بعد 4 سنوات من الغياب عن الساحة السياسيّة والمنصّات الاحتفاليّة والإعلاميّة، عاد اسم رضوان عيارة ليطفو على السطح مع تعيينه واليا على الكاف عقب التحوير الواسع في سلك الولاة في 25 أوت 2015. عوضا عن القبّعة المزدانة بصورة بن عليّ، اعتمر الوالي الجديد قبّعة الزّي الرسمي للوالي أثناء آداء اليمين في قصر قرطاج. هذا التاريخ فتح الباب على مصراعيه أمام الكاتب العام السابق للجنة التنسيق للتجمع الدستوري والإطار السامي في الصندوق الوطني الاجتماعي والأستاذ المتعاقد في معهد الدراسات العليا التجارية في سوسة ليعود مرّة أخرى إلى مربّعات السلطة حتّى ارتقى في السادس من سبتمبر الجاري وزيرا للنقل، في منصب لم يكن ليصبو إليه صلب هياكل التجمّع الدستوري الديمقراطي على المدى القريب في زحمة التكالب على إظهار الولاء، لتكون الثورة بوابة لاستدعاء ما يمكن تسميته برجالات الصفّ الثاني بعد احتراق العديد من وجوه المقاعد الأولى.
كاتب عام لجنة التنسيق للتجمع باستحقاق
تحت عناوين ديبلوماسية مختلفة، انتقل رئيس مكتب الضمان الاجتماعي في منزل بورقيبة في بنزرت في أوت 2005 إلى مدينة بون الألمانية كملحق اجتماعي بالقنصلية العامة التونسيّة هناك، لينتقل في ظرف أربع سنوات إلى رتبة قنصل تونس في نفس المدينة الألمانية إلى حدود سقوط نظام بن علي في جانفي 2011. هذه العناوين الرسمية المختلفة، كانت غطاءا للمهمّة الحزبية الرئيسيّة لوزير النقل الجديد، ككاتب عام للجنة التنسيق لحزب التجمّع الدستوري الديمقراطي في بون وعين النظام على الجالية التونسيّة في ألمانيا. هناك لم يدّخر رضوان عيارة جهدا لبرهنة ولاءه للنظام السابق. مغالاة في إظهار الولاء تصل حدّ الابتذال، تظهرها صور هذا الأخير واضعا صورة الرئيس الأسبق زين العابدين بن على فوق رأسه حينا أو محتضنا إياها طورا. هذا الأخير مثّل دعامة لشبكة حراسة مربّعات السلطة وترسيخ هيمنتها ورقابتها على التونسيّين في أوروبا وألمانيا التي تضمّ أحد أهم الجاليات التونسية في الخارج. هناك، وجد رضوان عيارة كلّ الدعم من رجل الأعمال المقيم في ألمانيا وعضو اللجنة المركزية للحزب عبد الرؤوف الخمّاسي. شخصيتان لم تدّخرا جهدا في تنظيم الحملات الدعائيّة وحفلات الاحتفاء بذكرى السابع من نوفمبر وتكثيف الرقابة على حركة وأنشطة المعارضة التونسية في ألمانيا.
رضوان عيارة وعبد الرؤوف الخماسي، سيغيبان لوهلة عن المشهد السياسيّ إثر 14 جانفي 2011، لكنّ حالة الجَزر للنشاط السياسي لهذين الرجلين الذّين ظلاّ حارسين أمينين للصندوق الأسود للتجمّع ونظام بن علي في ألمانيا لن تطول.
