ألحق القانون الأساسي عدد 7 لسنة 2017 المتعلّق بتنقيح وإتمام قانون الانتخابات جملة من التنقيحات منها الفصل المتعلّق بتصويت الأمنيين وكذلك عدد من التنقيحات الأخرى التي لم يسلّط عليها الضوء لكنّها لم تكن أقلّ إثارة للجدل ولن تكون أقلّ تأثيرا على الانتخابات البلدية والجهوية المقبلة. فتوافق أحزاب الأغلبية تحت قبّة المجلس تترجم بين فصول القانون الانتخابي وهيّأ مسبقا لمعركة الانتخابات البلدية. فلئن يشير نظام التمثيل النسبي مع الأخذ بأكبر البقايا إلى تعزيز حظوظ أكبر عدد من المترشّحين فإنّ استيفاء الشروط كلّها المتعلّقة بالترشّح والتمويل وإعداد القائمات وتوزيعها يبدو تعجيزيا بالنسبة للمستقلّين الراغبين خوض الانتخابات المحليّة، بالإضافة إلى قصور الدور الرقابي وغياب الآليات الناجعة لتفعيل دور الغرف الجهوية لدائرة المحاسبات.
شروط تعجيزية تضيّق دائرة القائمات المترشّحة
ينصّ الفصل 117 خامسا من القانون الانتخابي على أن “يجري التصويت على القائمات في دورة واحدة (…)” ويحدّد شروط الترشّح وإعداد القائمات بما يضمن احترام توزيع عدد المقاعد بالدوائر الانتخابية، أي أن تضمّ القائمة عدد المقاعد بالدائرة البلدية مع قائمة تكميلية تضمّ 3 أسماء على الأقلّ وإسقاط القائمة في صورة عدم استفاء الشرط (الفصل 49 سبعا). ويبدو إعداد قائمات في البلديات الكبرى ذات تضخّم سكّاني وفي مراكز الولايات في صالح الأحزاب الكبرى، فمثلا تضمّ بلدية تونس 637,568 ساكن أي 60 مقعد مع قائمة تكميلية. إلى جانب استفاء بقية الشروط بالقائمة وتشمل: ضمان تمثيلية الشباب، “أن تضم من بين الثلاثة الأوائل فيها مترشحة أو مترشحا لا يزيد سنّه عن خمس وثلاثين سنة” (الفصل 49 عاشرا)، وضمان كلّ من التناصف العمودي واحترام مبدأ التناوب داخل القائمة والتناصف الأفقي بالنسبة للأحزاب التي ستقدّم ترشّحها بأكثر من دائرة انتخابية (الفصل 49 تاسعا) وعدم قبول القائمات التي لا تحترم هذه الشروط. وضمان تمثيلية ذوي الإعاقة “أن تضم من بين العشرة الأوائل فيها مترشحة أو مترشحا ذا إعاقة جسدية وحاملا لبطاقة إعاقة” (الفصل 49 حادي عشر). كما “لا يمكن لأكثر من شخصين تربط بينهما قرابة أصول أو فروع، إخوة أو أخوات أن يترشحوا في نفس القائمة الانتخابية” (الفصل 49 خامسا).
إضافة إلى الضبط الذي قد يبدو للعديد من الملاحظين صارما لشروط الترشّح، أكّدت الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات على ضرورة إلغاء التمويل المسبق لما أثاره من أضرار لعدم استخلاص المصاريف الانتخابية للحملات السابقة. واستنادا إلى تقرير دائرة المحاسبات الخاصّ بالانتخابات التشريعية والرئاسية لسنة 2014، لم تقم 1487 قائمة من مجموع 2065 بإرجاع ما لا يقلّ عن 5 مليون دينار في حين ينصّ القانون على استخلاصها في غضون 10 أيّام. وينصّ القانون الحالي على أن “تصرف لكل مترشح أو قائمة مترشحة، تحصلت على ما لا يقل عن 3 % من الأصوات المصرّح بها بالدائرة الانتخابية، منحة عمومية تقديرية بعنوان استرجاع مصاريف انتخابية وذلك بعد الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات شرط الاستظهار بما يفيد إيداع الحسابات المالية لدى محكمة المحاسبات وبعد التثبت من احترام المترشح أو القائمة المترشحة للواجبات القانونية المتعلقة بالحملة الانتخابية وتمويلها” (الفصل 78 جديد).
