تزامنا مع العودة المرتقبة لنقاش قانون المصالحة الاقتصادية والمالية داخل لجنة التشريع العام يوم الأربعاء القادم –حسب ما أكدته مقررة اللجنة سناء المرسني- تلقى موقع نواة وثيقة مُسربة، وردت تحت عنوان “مذكرة حول خطة عمل أعضاء الديوان الرئاسي المكلفين بمتابعة قانون المصالحة”.

تشير الوثيقة المُسربة إلى أنه تم الاتفاق خلال اجتماع سابق للديوان الرئاسي بتاريخ 29 مارس 2017 على وضع خطة متكاملة للدفع مجددا بقانون المصالحة، وقد تكفل بهذا البرنامج عشرة من أعضاء الديوان الرئاسي، تتوزع مهامهم بين عقد لقاءات مع شخصيات حزبية وأخرى ناشطة في المجتمع المدني، إضافة إلى الاتصال بعدد من خبراء القانون والاقتصاد. هذا وتشير الوثيقة إلى وجود خطة إعلامية للدعاية لقانون المصالحة في صيغته الجديدة، يجري خلالها عقد لقاءات مع عدد من مالكي وسائل الاعلام وبعض “الشخصيات الإعلامية المؤثرة في الرأي العام”.

نسخة جديدة لمشروع قانون المصالحة

لابد من التنويه أول الأمر إلى أن موقع نواة ارتأى وضع هذه المذكرة على ذمة القراء بعد التثبت من معظم المعطيات الواردة فيها من خلال الاتصال ببعض الشخصيات التي تم ذكرها في الوثيقة في إطار اللقاءات المُبرمجة. تشير المعطيات الأولية التي تحصلنا عليها إلى أن رئاسة الجمهورية شرعت منذ أول أفريل في الاتصال ببعض أساتذة القانون لإطلاعهم على وجود نسخة جديدة منقحة لمشروع قانون المصالحة وحثتهم على مناقشتها ولما لا مُناصرتها، بعضهم أبدى رفضا واحترازا مطلقا في حين قبل البعض الآخر بمناقشتها. من جهة أخرى أفادت مصادر برلمانية وجود نقاشات غير رسمية بين ممثلين عن رئاسة الجمهورية والكتلة البرلمانية لنداء تونس وبين ممثلين عن بعض الكتل الأخرى، ولم تفض هذه النقاشات إلى اتفاقات جديدة بخصوص مشروع القانون.

⬇︎ PDF

قمنا بإخفاء بعض الأسماء الواردة في الوثيقة بسبب معارضتها المُعلنة لمشروع قانون المصالحة و رفض بعضها إجراء أي لقاء مع أعضاء الديوان السياسي المعنيون بمتابعة الحوار أو مع رئيس الجمهورية. كما تم اخفاء بعض الاسماء نزولا عند رغبة بعض الشخصيات التي أكدت صحة الوثيقة ورغبت في عدم ظهور أسمائها. هذا و تجدر الإشارة أن بعض الأسماء التي تم إخفاؤها أكدت أنه لم يتم الاتصال بها بعد من قبل أعضاء الديوان السياسي.

تنسجم المعطيات التي تحصلنا عليها مع تصريحات سابقة لرئيس الكتلة البرلمانية لنداء تونس سفيان طوبال، سبق وأن أدلى بها لوكالة تونس أفريقيا للأنباء في 8 مارس 2017 وأشار فيها إلى أن “لديه معلومات تفيد بأن رئاسة الجمهورية بصدد التفاعل مع ملاحظات مختلف الأطراف، وبأنها ستُترجم هذا التفاعل في القريب العاجل”. وأضاف طوبال في ذات التصريح “نحن نطالب بتفعيل هذا القانون والنظر فيه في أقرب وقت ممكن ونعمل على الاتصال بمختلف الكتل البرلمانية للتسريع في ايجاد حلول وتوافقات بشأنه”.

يلوح أن الرئاسة تفاعلت عبر إدخال تعديلات سبق وأن لمّح إليها مستشار رئاسة الجمهورية نور الدين بن نتيشة  في شهر فيفري الفارط ولكن لم يتم الكشف عنها رسميا ولم تُعرض على لجنة التشريع العام بمجلس نواب الشعب، ومن المرجح أن يتم تداولها في اللجنة المذكورة أثناء جلستها المُبرمجة ليوم الأربعاء 26 أفريل 2017. وبالتوازي مع هذا تكشف الوثيقة المُسربة عن خطة إعداد لحملة مناصرة للمشروع الجديد من خلال برمجة لقاءات مع ممثلي أحزاب سياسية ونواب شعب وشخصيات مختصة في القانون والاقتصاد ومالكي وسائل إعلام وإعلاميين. وتنهض هذه الحملة على هدفين رئيسيين: يتمثل الأول في إبراز مزايا المصالحة الاقتصادية عبر تقديم “الإحصائيات والتقديرات المنتظرة من إجراءات المصالحة”. أما الهدف الثاني فيتمثل في استمالة عدد جديد من أساتذة القانون والاقتصاد وبعض الشخصيات السياسية والحزبية لمناصرة النسخة الجديدة من القانون.

