أفاد وزير التجهيز والإسكان والتهيئة الترابية محمد صالح العرفاوي صباح أمس الاثنين أن تراكم الثلوج حال دون عبوره إلى ولاية جندوبة. هذا التصريح الرسمي –رغم ارتكازه على الحجة المناخية- فإنه يكشف في جانب منه عن صعوبة الأوضاع في مناطق الثلوج، التي تحول دون مرور الوفود الحكومية عبر الطرق الرسمية، فما بالك بالقرى والأرياف الجبلية التي تربطها بمراكز المدن مسالك وطرق فلاحية بدائية.
بعيدا عن قضية انسداد الطريق الرئيسية في مدينة عين دراهم -التي شكّلت قلب الاهتمام الرسمي والإعلامي- تعيش مدن وقرى في شمال البلاد ووسطها الغربيّين حالة من الانقباض، يعجز خلالها السكان عن التواصل مع العالم الخارجي وتخذلهم الإمكانيات للتزود بالحاجيات الأساسية من طعام وأغطية ووسائل تدفئة. من قرية فج الريح بعين دراهم وصولا إلى ريف السّلّوم بالقصرين يعجز الآلاف من التونسيين عن النفاذ إلى الغذاء والمياه والأدوية والغاز الطبيعي والبترول الأزرق، وتنتشر هنا وهناك مئات الأكواخ التي يكسو الثلج أسقفها القصديرية.
العزلة المزمنة للقرى والأرياف
على ضفاف الطريق الرئيسية الرابطة بين مدينتي عين دراهم وطبرقة –وخلفها- تنتشر عشرات القرى والأرياف المكسوّة بالبياض، مساكن وتجمّعات صغيرة مُعلّقة على الجبال وفي السفوح لا تربط بينها سوى مسالك غابية وعرة وأخرى بدائية تُغلق بمجرد تهاطل الأمطار. في حالات الاستقرار المناخي تعاني هذه القرى من العطش ومن انعدام المرافق الصحية والإدارية، ويعيش أغلب سكانها على الرعي في الغابات أو يزاولون مهن فلاحية صغيرة. وعند تهاطل الثلوج تدخل هذه القرى في موسم العزلة الشتوية وتزداد أوضاع سكانها صعوبة وتدهورا.
مروان الزغدودي، شاب أصيل مدينة عين دراهم، اضطره العمل بشركة مقاولات إلى المشاركة يوم أمس في فتح الطريق للسيارات العالقة على مشارف المدينة. وقد أكد لموقع نواة صعوبة الوصول للقرى الجبلية بعين دراهم مثل أولاد ضيف الله، عْديسة، السْرَى، فج الريح، أولاد هلال وغيرها…وهي قرى تفصلها عن مركز المدينة مسافات تتراوح بين 10 و15 كلم. وبيَّن محدثنا أن “هذه المناطق أصبحت معزولة ولايمكن تزويد سكانها بالإعانات نظرا لانسداد المسالك الفلاحية المؤدية إليها، وعدد كبير منهم يقطنون في أكواخ قصديرية”.
أرياف طبرقة، الزويتينة، الخناقة، والعطاطفة وغيرها، تعيش هي الأخرى واقعا مُماثلا نظرا لرداءة المسالك الفلاحية في هذه المناطق التي يعيش معظم سكانها على الرعي، وهو ما يُفاقم معاناتهم أثناء تساقط الثلوج وتهاطل الأمطار.
الثلج والتهميش حليفين
على تخوم ولاية القصرين يستمر تهاطل الثلوج في تالة والعيون وحَاسي الفريد، وفي بعض هذه المناطق لم تصل الآلات الماسحة لفتح الطرق والمسالك الفلاحية. يرتبط الوضع المناخي هناك أيضا بمشاكل اجتماعية هيكلية مثل هشاشة البنية التحتية وارتفاع معدلات الفقر والبطالة وانتشار ظاهرة الأكواخ. في هذا السياق أكد منجي القاسمي، عضو الاتحاد المحلي للشغل بالعيون، لموقع نواة “تصنّف معتمدية العيون التي تضم 20 ألف ساكن ثاني أفقر معتمدية في تونس بعد معتمدية ماجل بلعباس، وتنعدم فيها كل المرافق الإدارية مثل فروع التجهيز والكنام و”الصوناد” وفرع للشركة التونسية للكهرباء والغاز ومستشفى محلي، وتزداد أوضاع السكان صعوبة في التنقل خارج المدينة أثناء تهاطل الثلوج نظرا لهشاشة البنية التحتية وانسداد المسالك الفلاحية”.
معتمدية حَاسي الفْريد، التي تبتعد حوالي 44 كلم عن مركز ولاية القصرين، دائما ما يكون الشتاء فيها مُثلجا وقاسيا. تحيط بحاسي الفريد مناطق قروية مشابهة، هي السلّوم وخنقة الجازية والحْشين والكَامور. ويعاني سكان هذه المناطق من صعوبة التزود بالحاجيات الأساسية أثناء فصل الشتاء خصوصا الأغطية والمواد الأساسية للتدفئة (عبوات الغاز والبترول الأزرق) وانقطاع المياه، علاوة على انتشار ظاهرة الأكواخ. في هذا السياق أشار ونيّس حاجي، أصيل منطقة حَاسي الفْريد وناشط باتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل لموقع نواة، إلى أن “هناك 487 ساكنا بمنطقة حاسي الفريد والأرياف المحيطة بها تقدموا لوزارة التجهيز والإسكان بمطالب إزالة أخواخ وتحسين مساكن، وهناك 77 آخرين وعدتهم السلطات بتحسين مساكنهم منذ السنة الفارطة ولم تشرع في ذلك إلى حد الآن”.