هذا ونصّص القانون الانتخابي على التمويل اللاحق لوضع الحدّ الأدنى من التمويل الذاتي كشرط لدخول السباق الانتخابي، كما تضمّن القانون العقوبات المالية التي تشمل كلّ القائمات التي لم تنشر حسابها المالي في ظرف شهرين بخطية مادية تصل 10 مرات المبلغ الأقصى للمساعدة العمومية بالدائرة الانتخابية، وكذلك القائمات التي ترفُضُ دائرة المحاسبات حسابها المالي بخطية بين 5 و7 مرات نفس المبلغ، أو كذلك عقوبات في صورة تجاوز السقف الانتخابي من 20% إلى 75% بخطايا مادية، ويتمّ إلغاء المقاعد في صورة فاق تجاوز السقف الانتخابي 75%. ويُحدّد حجم المساعدات العمومية والسقف الانتخابي بالدوائر الانتخابية بأمر اثر النظر فيه مع كلّ من الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات والمعهد الوطني للإحصاء ودائرة المحاسبات.
ويبدو واضحا أنّ الأحزاب الكبرى أكثر قدرة على التكيّف مع شروط الترشّح، لأهمية الهيكلة الحزبية في إعداد القائمات خاصّة بالبلديات الكبرى. وتشير كلّ المعطيات إلى تباين في خطط الاستعداد للانتخابات. فقد تضمّن بلاغ المكتب التنفيذي لحركة النهضة، الذي نشر في 6 أفريل 2017، متابعة المؤتمرات المحلية المنعقدة في إطار تجديد الهياكل المحلية والجهوية للحركة، مؤكّدا “تثمين جهود كل أبناء الحركة في المحليات والجهات، وجهود أعضاء اللجنة العليا للتجديد الهيكلي وكلّ القيادات التي تعمل منذ مدة على تنظيم قرابة الثلاثمائة مؤتمر بين محلي وجهوي”. هذا وأعلنت الحركة في بيان سابق لها في 31 مارس 2017 عن انطلاق عملية تجديد المكاتب المحلية، من خلال عقد مؤتمرات جهوية ومحليّة غطّت المجموعة الأولى منها والمنعقدة بين 3 و4 أفريل، 100 مكتب محلّي، على أن تتواصل طيلة شهر أفريل وفق رزنامة وطنية. وأوصى نفس البلاغ اللجنة العليا بتجديد الهياكل “بمزيد العمل من أجل إنجاح هذا العرس الانتخابي الكبير بما يعزز الديمقراطية الداخلية ومسار الإصلاح والتطوير وبما يزيد من أهلية الحركة لخدمة الشأن العام”.
حزب حركة نداء تونس انخرط من جهته في استقطاب أكبر عدد ممكن من “الشخصيات الوطنية” كما يسمّيها، وهي شخصيات امتدّت إلى الإطارات المحليّة التي تشرف على الانتخابات، ففي إعلام صدر يوم 22 أفريل، أعلنت الهيئة السياسية للحزب، عن انضمام السيّد زيد كرشود رئيس بلدية البرادعة (بولاية المهدية) إلى الحركة. لم ينف رئيس الكتلة البرلمانية للحزب، سفيان طوبال، ولاءات بعض التسميات في سلك المعتمدين للحزب، حيث أشار في تصريح سابق لنواة إلى أن “المعتمدين الجدد من أبناء نداء تونس سيسهرون على نظافة البلديات وتسيير شؤون المواطنين، وإذا اُعتبِر هذا الأمر حملة انتخابية فنحن لا نمانع في إطلاق هذه الصفة طالما أن الأمر فيه مصلحة للمواطنين” وأضاف أن حزبه سيجري اجتماعا بـ”أبنائه” الذين شملتهم حركة المعتمدين من أجل توجيههم وإحاطتهم علما بمهامهم.
