تلقّت وزارة الشؤون المحليّة منحة قدرها 1,614 مليون دينار من الوكالة الفرنسية للتنمية في إطار المبادرة التونسية-الفرنسية لدعم الديمقراطية المحليّة. وتموّل الهبة التي وقّع عليها كلّ من وزير الشؤون المحلية رياض المؤخّر والسفير الفرنسي أوليفي بوافر دارفور في لقاء جمع الطرفين يوم 11 ماي المنقضي برنامج دعم اللامركزية والحوكمة المحلية. يندرج هذا البرنامج حسب البلاغ الصادر عن الوكالة ضمن “المجهودات الفرنسية الكبيرة لتسريع مسار اللامركزية في تونس”. وتأتي هذه الهبة ضمن حزمة من التمويلات الأجنبية من عدد من المموّلين، على رأسهم البنك الدولي والاتحاد الأوروبي والوكالة الفرنسية للتنمية وبنك الاستثمار الأوروبي والبنك الإفريقي للتنمية.

التمويلات: جزء كبير منها في شكل قروض

يتأتّى الجزء الأكبر من التمويلات على امتداد السنوات الأخيرة في شكل قروض “للتنمية”. وقد بلغ مجموع القروض 2025 مليون دينار تم صرفها بالكامل، مُوزعة على أقساط: قرض سياسات تنمية من البنك الدولي بمبلغ 1210 مليون دينار في جويلية 2011. ثمّ قرضين آخرين من نفس البنك أحدهما بمبلغ 1210 مليون دينار والآخر بمبلغ 605 مليون دينار بين 2013 و2014. إضافة إلى 1936 مليون دينار سنة 2011 من البنك الإفريقي للتنمية والاتحاد الأوروبي والوكالة الفرنسية للتنمية. إلى جانب قروض التنمية يموّل البنك الدولي عمليّات الاستثمار التي بلغ عددها حسب موقعه الرسمي 22 عملية شملت 10 قروض بحوالي 2,5 مليار دينار تمّ صرف 42 في المائة منها. كما أعطى البنك الدولي 12 منحة بمبلغ قيمته 51 مليون دولار.

يحظى الحكم المحلي بنسبة تفوق 20 في المائة من التمويل الموظّف من البنك الدولي. إذ يتصدّر برنامج التنمية الحضرية والحوكمة المحلية المشاريع التي يتمّ تمويلها من البنك الدولي بحزمة مقدارها 726 مليون دينار، تمّت الموافقة عليها في 24 جويلية 2014. وتُرصد الأموال التي تقترضها الدولة من المانحين الدوليين لتمويل صندوق القروض ومساعدة الجماعات المحليّة التي قدرت موارده لسنة 2017 بـ276،500 مليون دينار. من ضمنها اعتمادات من الميزانية العامّة بـ109 مليون دينار، موزّعة في شكل مساعدات للجماعات المحلية بقيمة 65،5 مليون دينار مساعدات موظّفة لتمويل برنامج التنمية الحضرية والحوكمة المحلية و40 مليون دينار مساعدات غير موظّفة لتمويل المشاريع المدرجة بالمخطّط الاستثماري وفق الشروط التي يضبطها الأمر عدد 3505 لسنة 2014 المتعلّق بضبط شروط إسناد القروض ومنح المساعدات بواسطة الصندوق و4 مليون دينار لبرنامج تطوير قدرات التصرّف للجماعات المحليّة. وحسب الأمر السابق ذكره لا يمكن للبلدية الحصول على المساعدة في صورة عدم تحقيق الشروط الدنيا المستوجبة والتي ينصّ عليها الأمر.

