المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة
تاغ ل Street Man – نهج القاهرة، تونس / صورة لمراد بن الشيخ أحمد  

أهم الاستتنتاجات من ميزانية 2018

  • تقزيم دور الثقافة وزيادة عزلتها على كامل تراب الجمهورية
  • العمل على تكريس تخلف المكتبات ومواصلة سلطة الورق على التكنولوجيا الرقمية والحداثة
  • تكريس تغوّل مؤسسات الدولة واحتكارها للإبداع وتهميش متواصل لبقية المبدعين
  • انعدام التوازن بين القيادة والمساندة والتوظيف من جهة وبين الإبداع والعمل الثقافي من جهة أخرى
  • انعدام التوازن بين الجهات والمركز وتجاهل المواطنين بالجهات والاستقالة من المشروع الوطني اللامركزي.
  • إقصاء المجتمع المدني الثقافي ماديا
  • ميزانية تقليدية تنقصها مراجعة هيكلية وغياب للتحديث والتعصير والمواكبة للثورة الرقمية الحقيقية حتى تتلاءم الثقافة الوطنية مع عصرها وتقرّبها من الشباب.
  • مزيد من تهميش المؤسسة الثقافية الأكثر قربا من المواطن بتركها دون مضمون ودون برامج ودون موارد مالية.
  • ضرب المبادرة الخاصة
  • تراجع نفقات التنمية بمليوني دينار

النسبة المئوية المخصصة للشؤون الثقافية بالنسبة لسنة 2018

بالرغم من تطور الميزانية العامة للدولة إلى 4.3 بالمائة بالنسبة لسنة 2018 حيث كان من المنتظر ان تنال الثقافة نفس النسبة إن لم نقل اكثر، نظرا لضعف الموارد المالية التاريخية والهيكلية من جهة وللدور المنوط بالثقافة كما يرد في الخطاب السياسي في مثل هذه الأوضاع الحساسة (تفشي إرهاب في خضم انتقال ديمقراطي). حيث كان من العدل ان تكون ميزانية الثقافة على الأقل 288000 ألف دينار على أقل تقدير.

هذا دون اعتبار التمييز الإيجابي المرجو في اطار إعادة هيكلة القطاع وبالخصوص إعادة توزيع الموارد حتى تفي بمتطلبات المرحلة وتعمل على تمكين كل المواطنين من التمتع ببرامج ثقافية حيث ما كانوا على تراب الجمهورية بصفة عادلة، لمزيد من اللامركزية ومن توازن عادل على مستوى التمتع بالإبداع الوطني المدعوم من الدولة حيث يقبع أكثر من 70 بالمائة من الموظفيين والإطارات والعمال في العاصمة وضواحيها. في حين تبقى دُور الثقافة فارغة، قليلة المعدات والإعتمادات والإطارات والبرامج.

تقلص النسبة بين 2017 و 2018 (الوحدة المعتمدة : ألف دينار)
التصنيف 2017 2018
الميزانية العامة للدولة التونسية 32200000 35951000
ميزانية وزارة الشؤون الثقافية 257650 264505
نسبة نصيب الثقافة 0.80 0.74

تقدر الخسارة الحاصلة لموارد الشؤون الثقافية بـ 23 مليون دينار  باعتبار الزيادة الحاصلة نسبيا في الميزانية العامة للدولة التونسية، هذا إذا سلمنا ببقاء موارد الثقافة على ما كانت عليه في 2017. و هذا دون المطالبة بالتمييز الايجابي المرجو.  لقد كان لهذا الفارق أن يُوفر دفعا كبيرا إذا وظف في تمويل العديد من القطاعات الإنتاجية مثل المسرح والسينما والموسيقى والرقص والفنون التشكيلية والتراث والتنشيط الثقافي وبالخصوص دور الثقافة والمكتبات متعددة الوسائط والمهرجانات الجهوية والمحلية.

التدهور البارز

يبرز للعيان في هذه الميزانية ضرب بعض المؤسسات وتدحرج نفقات منح المؤسسات العمومية غير الخاضعة لمجلة المحاسبة العمومية، حيث رُصدت لهذه المؤسسات 25247 ألف دينار في 2017 ولم تحظ في مشروع ميزانية 2018 إلا بـ24835 ألف دينار.

وقد كان المركز الثقافي الدولي بالحمامات ومهرجانه أبرز المتضررين، حيث تم تقليص 1245 ألف دينار منهم 1222 ألف دينار بعنوان التدخل، ما قدره 63 بالمائة بالنسبة لسنة 2018. وذلك يعني تعطيل نشاطه فعليا مع دفع أجور كل العاملين مع نفقات التصرف وهذا يعني “سكّر الحانوت” بأموال الدولة. وكأنه عقاب لهذه المؤسسة التي ما فتئت تتطور وتقترح برامج متطورة وتجلب انتباه الشباب وتندمج في ولاية نابل وتشع دوليا وتشرف تونس والتي كان من الأجدى مساندتها.

