كيف يمكن فهم زيارة السفير الفرنسي أوليفيه بوافر دارفور وفريقه لهيئة الإنتخابات في تونس؟ كيف يمكن تفسير الإهتمام اليومي لسياسين فرنسيين كرئيس الوزراء السابق جان بيار رفاران بالشأن الخاص التونسي؟ هل يكفي أن نعيد للمرة الألف ماقاله عمار عمروسية بأن “سفير فرنسا يتجول في تونس ومؤسساتها وأراضيها معتقداً أنها إحدى مستعمرات فرنسا”، وأن “تطفله على هيئة الانتخابات وسير العملية الانتخابية البلدية يعد تعديا على سيادة تونس وعلى كرامتها وتدخلا سافرا في المسار الديمقراطي”؟
تطفلت فرنسا ومازالت على العام والخاص في تونس بشكل جعل الوضع مؤسّسا للمقت. هنا تصبح نظرية الجذمورية مهمة في فهم العلاقة المتشعبة سلبيا وفصاميا التي تجمع الطبقة الحاكمة (سياسيا وثقافيا) في تونس بفرنسا النيوكولنيالية. يتحدث الفيلسوفان الفرنسيان جيل دولوز وفليكس غتاري في كتابهم المهم “الرأسمالية والفصام” عن نظرية “الجذمور“ للتأكيد على مفهوم التشعب والنمو المفتقدين لأي أساس أو جوهر بحيث يصبح التعدد خاصية رئيسية تفضي لعدم الارتباط وعدم التجانس ورفض الإثبات أو التدوين. يضيف دولوز وغتاري بأنهم ينكرون معرفة مآل هذا الجذمور عند تحديد ملامحه وإبراز فحواه. استعمل كل من دولوز وغتاري مفهوم الجذمور لتأسيس فكر إيجابي راديكالي مجدد وقادر على القطع مع المجتر والتوحيد والاستبداد المعرفي. هنا، أود طرح نظرية مشابهة لكن بشكل أكثر مقتا وسلبية. أشير إلى الطفيل المسمى “سيموثوا إكسيغوا” كإستعارة عن واقع التماهي والإقتات الذي يجمع طبقة مهترئة في تونس ونفوذ فرنسي مطلق. كل شيء في تونس مقنن حول مفردات ونواميس مقيدة بأدوات ومنظومات مادية ولامادية فرنسية.
الحالة الأولى: يستهدف الـ”سيموثوا إكسيغوا” سمكة ما عن طريق التسلل إلى الخياشيم والإرتباط بلسانها ويعتمد بشكل كامل في المعيشة على السمكة العائل.
تشعبت فرنسا استعماريا داخل الدولة والحكومة والطبقات الاجتماعية النافذة. هذا التشعب فُرِض بشكل سلس. أي فعل أو حراك سياسي أو ثقافي في تونس له ارتباط بشكل أو بآخر بفرنسا عبر أذرعها المتشعبة كالمركز الثقافي الفرنسي ومختلف أنشطة ما يسمى بالمجتمع المدني الحديث. هذا النفوذ الهائل في تونس يقابله تلاشي نفوذ فرنسا كقوة عالمية. يبرز مقال في جريدة “الباييس” الإسبانية للصحفي انريك غونزالز بأن “نفوذ فرنسا تقلّص بالمقارنة مع بقية كبرى قوى العالم. ما كانت قوة عظيمة أصبحت اليوم بلد ذو أهمية متوسطة.” يضيف غونزالز بأن الحل الذي وجده الفرنسيين لمشكلة تحول فرنسا إلى بلد صغير هو المراهنة على تحويل العاصمة باريس إلى قطب نفوذ على المستويين الأوروبي والعالمي. جانب آخر أساسي من هوس فرنسا بإعادة مجدها القديم هو صيرورة العلاقات الفرنسية ودول جنوب المتوسط لضمان هيمنة قديمة-جديدة على المستعمرات القديمة.
الحالة الثانية: الطفيل لا يقتات من اللسان بل يلتهمه تماما ليحل محله بجسده الخاص وبشكل كامل مما يوفر للسمكة لسانا جديدا يعمل بشكل كامل يستخدم لطحن الطعام بإستعمال أسنان الطفيل الصغيرة.
تترك كل زيارة لرئيس فرنسي نوعا من خيبة الأمل؛ الإعداد الكرنفالي والهيجان الإعلامي يقابله مرة أخرى ضآلة الوعود والإتفاقيات المعلنة أو السرية بين جانب تونسي يرى في فرنسا الحليف الأزلي وجانب فرنسي يرى في تونس سوقا ومجالا جغراسياسي حيوي يضمن امتداد نفوذها النيوكولونيالي. لم تكن زيارة الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون إلى تونس مختلفة عن غيرها من زيارات الرؤساء الفرنسيين السابقين. من الطرف التونسي، هناك هاجس هجين بضرورة تنظيف الطرق العامة وتقليم الأشجار وإبراز تونس العاصمة في أبهى حلة. المهم أن لا يرى فرنسا الأم (أو الأب؟) الوضع مزريا وأننا مثل “فرنسا الحضارة” قادرون على الاهتمام بالإستيتيقا والجماليات في الفضاء العمومي.
