مُحاطا بوالي المنستير ومعتمد قصر هلال والنائبة عن الجهة حزب نداء تونس بمجلس نوّاب الشعب هالة عمران، أدّى وزير الصناعة والمؤسّسات الصغرى والمتوسّطة سليم الفرياني في الثاني من شهر فيفري الفارط زيارة إلى الشركة الصناعية للمنسوجات SITEX. وتعتبر أحد أقدم المؤسّسات الصناعيّة المختصّة في هذا المجال والوحيدة المنتجة لقماش ”الدجين“ في تونس. خلف الحملات الدعائيّة التي رافقت زيارة الوزير، تبدو وضعيّة سيتاكس غامضة خصوصا مع تتالي خسائرها خلال السنوات العشر الأخيرة في ظلّ شراكة مع الشركة البريطانية SWIFT. إضافة إلى الدعاوى المرفوعة ضدّ هذه الأخيرة والتي تتمحور بمجملها حول شبهات فساد وتحيّل بمؤسّسة تمتلك الدولة التونسيّة فيها ما يقارب ثلث الأسهم.
تعود قضيّة سيتاكس إلى 5 سنوات مضت، عندما انتقلت ملكيّة نصيب International Finance Corporation المقدّرة بـ231803 سهما بما يمثّل 10.051 بالمائة من أسهم الشركة إلى شركة ”الأموال“ التونسيّة. حيث لاحظ هذا الشريك الجديد منذ البداية نزعة إلى التلاعب وتعمّد إخفاء بعض المعطيات الهامة على غرار اتفاقيّة 1973. إذ حسب التقارير الخاصّة لمراقب الحسابات في 2003 و2008 تعمّد مجلس إدارة سيتاكس نفي وجود أيّ اتفاقيّة شراكة، ليتمّ الإفصاح عن اتفاقيّة 27 سبتمبر 1973 سنة 2010 عقب الضغوط التي مارسها المساهم الجديد بحسب الوثائق الملحقة.
الوضع المالي المشبوه والإخلالات التي سبق ذكرها دفعت شركة ”الأموال“ إلى التوجّه للقضاء سنة 2013، لتقرّ دائرة الاتهام بمحكمة الاستئناف بالمنستير في 21 مارس 2017 توجيه تهم الخيانة الموصوفة والتحيّل والتولّي عمدا تقديم قوائم مالية سنوية مغلوطة للمدير العام الحالي لسيتاكس محمد الطوزي.
من الخصخصة إلى الهيمنة
انطلق النشاط الفعلي للشركة الصناعية للمنسوجات سنة 1964 ضمن مجموعة الشركة العامة لصناعة النسيج سوجيتكس SOGITEX المملوكة للدولة، لكنّ نشاطها المستقلّ بدأ سنة 1977 لتختصّ كمنتج وحيد لأقمشة ”الدجين“. قبل عملية الإنفصال، كانت سيتاكس قد خضعت لعمليّة تفريط في الجزء الأكبر من رأسمالها بداية من سنة 1973 للشريك البريطاني SWIFT DHJ وفق اتفاقيّة ظلّت تتجدّد بشكل متواصل كلّ ثلاث سنوات حتّى اليوم لتؤول إلى حدود كتابة هذه الأسطر إلى شركة SWIFT TEXTILES EUROPE LTD المتمركزة حاليّا في الجزيرة البريطانية “آيل أوف مان” (Isle Of Man) والمعروفة كمنطقة امتيازات جبائيّة.
مسار الخصخصة الذّي انتهجته الدولة، فتح المجال أمام دخول شركاء آخرين ضمن هذه المؤسّسة التّي يتجاوز رأس مالها 23 مليون دينار، لتكون التركيبة الحالية لأهم المساهمين على النحو الآتي:
هذه التركيبة، التّي أفرزت مجلس إدارة هيمن من خلاله الشريك الأجنبي على الشركة، انعكست بدورها على كيفيّة استغلال المؤسّسة وتوجيه أنشطتها لخدمة طرف واحد على حساب المساهمين الآخرين من ضمنهم الدولة التونسيّة التي تعتبر الشريك الثاني على مستوى المساهمة عبر ستوسيد بنك (البنك السعودي التونسي) الذّي تأسّس في 31 ماي 1981 بناء على اتفاقية موقّعة بين حكومة الجمهورية التونسيّة وحكومة المملكة العربية السعودية برأسمال قيمته 10 ملايين دينار موزّعةً بالتناصف بين حكومتي البلدين.