حرمان هواة المسرح التونسي من 350 ألف دينار من مجموع 800 ألف دينار  رُصدت لهم  في 2017  وكأن هذا النشاط المسرحي غير مرغوب فيه ولا أهمية لمساهمة الشباب في الابداع لدى وزارة الشؤون الثقافية. حرمان العاملين من التكوين المستمر  والرسكلة بتقليص الميزانية الهزيلة المرصودة للتربص والتكوين في 2017 ب15 بالمائة من مجموع 110 آلاف دينار  لـ8548 إطار وموظف وعامل بجميع أصنافهم، أي ما يعادل 11 دينار لكل عون في السنة لرسكلته وتكوينه المستمر للنهوض بمهاراته. وهذا يكرس الإقصاء المعتاد لبقية الناشطين والمبدعين، فلا تكوين ولاتربصات لأنهم تونسيون من درجة ثانية ولا ينتمون للوظيفة العمومية.

تقليص مليون دينار من ميزانية التدخل العمومي في ميادين الفنون

يمكن للقطاعات الثقافية عبر آليات التدخل العمومي والدعم على الإنتاج والتوزيع أن تشغل بصفة مستقرة 40000 محترف فنون، وبما أن الدولة ترى من الصالح أن تخصص  190000 ألف دينار لثمانية آلاف وخمسمائة إطار  وموظف وعامل مقابل 10 مليون دينار لـ40000 محترف حتى يعيشوا الخصاصة والبطالة والفقر  والإحباط.

السينما

بقدر ما تتألق السينما التونسية في المحافل الوطنية وبالخصوص الدولية ( حصد جوائز متتالية في الأربع سنوات الأخيرة من برلين والبندقية وكَان وغيرها من كبرى المهرجانات الدولية) فهي لم تقنع السلطة الثقافية حتى  تحظى بتكلفة “فيلم لشاب فرنسي”، وبالرغم من تصاعد نسق الإنتاج وتراكم النوعية بقيت الإعتمادات ضعيفة. فالزيادة بمليوني دينار لا تغطي بقية مستحقات الأفلام المصورة في 2017.

حيث لم يتمكن المركز الوطني للسينما والصورة من الإلتزام بتعهداته في تمويل الأفلام المصورة في 2017 وسيتفاقم هذا المشكل ما لم يقع الترفيع في ميزانيات الإنتاج السينمائي للسنوات المقبلة بصفة مدروسة حسب أهداف واضحة ودراسات علمية، مما سيلحق ضررا بالإزدهار الذي تعيشه السينما التونسية.

هذا دون اعتبار قلة الإمكانيات للتوزيع السينمائي وللمحافظة على القاعات السينمائية وعلى الدور الفعال للمجتمع المدني السينمائي الذي يحظى بمساندة مالية ضئيلة جدا، تكبله من القيام بواجباته التي لا يمكن للمؤسسة العمومية القيام بها.

المسرح

مؤسسة وحيدة تعمل في ظروف معقولة وهذا نقدره و كان من الأجدر  تنظير كل المؤسسات المسرحية العامة والخاصة على مقاساتها، حيث يرصد لها نصيب الأسد. ويخصص لها ضعف ما يخصص لكل المراكز الفنون الدرامية والركحية الستة بكامل تراب الجمهورية والتي تنشط خلسة، حيث لا تتمتع هذه المراكز  بالوجود القانوني منذ أن كانت فرق جهوية، أي من خمسين سنة. وقد حارت الدولة وكل الحكومات المتعاقبة قبل وبعد الثورة من إيجاد حل لتقنينها.

كما تنشط أكثر من 250 مؤسسة خاصة في الإنتاج والتوزيع وأكثر من 300 جمعية قضت اكثر من ستة أشهر في 2017 بدون نشاط يذكر، نظرا لنفاذ الإعتمادات المالية منذ شهر ماي 2017 بعلم كل اطارات الوزارة. وللضرورة تم التزام بنشاط طفيف بما قدره 400 ألف دينار على ميزانية التوزيع لسنة 2018 .