الأهداف المرسومة تعكس المأزق الذي آلت إليه المبادرة الرئاسية لقانون المصالحة، خصوصا في ظل تمسك الحملات الشبابية ومنظمات المجتمع المدني والمعارضة البرلمانية (الجبهة الشعبية والتيار الديمقراطي) بإسقاطه وسحبه من لجنة التشريع العام، علاوة على انقسام الكتلة البرلمانية لحركة النهضة إزاء هذا المشروع.

خطّة الحملة الإعلاميّة “المضادة”

النسخة الجديدة من مشروع قانون المصالحة الوطنية سيقترن هذه المرّة وفق الوثيقة التي تحصّلت عليها نواة بخطّة متكاملة للتحرّك على عدّة محاور. علاوة على تدعيم الركائز القانونيّة، وحشد الاصطفاف السياسيّ، يمثّل المحور الإعلاميّ والإتصالي أحد أهمّ دعائم خطّة تمرير الصيغة الجديدة من مشروع القانون المذكور.

الوثيقة المرفقة تشرح بشكل تفصيليّ ما تسمّيه “الخطّة الإعلاميّة المتكاملة” لتوضيح مضمون مشروع القانون في صيغته الجديدة وتثمين أهدافه ونتائج تمريره على المستوى الاقتصاديّ والماليّ والتصرّف الإداري. أمّا إدارة الحملة المضادة ستكون بإشراف المستشار الأوّل لدى رئيس الجمهوريّة المكلّف بالعلاقة مع مجلس نوّاب الشعب والأحزاب السياسيّة نور الدين بن نتيشه. هذا الأخير سيعمل بداية وفق الوثيقة المسرّبة على الاتصّال بأبرز الشخصيات الإعلاميّة “المؤثّرة في الرأي العام” من منشّطين تلفزيّين وإذاعيّين ومؤثّثي حصص حواريّة وصحفيّين في وسائل الإعلام المكتوبة، إضافة إلى ترتيب لقاءات مع أصحاب المؤسّسات الإعلاميّة.

محاور العمل من أجل تحييد او استمالة الرأي العام ضمن خطّة تمرير الصيغة الجديدة من مشروع قانون المصالحة ستعتمد على التأثير في المتلقّين عبر حملات إقناع وترويج مكثّفة في مختلف المحطّات الإذاعيّة والتلفزيّة يتكفّل بها عدد من الشخصيّات المناصرة للمشروع من سياسيّين وخبراء إقتصاد وخبراء قانونيّين، إضافة إلى التركيز على استدرار تعاطف الرأي العام عبر استعراض الأوضاع الإنسانية وشهادات عدد من “المتضرّرين” المنتقين بعناية. الإعلاميّون بدورهم سيكون لهم دور في الحملة يتعدّى استضافة الشخصيّات والأسماء المصطفّة إلى جانب مشروع قانون المصالحة، ليشمل الانخراط التام في الحملة الإعلاميّة وتنفيذ التعليمات التّي سيتمّ مدّهم بها في شكل جذاذات ورؤوس أقلام معدّة مسبقا من القصر الرئاسيّ.

الخطّة الإعلاميّة هذه المرّة، لن تقتصر على وسائل الإعلام الكلاسيكيّة، بل ستعمل على استخدام مواقع التواصل الإجتماعيّ التي أثبتت نجاعتها في حشد التأييد لحملة مانيش مسامح. من هنا يبدو التمشّي واضحا نحو تجديد أساليب الدعاية ومجالات الحركة ومحاولة امتلاك أدوات الخصوم وتسخيرها لدعم جهود تمرير مشروع قانون المصالحة والوصول إلى أكبر عدد ممكن من المواطنين والتأثير على شريحة مهمّة من الرأي العام التي تستقي معلوماتها وتحدّد مواقفها وفقا للمواد المعروضة في منصّات التواصل الإجتماعيّ.

الخطوة الأخيرة، تأتي تزامنا مع المعركة البرلمانية المنتظرة صلب مجلس نوّاب الشعب عند عرض مشروع القانون أمام لجنة التشريع العام. إذ تعتمد الخطّة الإعلاميّة الواردة في التسريب المذكور على تنظيم لقاء صحفيّ “معدّ جيّدا” مع شخصيّة رسميّة (على الأرجح رئيس الجمهوريّة) للتأثير أكثر على الرأي العام وتشتيت التركيز على النقاشات التي ستشهدها قبّة باردو بين النوّاب الداعمين لمشروع القانون والمعارضين له.

النسق التصاعدي للضغط من أجل فرض قانون المصالحة لم تعد تقتصر على المربّع السياسيّ والقانونيّ أو استخدام الغطاء الجمعياتيّ، بل ستلجأ إلى خطّة للترويج والإقناع تتخّذ شكل حملة ممنهجة مضادة للمعارضين. وهو ما يعني تبنّي استراتيجيّة أكثر ديناميكيّة تعتمد استمالة الرأي العام وإخراج المعركة إلى مجال أرحب يقضي بزجّ العموم في “المعركة القادمة” وتضيُّق شعبيّا على مناهضي قانون المصالحة.