نظام التمثيل النسبي ولكن…
ينصّ القانون الانتخابي في الفصل 117 خامسا على “توزيع المقاعد في مستوى الدوائر على أساس التمثيل النسبي مع الأخذ بأكبر البقايا”. ويعتبر نظام التمثيل النسبي الأقدر على تمثيل أكبر عدد من المترشّحين، حيث يتحصّل كل حزب سياسي أو ائتلاف حزبي بحصة من مقاعد الدائرة الانتخابية البلدية تتناسب مع حصته من أصوات الناخبين. كما أن اعتماد أكبر البقايا يقوم على توزيع المقاعد في مرحلة أولى على أساس الحاصل الانتخابي، ويكون تحديد هذا الحاصل بقسمة عدد الأصوات على عدد المقاعد المخصصة للدائرة وتسند إلى كل قائمة عدد مقاعد بقدر عدد المرات التي تحصلت فيها على الحاصل الانتخابي، وتسند المقاعد إلى القائمات باعتماد الترتيب الوارد بكل منها عند تقديم الترشحات. وإذا بقيت مقاعد لم توزع على أساس الحاصل الانتخابي فيتم توزيعها في مرحلة ثانية على أساس أكبر البقايا على مستوى الدائرة.
وقد دعم عدد من مكونات المجتمع المدني، نظام الاقتراع على القوائم مع التمثيل النسبي واعتماد أكبر البقايا رغم ملاقاته معارضة من طرف حركة النهضة والعريضة الشعبية عند بداية النقاش حول قانون الانتخابات. هذا ونصّ نظام توزيع المقاعد على عتبة انتخابية 3 %، حيث “لا تدخل في توزيع المقاعد القائمات المترشحة التي تحصلت على أقل من 3 % من الأصوات المصرّح بها على مستوى الدائرة” (الفصل 117 خامسا). وقد أثارت العتبة نقاشا خاصّة مع ربطها بشروط التمويل واسترجاع المنحة العمومية بعنوان المصاريف الانتخابية، حيث طالبت كتلة الجبهة الشعبية بتخفيض العتبة واقترحت 2% حتى لا تكون مجحفة. من جهة أخرى، عبّر مولدي العياري، رئيس جمعية شباب بلا حدود في تصريح لنواة، قائلا: “قدمنا جملة من المقترحات تخصّ القانون الانتخابي منها عتبة انتخابية 3 % وذلك قصد ترشيد الترشّحات وترشيد توزيع المقاعد باعتبار طبيعة النظام النسبي الذي سيفرز تلوّنا على مستوى المجالس المنتخبة”. واعتبر محدّثنا أنّه رغم أخذ مقترحات المجتمع المدني بعين الاعتبار فإنّه لا يخفي تخوّفاته اليوم بعد المصادقة على القانون الانتخابي فيما يخصّ سكوت النصّ القانوني عن تحديد سقف التمويل الخاصّ بكلّ قائمة مما يعتبره “خطيرا” ثمّ فيما يخصّ الحياة السياسية والتي لا تحظى بآليات الرقابة الكافية مظيفا: “لقد اقترحنا إحداث هيكل مختصّ لمراقبة تمويل الأحزاب”.
ولا يستعبد جميع المتابعون للمشهد السياسي تحالف كلّ من حركة النهضة وحركة نداء تونس خلال الانتخابات البلدية باعتبارها الرهان القادم، وخاصّة بالنسبة للنداء الذي رغم عمله على استقطاب القدر الأكبر من الإطارات والشخصيات المحليّة فإنّ تفكّكه من الداخل وعلى مستوى قياداته ومكاتبه يضعه أمام خيار المحاصصة الوحيد مع حليفه الأكبر. هذا ما أكّده البيان الصادر عن المكتب التنفيذي لحركة النهضة الذي اعتبر “خيار الحوار الوطني أولا ثم سياسة التوافق بين الحزبين الأكبرين النهضة والنداء ثانيا” المخرج الوحيد، مشدّدا على “أن بلادنا تحتاج إلى تعزيز التوافق والحوار والتعاون بين الجميع من أجل خدمة أجندة وطنية واحدة تسع الجميع تدور حول رفع التحديات الكبرى ومزيد تثبيت مسار الانتقال الديمقراطي وتتويجه بإجراء الانتخابات المحلية في موعدها”.
الانتخابات البلدية بين التوافق أو الطريق المسدود