هذا بالرغم من العديد من المراسلات والاجتماعات مع الوزير  والمسؤولين على قطاع المسرح والمالية في الوزارة والاقتراحات التي تخص الميزانية التكميلية لسنة 2017 لقطاع المسرح مع مشروع ميزانية لتمويل الإنتاج حسب حاجيات الدولة ونظام تشغيل يحترم الفنانين ويضمن لهم كرامتهم وحقوقهم. وهو حد أدنى لمائة عمل سنوي ممول بنسبة 70 بالمائة من الدولة أي ما يعادل 50 ألف دينار كمعدل للإنتاج الواحد بحيث تصبح الإعتمادات المطلوبة والمعقولة لدعم الإنتاج المسرحي خمسة ملايين دينار ويمكن لها أن تشغل ألف فنان وفنانة وتقني من محترفيي الفنون الدرامية.

وفي إطار توزيع هذه الأعمال وتنشيط شبكة دور الثقافة والمهرجانات المسرحية بداخل الجمهورية وبناءا على آلية انتقاء العروض المسرحية وحاجة دور الثقافة لبرمجة سنوية لا تقل على 10 عروض مسرحية كان لابد من توزيع 4000 عرض مسرحي بمعدل 2000 دينار للعرض الواحد أي ثمانية ملايين من الدنانير.

مع الترفيع في ميزانية دعم الهواة الذين تكبدوا تقلص في الميزانية بما يقارب 50 بالمائة من الموارد الممنوحة في 2017 . ولا زيادة تذكر لهذا القطاع الذي يحتاج إلى التمويل العمومي ويقدم خدمة للمجتمع وللوطن بل بالعكس لاحظنا فارقا 668000 دينار يحذف من نفقات التدخل العمومي في ميدان المسرح.

الموسيقى

حُرمت الإنتاجات الموسيقية الجديدة من 90 ألف دينار من مجموع 400 الف دينار وهو مبلغ هزيل لا يفي بحاجة جيل جديد من المبدعين من خريجي المعاهد العليا ومن مشارب أخرى برهنوا على روح إبداعية نالت الاعجاب في أيام قرطاج الموسيقية، وتميزت في التظاهرات الدولية والمهرجانات التونسية. ويبدو غريبا أن يتواصل دعم التوزيع بنفس المبلغ مع العلم أنه لا يفي بحاجة الطلبات الجهوية والتظاهرات والمهرجانات الوطنية. و لابد من إعادة النظر في المساعدة على الإنتاج والتوزيع حسب طموحات المبدعين وانتظارات المواطنين في كل الجهات. هذا بالإضافة الى ضرورة النظر في مدى صلوحية قاعات العروض داخل الجهات وقدرتها على توفير التجهيزات الضرورية لتقديم العروض في ظروف معقولة.

 الرقص

كما حرمت الأعمال الكوريغرافية من 50 ألف دينار من مجموع 250 ألف دينار رُصدت في 2017  ومع الضعف الشديد لهذا المبلغ الذي لا يفي بتطلعات المبدعين في هذا النشاط الإبداعي.

ففي الوقت الذي ستصرف فيه أضعاف هذه الميزانية لوحدة الإنتاج حسب الأهداف المحدثة لمدينة تونس الثقافية، سيفرغ هذا الابداع المستقل من الاستمرارية خارج مدينة الثقافة وسيدفع العديد من الشبان الى الهجرة بعد اليأس. كما تغيب موارد توزيع الأعمال الكوريغرافية لتدمج كالعادة في دعم توزيع الأعمال الموسيقىة لمزيد هيمنتها في الفقر بحكم أن اللجنة كما الإدارة مكونة من 80 بالمائة من الموسيقيين والإداريين التابعيين.

الفنون التشكيلية

هذا النشاط الذي لا يكلف الدولة إعتمادات كبيرة حيث ينحصر  تدخل  الدولة في شراءات أعمال الفنانين التشكيليين لإثراء خزينة الدولة ومتاحفها ولإضفاء بذرة جمال على مؤسسات الدولة. الفنانون التشكيليون  يعملون ليلا نهار بدون أجور وكل حلمهم هو بيع لوحة أو عمل فني للدولة. هذا إضافة إلى حرمانهم من زيادة تليق بمجهودهم وابداعهم بغض النظر عن تزايد عددهم.  وقد تكرمت عليهم وزارة الشؤون الثقافية بمائة ألف دينار .

العمل الثقافي

وهنا مربط الفرس فهذا القطاع الحساس مستقبل الثقافة ومقياس تكريس التوزيع  العادل للفنون وللإتزام بروح دستور 2014، فالحيف يكبر  والميزانية تركد وتنقص بـ63465 دينار  من ناحية نفقات التصرف (وهي علامة التسليم في هذه النواة الهامة الأكثر قربا من المواطن) وتخفض بـ16559 ألف دينار من ناحية التنمية دون إيلاء أدنى أهمية للبنية التحتية، التي هي بحاجة ماسة الى التأهيل وإلى تجهيزات عصرية حتى تلقى إشعاعها وتلعب دورها.