يرتبط تحويل المساعدات السنوية للجماعات المحلية باستيفائها الشروط الدنيا المستوجبة لضمان حسن التصرف واستعمال التمويلات العمومية طبقا للقوانين والتراتيب الجاري بها العمل. (…) ويتولى الصندوق التثبت من مدى استجابة كل جماعة محلية لهذه الشروط قبل المبادرة بتحويل المنح المخصصة. الفصل 10

تجدر الإشارة إلى أنّ برنامج التنمية الحضرية والحوكمة المحليّة الذي بلغ إجمالي تكلفته 1220 مليون دينار لمدّة 5 سنوات يعتمد “نظام جديد لتوزيع المنح”، إلاّ أنّه يثقل كاهل البلديات بشروط الحوكمة وتقييم الأداء في ظلّ ظرفية وعرة تمرّ بها البلديات لاسيما قبل مراجعة الإطار القانوني للعمل البلدي وتواصل العمل بقانون 75 جاري التنفيذ والذي لا يكفل حريّة التدبير والاستقلالية المالية للبلديات. فتجدُ البلديات نفسها مطوّقة بأجندة يصوغُها أوّليا المموّلون الدوليون للبرنامج.

التمويل المشروط

يعتبر برنامج الحكم المحلي عملية رئيسية لمساندة أجندة اللامركزية الناشئة. البنك الدولي

اشترط البنك الدولي المموّل الرئيسي لبرنامج التنمية الحضرية والحوكمة المحلية التقيّد بالأجندة، فحسب جعفر فريعة خبير التنمية الحضرية بالبنك الدولي ورئيس الفريق الذي قام بإعداد البرنامج ويشرف على تنفيذه، “لتنجح اللامركزية يجب تمكين مجالس الحكم المحلي وتدعيم قدراتها وأن تكون خاضعة للمساءلة، وسيكون محور تركيزنا هو بناء القدرات المالية والإدارية للمجالس البلدية، حتى تكون مؤهلة للاضطلاع بالمسؤولية الكاملة عن مواردها”. وعلى ضوء الوضعية المالية للبلديات وعجز موازناتها نتساءل كيف سينجح البرنامج في تحسين موارد البلديات والذي نجح إلى حدّ الآن في فرض المزيد والمزيد من القيود والإجراءات على البلديات في توظيف المساعدات وربطها بتقييم الأداء رغم الظرفية الحالية التي لا تمتّ لبنود المانحين الدوليين بصلة. هذا بالإضافة إلى أنّ الباب السابع من الدستور المتعلّق بالسلطة المحليّة نصّ على جملة من المبادئ التي يجب تفعيلها في مجلّة الجماعات المحليّة، منها تعزيز صلاحيات البلدية ونقل الموارد اللازمة، ممّا يستوجب بالضرورة أن تمثّل الموارد الذاتية نصيبا أوفر ضمن الموازنة البلدية، لخلق هامش أكبر من التصرّف والاستقلالية لدفع الاستثمار البلدي.

ولا تمكّن القوانين الجاري العمل بها من تمويل البلديات بشكل مباشر من المانحين الدوليين، حيث تقتصر حزمة التمويلات على الهياكل التابعة لوزارة الشؤون المحليّة وتخضع لإشرافها باعتبارها تتولّى إعداد ومتابعة تنفيذ السياسة العامّة للحكومة في مجال اللاّمركزية. إلى جانب صندوق القروض والمساعدات تُنفق الأموال الدولية في ما يعرف بـ”دعم القدرات” عبر مركز التكوين ودعم اللامركزية، الذي تموله العديد من الجهات على غرار وكالة الخبرة الفرنسية والوكالة الفرنسية للتنمية، ومؤسسة التعاون الدولي لجمعية البلديات الهولندية ومركز التكوين في الوظيفة العمومية الفرنسي والمؤسسة الألمانية للتعاون الدولي. وقد ظلّ هذا المركز حكرا على العاصمة، حيث لم يتمكّن بعد من إرساء فروع بالجهات رغم الاعتمادات المرصودة إليه.

تأتي التمويلات الأجنبية لمشروع اللامركزية –الممنوحة في شكل قروض بالأساس- في سياق اقتصادي أُثقل فيه كاهل ميزانية الدولة بخدمة الدين الخارجي، وهو ما يشكل إشارة جديدة على إصرار السلطات التونسية وشركائها الدوليين على إخضاع مشاريع الحوكمة المحلية واللامركزية لنفس السياسات المالية القائمة على منطق التداين.