ويُذكر أن عمادة السلوم بمنطقة حاسي الفريد شهدت منتصف شهر ديسمبر من السنة الفارطة سقوط كوخ على رؤوس أفراد عائلة، مما أدى إلى وفاة امرأة وطفليها. وتعكس هذه الحادثة هشاشة الأوضاع الاجتماعية التي تعانيها مئات العائلات القاطنة في تلك المناطق.
الدولة بعيدة عن الهوامش
دأبت الحكومات على تصنيف مناطق الشمال والوسط الغربيين، التي تتساقط فيها الثلوج من سنة إلى أخرى بكميات متفاوتة، ضمن “حالات الكوارث”. ومن هذا المنطق نشأت ما تسمى بـ”لجنة مجابهة الكوارث”، وهي لجنة يغلب على تدخلاتها الطابع الأمني المتمثل في الإرشاد المروري لمستعملي الطرقات ومساعدة السيارات العالقة بالطرق الرئيسية، والتدخل الحمائي المدني الذي تضطره الحالات الطبية المستعجلة. ولايمكن لعمل اللجنة أن يمتد للقرى والأرياف المعزولة نظرا لعدم وجود طرق مُعبّدة تؤدي إليها.
عادة ما يترافق هذا التدخل “الإنقاذي” المحدود جغرافيا بدعاية رسمية، تُظهر صورا لأعوان الحماية والأمن يساعدون بعض الأشخاص العالقين في الثلج. وفي هذا السياق انتشرت يوم أمس في مواقع التواصل الاجتماعي صورة لعون حرس وطني يحمل امرأة مسنة عالقة في الثلج على ظهره. ولئن كانت هذه الحركة تعكس نُبل صاحبها فإنه وقع استخدامها من قبل .الحكومة والأجهزة الأمنية للتأثير في مضمون التفاعل العام مع الأوضاع السائدة في مناطق الثلج المُهمشة
وقد بلغ الأمر بالناطق الرسمي باسم وزير الداخلية ،ياسر مصباح، حد التأكيد أن “وزارة الداخلية تلقت إشعار “notification ” من إدارة الفايسبوك، تؤكد من خلالها أن صورة رئيس مركز الحرس الوطني بساقية سيدي يوسف من ولاية الكاف حققت مبتغاها إيجابيا بنسبة 90 بالمائة مقارنة بما ينشر على الصفحة”.وقد تناقلت العديد من المواقع الإلكترونية هذا التأكيد دون التثبت في حقيقة الإشعار الذي يتلقاه كل مديري الصفحات الفيسبوك بطريقة آلية.
وإن سارع موقع قناة التاسعة إلى حجب “الخبر” سويعات بعد نشره ، فأن العديد من المواقع واصلت تناقله.
صورة “الكوارث الفصلية” التي صنعها الخطاب الرسمي وأمًّن لها مسالك الانتشار، جعلت الكثير من قطاعات الرأي العام تتفاعل مع سكان هذه المناطق من مواقع تَغلب عليها النزعة “الصّدقية” (الصدقة). ولئن كان التضامن الاجتماعي قيمة إنسانية نبيلة، فإنه يُعاد توظيفه رسميا من أجل محو آثار غياب الدولة عن تلك المناطق. علاوة على هذا فإن التضامن العرضي باللباس والأكل والأغطية لا يمكن أن يحل مشاكل بنيوية ملازمة للتركيبة الاقتصادية والاجتماعية والمناخية لتلك المناطق من بينها هشاشة البنية التحتية وغياب أبسط المرافق الاجتماعية والصحية وانتشار ظاهرة الأكواخ، هذا إلى جانب ارتفاع معدلات الفقر والبطالة بسبب ضحالة موارد الرزق. هذه المشاكل لا يمكن مقاومتها بسياسة “الحماية من الكوارث” أو بالتضامن العرضي مع عدد محدود من السكان، وإنما تستوجب سياسات تنموية عادلة تقطع مع التهميش الاجتماعي وتفك العزلة الجغرافية عن تلك المناطق.
يمكننا استبدال خسائر الممتلكات المادية، ولكننا لا نستطيع تعويض عذابات المواطنين، وهالنا ما شاهدناه مرارا وتكرارا في تعرض كثير من الناس للعذاب بسبب قساوة الطبيعة، حيث أن غالبية الضحايا يكونوا دائما من الفقراء والضعفاء .لن نمنع الثلج من النزول ولا الفياضنات من الحدوث ولا الكوارث من ان تحدث ولكننا نستطيع لو شئنا ان نتوقى شرورها وان نحد من آثارها يكفي ان نخطط لمد الجسور والطرقات وان نبني المستشفيات وان نوصل الغاز لكل البيوت وان نسرح المجاري قبل تهاطل المطر وان نمد البلديات والولايات بالوسائل الكافية وان نزيد من أعداد وامكانيات الحماية المدنية وان …وان وأن نخطط لكل شيئ في هذا الوطن وان ننجز قبل واثناء وبعد وان نتعض من امسنا ويومنا من اجل الغد . اما البكاء فما سمعنا يوما أنه أرجع يوما ميتا للحياة وأما التعاطف فما سمعنا انه شفى من مرض او اطعم من جوع ..