار، تمّ توجيهها بأسرها بعد طرح المصاريف وأجور العملة – الذّين ارتفع عددهم من 40 عاملا سنة 2011 إلى 133 عاملا قارا و134 عاملا عرضيا سنة 2016-لتنمية الجهة وسدّ النقص في جميع المجالات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والصحيّة وحتّى الرياضيّة بقيمة جملية تجاوزت 1524 مليون دينار منذ سنة 2011. حيث بلغت قيمة المشاريع في المجال الاجتماعي 58 ألف دينار، بينما ناهزت في المجال الرياضي 286 ألف دينار عبر دعم جمعية الفروسية وألعاب القوى في جمنة وقبلي ونادي الرماية ودار الشباب. أما على الصعيد التربوي، فقد بلغت المبالغ المرصودة لتحسين المنشآت التعليمية كالمعهد الثانوي والمدرسة الابتدائية والادارة الجهوية للتعليم ومركز التكوين الفلاحي ومركز القاصرين ذهنيا ما يفوق 524 ألف دينار. كما بلغ اجمالي المبالغ الموجّهة لدعم المجال الصحيّ 109 ألف دينار، صُرفت لتحسين المستوصف واقتناء سيارة اسعاف والتبرّع ب10 آلاف دينار لاقتناء آلة للكشف عن سرطان الثدي. أمّا في المجال الثقافي، فقد تمّ توزيع التبرعات على مختلف الجمعيات والمهرجات الناشطة في هذا المجال بقيمة جمليّة تناهز 43 الف دينار. إقتصاديّا، يمثّل مشروع السوق البلدي المغطّى الذّي ستعود مداخيله للبدية، أحد أهم المشاريع الاقتصاديّة بتكلفة تناهز 540 ألف دينار.
تجربة هنشير ستيل وآلية التسيير التي تنتهجها جمعية حماية واحات جمنة أثبتت بالأرقام حجم الاستفادة الحقيقية من خيرات الأرض، وأزاحت الستار عن حجم الفساد في إدارة ما يُسمّى بأملاك الدولة التّي تستغلّها أقليّة تتقاسم السلطة والثروة وتدير ثروات البلاد ومقدّراتها وفق ترسانة من القوانين التي تخدم فئة دون عينها. من هنا تستميت هذه “الدولة” لوأد التجربة وتحاول افتكاك الأرض، وإغلاق نقاش تجاوز حالة جمنة ليطرح أسئلة حول مستقبل وآليات إدارة التصرّف في الأراضي الدولية ككلّ.
جمنة: تجربة ضدّ سياسة الدولة
16/09/2016
تحية كل أصحاب المبادرة ، و كما نقول دائما ، لا لتجريم النجحات .. أهالي جمنة و جمعية حماية ضيعة جمنة لم يضعوا يوما واحدة الدولة في التسسل .. انجزوا تجربة ، بقوا دائما في تواصل مع الدولة .. هيبة الدولة لم تمس .. لم يحدث سلب أو غورة على الملك العمومي .. نريد من الحكومة أن تثمن ما انجزه الأهالي و الجمعية … و التحول الاقتصادي يتطلب أيضا تجارب مثل هذه ..
تجربة رائدة وأنموذج للإقتصاد التشاركي يتعين على الحكومة تثمينها ودعمها وتعميمهاة على باقي الضيعات الدولية المهملة أو التي يتصرف فيها بمقابل ضعيف وبمردودية أضعف