شراكة تحولت إلى هيمنة تجلت في الإخلال بعدد من بنود الاتفاقيّة الممضاة سنة 1973 بين سوجيتكس SOGITEX والشريك البريطاني SWIFT DHJ، والتّي جعلت تسويق انتاج سيتاكس حكرا على سويفت، وإلزام هذه الأخيرة باقتناء كميّة تتراوح بين 18 مليونا و22 مليون متر سنويا. لكن اختلال موازين القوى أدّى إلى تملّص الشريك الأجنبي من تعهّداته فلم يتجاوز معدّل شراءاته 9 ملايين متر سنويا حسب الفواتير المرفقة. هذه الممارسات أدّت بدورها إلى تسجيل نقص في الأنشطة الصناعيّة لسيتاكس تجاوزت سنة 2012 مليوني دينار بحسب قائمات النتائج السنوية الصافية للشركة.
لم تكتف شركة سويفت بإخضاع الشريك التونسي للاحتكار وفرض تقليص قدرات المصنع الإنتاجيّة، بل عمدت إلى إجبار سيتاكس على التفريط في انتاجها من قماش الدجين بسعر متدن يصل إلى حدود 50 بالمائة من السعر المعمول به في السوق الدوليّة. حيث أشارت دراسة صادرة عن موقع denim and jeans المختصّ في متابعة السوق الدوليّة لأقمشة الدجين سنة 2010، إلى أنّ معدّل سعر بيع المتر المربّع من هذا المنتوج من سيتاكس إلى سويفت لم يتجاوز 1.9 أورو خلال سنوات 2008 و2010، في حين بلغ معدّل سعر هذا القماش المورّد إلى السوق التونسيّة من الخارج 4.2 أورو سنة 2010. هذا السعر التفاضلي ”الإجباري“، مكنّ شركة سويفت من تحقيق هامش ربح بمعدّل 72 بالمائة خلال سنوات 2005 و2008، بقيمة جملية تجاوزت 154 مليون دينار تونسي حسب التقارير المالية لسيتاكس وفواتير البيع، بينما تكبّدت الشركة الصناعية للمنسوجات خلال نفس الفترة خسائر بلغت 2.6 مليون دينار ولتراكم حصيلة هائلة من الخسائر طيلة العقود الماضية تجاوزت قيمة رأس مالها المقدّر ب23 مليون دينار.
الانعكاسات السلبيّة لم تقتصر على التوازنات المالية لسيتاكس، بل شملت قطاع النسيج وصناعة الدجين التونسي بشكل عام. حيث تشير الفواتير والوثائق المرفقة إلى تعمّد تسويق شركة سويفت للقماش التونسي بسعر 5.5 أورو للمتر المربّع الواحد في السوق المحليّة والدوليّة، مقارنة بالمنتجين الأوروبيّين والأمريكّيين والآسيويين أين تتراوح الأسعار تراتبيّا بين 5.25 أورو و4 أورو لتصل إلى 3.25 أورو بالنسبة للمصدّرين من آسيا، ممّا انعكس سلبا على القدرة التنافسيّة للصناعات التونسيّة في هذا المجال.
الوضع المالي الكارثي لسيتاكس
نتائج الهيمنة المطلقة لشركة سويفت على مؤسّسة سيتاكس والإخلالات التي سجّلها خبراء دائرة التحقيق، لم تنحصر في تحقيق الشريك الأجنبي لمرابيح طائلة، بل انعكست سلبا على الوضع المالي العامّ لسيتاكس.
