أرقام مفزعة تبينها إحصائيات المعهد الوطني للإحصاء في البلاد التونسية في عديد المجالات لكن أخطرها تلك التي تهم شباب تونس. وأولها نسبة الأمية المسجلة في شريحة المواطنين الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و40 سنة والتي ناهزت 20 في المائة أي أن واحدا من خمسة شبان في بلادنا لا يحسن القراء ولا الكتابة. وهذا الرقم مفزع جذا في بلد الربيع العربي. من يصدق أن تونس تغرق في وحل الجهل والأمية. وما هذا إلا نزر قليل فنسبة الأمية وصلت الى أغرب مما نتصور حيث أن عديد المعتمديات داخل البلاد تناصفت فيها الأمية والمعرفة السطحية وأصبح مواطن على إثنين ينعم بالجهل. وإذا ما أضفنا هذه الأرقام الخطيرة إلى نسبة البطالة التي تناهز 15 في المائة من اليد العاملة النشيطة و30 في المائة من مجموع الشباب المتعلم فإن مستقبل بلادنا قد داهمه الخطر فعلا. والسبيل الى النجاة لا يكون إلا بمحاربة هذا الخطر ومحاربة البطالة في شريحة الشباب.
تتحقق محاربة البطالة بأنواع مختلفة من الإجراءات وأولها ما تقوم به الدولة من سياسة تشغيل تخلق الثروة وتمنح فرص التشغيل للعاملين في شتى ميادين الانتاج. كما تسعى الى تحفيز القطاع الخاص للمشاركة النشيطة في عملية التشغيل وذلك بإدماج العدد اللازم من الشباب في دورة الانتاج الاقتصادي. وفي جانب آخر من الاجراءات ما يتعين على القطاعين العام والخاص تأمينها نذكر التكوين والرسكلة لتأهيل طالبي العمل. ويبقى الجانب الأهم وهوالمبادرة الفردية للشباب في ابتكار أنواع جديدة من الأعمال والخدمات التي يتطلبها سوق الشغل. ولهذه المبادرات أن تتوجه نحو متطلبات سوق العمل في القرن الواحد والعشرين.
أيها الشاب التونسي كن عمادا ولا تبقى عميدا
والعميد هو العليل الذي يلازم الفراش ولا يمكن له الجلوس إلا عندما تحاط به الوسائد من الجوانب الثلاثة فتكون بمثابة الأعمدة التي يتكئ عليها. وهذا ما أصبح عليه حال الشاب التونسي الذي يترقب أعمدة الدولة الطاعمة والكاسية والمؤمنة للشغل غير الهش والمرتب الخالد والعالي والعمل الذي لا يتطلب الجهد والتفكير. أيها الشاب التونسي بإمكانك أن تكون عمادا لأسرتك وعشيرتك وبلادك إن بادرت وغامرت وهذا ليس بالغريب عنك. أيها الشاب التونسي لا تنسى أنك غيرت ما بنفسك في جانفي 2011 وأطحت بأقوى حكم ظالم في أسرع وقت ممكن وبدن عمد الآخرين. نجحت بدون أن تعتمد على أعمدة الدولة ولا على ضجيج الأحزاب وطحين المنظمات. نجحت بامتياز لأنك آمنت بفكرك وساعدك وحماستك. ولو توسلت للأحزاب وللمؤسسات وللدولة مرارا لما زادهم توسلك إلا فرارا.
لذلك فإن الشباب مطالب بتغيير نظرته حول التشغيل وحول الوظائف والتكيف على ما تمليه حاجات سوق التشغيل الجديدة وعلى متطلبات المجتمع الحديث من خدمات أكيدة مرتبطة بضروريات العمل و حياة الأسرة وفضاءات الترفيه. وهذه الحاجات الجديدة فرضها نسق العمل من جهة ومستوى العيش من جهة أخرى. وعلى سبيل المثال فإن العائلات التونسية تحتاج الى من يراقب صغارها ومن يؤمن تردد الأطفال على المدارس وتحتاج الى فضاءات للترفيه والرياضة في أوقات الراحة. ومثل هذه الأعمال لا يمكن أن تقوم بها أجهزة الدولة وإنما توكل الى المبادرات الفردية وللشباب بصفة خاصة. وإن ذكرت هذه الأمثلة البسيطة فالمراد منها أن بعض الخدمات لا تتطلب مستوى علميا متقدما.