من رجال بن علي إلى رجال حافظ قائد السبسي
بعد 23 سنة من الحكم، ترك التجمّع الدستوري الديمقراطي إرثا مهمّا من العلاقات وشبكات النفوذ المالي والإعلامي التي التقطها رئيس الجمهورية الحالي الباجي قائد السبسي لبناء هيكله الحزبي الجديد نداء تونس. من هذه البوّابة عاد رجالات بن عليّ ليقدموا خدماتهم كلّ من موقعه لضمان وصول السبسي إلى قصر قرطاج وتأمين ماضيهم من النبش أو المحاسبة. من عضو اللجنة المركزية للتجمع الدستوري انتقل عبد الرؤوف الخمّاسي إلى اللجنة التنفيذية لحزب نداء تونس سنة 2012، جالبا معه دفتر اتصالاته وشبكة علاقاته استعدادا للانقضاض على السلطة من جديد. رجل الأعمال المقيم في ألمانيا منذ نصف قرن تقريا، إستدعى أحد أهمّ رجاله لإعادة ترميم شبكة الحزب القديم-الجديد في الخارج، ليؤسس بداية سنة 2011 جمعية التونسيّين بالخارج ويترأسها. فيما منح منصب النائب لحافظ قائد السبسي، المدير التنفيذي لحزب حركة نداء تونس. العلاقة بالعائلة الحاكمة ترسّخت أكثر فأكثر ليبدأ توزيع المكافآت على رجالات حافظ الجدد، فيعود رضوان عيارة إلى دوائر السلطة واليا على الكاف سنة 2015، بعد ستّة أشهر من فوز حزب الرئيس بالانتخابات التشريعيّة والرئاسيّة سنة 2014. مهمّة لم تطل ليُكافأ بعدها هذا الأخير مع رحيل رئيس الحكومة الحبيب الصيد عن القصبة متقلّدا منصب كاتب دولة لدى وزير الشؤون الخارجية مكلف بالهجرة والتونسيين بالخارج في حكومة يوسف الشاهد في 20 أوت 2016.
بصمة رضوان عيارة الأهمّ في منصبه الجديد، لم تكن أقلّ خطورة من ماضيه أو ملابسات عودته إلى أروقة الحكم. ليتورّط هذا الأخير في أحد أهمّ الملفات الخلافية بين تونس وألمانيا كأحد المسؤولين عن قضيّة المهاجرين التونسيّين السريّين. إذ تكشف نواة في 28 مارس 2017، عن البروتوكول السريّ الذّي أعقب زيارة الشاهد إلى برلين أوائل نفس الشهر. إتفاقيّة تمثّل فصلا آخر من فصول تكريس التدخل الأجنبي وانتقاصا لسيادة البعثة الديبلوماسية التونسية في ألمانيا وتُعرّض الحياة الخاصّة للتونسيين المسجلين هناك إلى الخطر.
لم يتوّقف سلّم الترقيات لرضوان عيارة عند هذا الحدّ، لتنتهي مهامه من كتابة الدولة لدى وزير الشؤون الخارجيّة، نحو توزيره على رأس وزارة النقل في 06 سبتمبر 2017. تحوير لم تغب عنه بصمات حافظ قائد السبسي، الذّي حرّك رضوان عيارة نحو وزارة فشل رجله السابق أنيس غديرة في إدارتها. بين تعدّد حوادث القطارات، والفشل في إدارة وحلّ ازمة الخطوط التونسيّة، بدأ التعتيم ينقشع عن ملفّات الفساد صلب هذه الوزارة، بعد أن تمّ الكشف عن انتدابات وتعيينات لأقرباء نوّاب وقياديين من حزب نداء تونس على غرار سفيان طوبال، أسماء أبو الهناء وهالة عمران في ديوان البحريّة التجاريّة والموانئ (OMMP). قضيّة لم تغلق بعد في ظلّ إنكار وزارة النقل أو تجاهلها للأسئلة. يأتي وزير النقل الجديد، ورجل حافظ قائد السبسي ومن وراءه عبد الرؤوف الخمّاسي ليعوّض أنيس غديرة، ليطرح أكثر من سؤال حول المغزى الحقيقيّ لإدامة ظلّ رجالات حافظ قائد السبسي على هذه الوزارة الغارقة في الأزمات والمثخنة بملفّات الفساد، وعن طبيعة الدور الرئيسي لرضوان عيارة الذّي يتقن حراسة مربّعات رؤسائه وأسرارهم.
iThere are no comments
Add yours