التراث

التراث وما أدراك ما التراث، فلقد ارتأت الإدارة الثقافية حرمانه من حوالي مليوني دينار في الوقت الذي نريد أن نسجل شط الجريد ومائدة يوغرطة في قائمات التراث العالمي وأن نوظف تراثنا في خدمة السياحة الثقافية والتنمية عموما.

الكتاب والمطالعة

زيادة ملحوظة في الكتاب والمطالعة بأربعة ملايين ونصف المليون دينار بين نفقات التصرف ونفقات التنمية، وكان أحرى بها أن توظف في المطالعة وتنشيط المكتبات المتعددة الوسائط العصرية، لو  أن التدخل العمومي حذف منه 121000 دينار في مشروع الميزانية الجديدة.

مازلنا نشيّد المكتبات في الجهات على شاكلة مكتبات السنوات الستين وكأنه تشبث بالتراث نكاية في الثورة الرقمية وتقزيما واحتقارا للمواطن التونسي، وبالخصوص الشبان منهم.

المهرجانات والتظاهرات الثقافية

كما حظيت المهرجانات بتقليص طفيف، 28500  ألف دينار، وهذا يعني الكثير  بحيث تتخلى الدولة على المهرجانات الصغيرة وتترك الحبل على الغارب وتواصل في تضخيم المهرجانات الكبرى دون اعتبار  للجهات والمحليات ودون وعي لامركزي.

الهندسة المعمارية

تطورت نفقات الهندسة المعمارية بـ 129 بالمائة بين 2017 و2018 وهو تطور نود أن نلاحظه في البنية التحتية للمؤسسات الثقافية وبالخصوص في الجهات والمحليات.

الجمعيات الثقافية والمراكز الثقافية الخاصة

وهي الحلقة الضعيفة في ميزانية وزارة الشؤون الثقافية حيث رصدت مبلغ مليون وتسعمائة ألف دينار لأكثر من 2000 جمعية منها جمعيات تنشط لأكثر من خمسة عقود أي بمعدل أقل من ألف دينار لكل جمعية. أين نحن من تفعيل المجتمع المدني الثقافي وأين مستقبل الشراكة وأين التشريك وأين التشاركية؟ لماذا نحرم الثقافة من جيش من المتطوعين تنظموا في جمعيات محرومة من الدعم ومن العمل والاضافة؟

صندوق التنمية الثقافية

نفس المبلغ بفعل عدم صرف الأرصدة الأولى التي قدرت من ستة ملايين دينار إلى خمسة ملايين دينار،  نظرا إلى  أن الوزارة أرجعت جزءا كبيرا من هذه المبالغ استقر تمويل هذا الصندوق على أربعة ملايين دينار، في حين أنه كان بالإمكان ان تكون امكانيات الصندوق اكبر لان العديد من الطلبات الجيدة  لا تجد تمويلات منه لقلة الإمكانيات منذ سنين.

التحسن المستمر

استمرار التوجهات التشغيلية البيروقراطية في حين ان الابداع بإمكانه عبر تدخل الدولة أن يشغّل أربع أضعاف الأعوان القارين بربع الإعتمادات، حيث زادت اعتمادات التأجير العمومي بماقدره 11298 مليون دينار، أي زيادة تضاهي ما يخصص لدعم كل الفنون مجتمعة وهي زيادة قياسية اذ قاربت ما يعادل 10 بالمائة على أكبر باب من أبواب الميزانية الذي يفوق 54 بالمائة من كامل اعتمادات الثقافة لتصل في سنة 2018 الى 140897 ألف دينار، دون اعتبار نفقات التصرف المخصصة إليهم أي من سيارات ومواد مكتبية ومكاتب ووقود وغيرها من المصاريف  (10103 ألف دينار).

الجديد في ميزانية 2018

  • 10 ملايين من الدينارات لبرامح مدن الفنون ومدن الآداب والكتاب. وهي برامج مستحدثة  في الميزانية منها خمسة ملايين من الدينارات تصرف في 2018.
  • صندوق مقاومة الإرهاب مرصود له 15000 ألف دينار لم تصرف منها إلا 6188 ألف دينار حتى نهاية 2016.
  • وبقيت اعتمادات تقدر بـ8812 ألف دينار لم تصرف في 2017.
  • المساھمة في الصنادیق الدولیة للإنتاج السینمائي المشترك، بما قيمته مليون وستمائة ألف دينار منها أربعمائة ألف دينار  لسنة 2018.