وأما القطاعات التي تزخر بفرص التشغيل والربح فهي مجالات التطبيقات الاعلامية. و لا ننسى أننا في القرن الواحد والعشرين قرن الاعلامية والتطبيقات الإعلامية. والفجوة العلمية والاعلامية أصبحت تتسع بين بلادنا والبلدان الأوروبية والآسوية بصفة خطيرة. وإن لم نلتحق بذيل هذه الثورة الإعلامية على الأقل في غضون العشر السنين المقبلة فإننا سننحدر الى أسفل السافلين. وهذا مجال يمكن للشاب التونسي المتعلم أن يتعلق به ويجتهد في عمله ليمتلك هذا العلم الحديث ويستغل أدوات العصر الحديث للبقاء في عالم الأحياء.
…أن الأمصار إذا قاربت الخراب انتقصت منها الصنائع
وإن كان يطلب من الشباب أن يبادر في البحث عن التشغيل فإن عمل الدولة كبير وذلك لخطورة الأوضاع في السنوا ت المقبلة لأن الشباب هو مستقبل هذا البلد. وإذ نتفهم ضغوطات الوقت الحالي في ميدان التشغيل فإن ذلك لا يمنعها من القيام بإجراءات هامة لا تكلفها نقدا. ونذكر إجراءات تتمحور حول التكوين والتأهيل. وكلنا نعرف منزلة الصنائع في الحضارة وفي تطور البلدان. فإذا انقرضت الصنائع أو انتقص طالبوها هوت البلاد وزالت. وبإمكان تونس أن تكتسح كل الأسواق الخارجية بقوة “صنعة” شبابها.
بالإمكان الاعتماد على العميد المداوي (الطبيب)
بعد تأمين التأهيل وحذق الصنائع يمكن غزو سوق التشغيل في القطاع الخاص وبصفة خاصة مجال مكافحة الفساد وتجميع الجباية أو الأداآت. ويمكن لهيئة مكافحة الفساد أن تلعب دورا هاما في التشغيل. وهذا المجال يمكن أن يدر آلاف مواطن الشغل إن لم نقل مئات آلاف. وللتحقق من هذه الفكرة علينا أن نحصي عدد المؤسسات الخاصة والتي فاق عددها 601.416 سنة 2011 وفق المعهد الوطني للإحصاء. وإذا ما سلمنا أن قرابة النّصف قد أفلس أو غادر وإذا ما طرحنا ثلثي ما تبقى (200.000) من المؤسسات الضعيفة تبقى حوالي 100.000 مؤسسة تنتج بصفة جيدة ولكن أغلبها لا يصرح بالدخل والباقي يغش في التصريح بالدخل. وإذا ما أضفنا عدد الأشخاص الذين يمتهنون العمل الحر فهذا عدد كبير من المؤسسات التي يتعين مراقبتها في هذا المجال الجبائي وهو ما يتطلب فردا على الأقل لكل مؤسسة يتم توظيفه على حساب المؤسسات الحرة ولا على حساب الدولة. فهذه الأخيرة ستجني ما تحتاج إليه من موارد تكفي لخلاص الشباب الذين تم توظيفهم بصفة وقتية لهذا الغرض ولتنفيذ برامج أخرى مستقبلية لفائدتهم.
يوسف أيها الشاهد
لا تفتنا في سبع بقرات سمان تأكلهن سبع عجاف ولكن نستشهدك على البقرة الحلوب التي تأكلها بقرات الفساد والتهرب الضريبي. سيادة رئيس الحكومة أيها الشاهد (العالم) بخطورة هذا الوضع على مستقبل هذا الوطن والذي لا يمكنه أن ينمو ما دامت البطالة تنخر أوصاله ، شهدت عند تسلمك مهامك بأن لا تطفئ نور أحلام هذا الشباب العاطل فبشرهم في بداية السنة السابعة بعد الثورة بإجرآ ت تبعث فيهم أمل البقاء في الحياة.
iThere are no comments
Add yours