مغزى اللسان هنا مهم. حيث تُستعمل الفرنسية بدرجة كبيرة في تونس ليس كتعبير عن انتماء إلى ثقافة فرنكفونية كونية بل غالبا عن رغبة غير مصرح بها في الإنتماء إلى فرنسا الحضارة والثقافة. هناك حالة عامة من الإستمناء الفكري والذاتي بالوكالة بشكل جعل التطور الثقافي والعلمي والتكنولوجي الفرنسي يتم الإحتفاء به كأنه حدث أو شأن تونسي. هناك تبعية واضحة للعيان في اللغة والجماليات في مجالات شتى كالمسرح والإشهار والبرامج التلفزية وحتى في منظومة التعليم العالي وثقافة المؤسسات. ليس في الأمر ابتكار، فكل شيء تقريبا هو تطبيق لتجارب فرنسية على واقع تونسي. بالنسبة للفرنسيين، كل هذه الجهود مهمة طبعا في ديناميكية الراعي والمرعي وفي سيكولوجية النفوذ. مهم ولكن ليس الأهم، فما هو استراتيجي بالنسبة لثلة رجال الأعمال التي رافقت ماكرون هو تكثيف الربح عن طريق العمالة الرخيصة التكلفة وعبر الإمتيازات الجبائية السخية جدا.
هذا ليسا سخاءا فرنسيا أو من أدبيات الصداقة الدبلوماسية لأن الفرنسيين كما وصف الأخطل قوم جرير هم
قومٌ إذا استنبحَ الأضيافُ كلبهُمُ قالوا لأمّهِمِ بُولي على النّارِ
زيارة ماكرون الأخيرة كانت نوع من التبول بمقدار. فجل الوعود كانت دون الآمال للجميع. لكن هذا لا يمنع بأن يصر وزير خارجية فرنسا على القيام بزيارة تفقد في جويلية القادم للإطلاع على تقدم إحداث المؤسسات الصغيرة والمتوسطة المبرمجة.
الحالة الثالثة: يلاحظ لدى السمكة المصابة بهذا الداء نقص في الوزن بالمقارنة بسمكة غير مصابة.
في تقرير بالغ الأهمية نشرته مؤخرا مؤسسة النزاهة المالية العالمية الأمريكية ومركز البحوث التطبيقية بمعهد الاقتصاد النرويجي تم نقض المزاعم المروّجة بأن قروض المساعدة من شأنها مساعدة وتشجيع اقتصادات الدول الفقيرة. على العكس تماما، يستنتج التقرير بأن تدفق المعونة فعليا يكون غالبا في الاتجاه المعاكس حيث لا تساعد البلدان الغنية على تطوير البلدان الفقيرة بل على العكس تقوم البلدان الفقيرة بتطوير بلدان غنية. مثلا بالنسبة لكل دولار واحد من المعونة التي تتلقاها البلدان النامية، فإنها تفقد 24 دولارا من صافي التدفقات الخارجة.
ومثلما تشير إلى ذلك معطيات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية فإن فرنسا ظلت الجهة الدائنة الأولى لتونس. من جهة أخرى لايقارن الدعم المادي الفرنسي لتونس بعد الثورة بدول أخرى كألمانيا (68 مليون دولار لفرنسا مقابل 124 مليون دولار لألمانيا خلال سنة 2016). رغم الوعود الكثيرة بخفض الدين فقد حوّلت نسبة ضئيلة جدا (6.9%) من هذه الديون الفرنسية إلى استثمارات.
الحالة الرابعة: عندما تموت السمكة، ينفصل الطفيل عن كعب اللسان بعد مرور بعض الوقت و يغادر تجويف الفم كما يرى في الصورة أعلاه.
تونس دولة مريضة واقتصادها في طور الاحتضار. غير أن تشجيع “الصديق الفرنسي” على مزيد الإقتراض قد يعجل بانهيار الاقتصاد بشكل كامل. رغم الخطابات المنمقة وتبادل الزيارات العلنية والاحتفاء بالاستثناء والنموذج التونسي، فإن فرنسا لم تقدّم شيئا لتونس على الصعيدين السياسي أو الاقتصادي. أصبح الحضور الفرنسي في تونس إعادة لتاريخ حديث حيث تفرض حماية غير مباشرة على تونس عن طريق الدين المهول الذي يصعب تسديده، ومن جهة تظل فرنسا وجهة خيرة الأدمغة التونسية من أطباء ودكاترة وأكادميين. مايفعله السفير الفرنسي إذن هو تصرف طبيعي داخل هذه المنظومة المقيتة.
Tunisiennes et Tunisiens, je reste toujours auprès de vous malgré les imbéciles comme Ghannouchi, Marzouki et Ben Cedrine. Je suis réaliste.
المشكلة ليست فى فرنسا ونفودها الدى لا يزعزع فى تونس, وانما الاشكال فى ابناء البلد الدين اعطيت لهم مهمة التسسير….غابت الامانة فانتظر المهازل ….ممكن الانفصال وحتى قطع العلاقات مع فرنسا , هناك بداءل لاكن فى حاجة الى زعيم يومن بان الموت مرة واحدة فقط!!!!