هذه المؤسّسة التي تنفرد بصناعة أقمشة الدجين في تونس، دخلت منذ سنة 1999 في أزمة حقيقيّة على المستوى المالي مع تتالي خسائرها منذ ذلك التاريخ. إذ انحدرت قيمة أسهمها المتداولة في البورصة التونسيّة منذ سنة 2000 من 15.9 دينار الى 5.6 دينـار في جانفي 2018. قيمة أسهم الشركة في سوق الأوراق الماليّة لم تكن في الواقع سوى انعكاسا لوضع مالي متدهور على صعيد العمليات التجاريّة والنتائج السنويّة الصافية التي ظلّت تسجّل حصيلة سلبيّة منذ عقد تقريبا كان آخرها 5.893 مليون دينار سنة 2015 و3.187 مليون دينار لسنة 2016.
اللجوء إلى القضاء التونسيّ سنة 2013 من قبل الشركاء الجدد، دفع شركة SWIFT Textile Europe إلى الغاء العمل باتفاقيّة 1973، حسب المراسلة المرفقة في 05 جوان 2012. إلاّ أنّ امتلاك سويفت للنصيب الأكبر من أسهم سيتاكس مكّنها من الحفاظ على هيمنتها المطلقة على إدارة الشركة الصناعية للمنسوجات من خلال تواصل العمل بنفس بنود الاتفاقيّة والحفاظ على العلاقة الاحتكاريّة المفروضة على سيتاكس منذ عقود وهو ما تؤكّده مراسلة المدير العام لشركة ”سويفت“ محمد غازي بعزيز بتاريخ 03 فيفري 2016.
الفوترة الوهميّة: تلاعب بأرقام المعاملات
كشفت تقارير الاختبار في 20 سبتمبر 2016 الذي أذن به حاكم التحقيق بالمكتب الرابع 4، عن العديد من آليات التلاعب بالمعاملات التجارية والمالية لسيتاكس. إذ أشار خبراء المحكمة إلى تواتر الترفيع من وتيرة إصدار الفاتورات نهاية كلّ سنة (شهر ديسمبر بالتحديد) مقارنة بالوتيرة العاديّة، حيث تمّ رصد 72 فاتورة في شهر ديسمبر 2011 و49 فاتورة في شهر ديسمبر 2012، في حين لا يتجاوز معدّل الفوترة العادي خلال باقي أشهر السنة 10 فاتورات شهريّا. هذه الممارسات خلقت اختلالا على مستوى رقم المعاملات، حيث تسجّل الشركة خلال شهر ديسمبر من كلّ سنة حصيلة عمليات تجاريّة تبلغ ضعف التّي تليها في شهر جانفي اللاحق. وذلك بغية التغطيّة على حجم الخسائر التي تعاني منها سيتاكس خلال السنوات الفارطة وتضخيم رقم المعاملات التي يتمّ التصريح بها.
هذا وقد رصد تقرير الاختبار ما اعتبره عملية فوترة وهميّة، إذ تعتمد هذه الآلية على إصدار فواتير بيع للحرفاء دون مقابل، أي دون أن يكون هناك تسليم فعلي للبضاعة أو فوترة بضائع غير جاهزة أو معدّة للبيع، ليتمّ في مرحلة لاحقة إصدار فواتير إرجاع وإلغاء العملية التجاريّة الوهميّة بالأساس. التلاعب لم يتوقّف عند هذا الحدّ، إذ تم تسجيل معاليم النقل على تلك الفاتورات في حين لم تبارح البضاعة مخازن سيتاكس.
استطاعت شركة سويفت أن توظّف المؤسّسة لخدمة مصالحها الخاصّة بغضّ النظر عن مصلحة الشركة ككلّ. إذ تعمّدت بحسب التقرير المذكور تغيير الفواتير الصادرة خلال شهر ديسمبر بفواتير جديدة في شهر جانفي بنفس الكميّات والمواصفات ولكن مع تغيير السعر في الاتجاهين، وهو ما يحمّل سيتاكس خسائر إضافيّة. وتعتمد سويفت في هذه المعاملات ما يسمى ”مشروع الفاتورة“ وهي آليّة غير قانونيّة بحسب خبراء مكتب التحقيق، ولا وجود لها في قاموس المحاسبة والجباية، بل إنّ ما أسمته سويفت ”مشروع الفاتورة“ كان عبارة عن فاتورة بيع نهائيّة بحسب ما تضمّنته من تنصيصات مطابقة لمجلّة الأداء على القيمة المضافة. كما عمدت سويفت إلى الاعتماد على تلك الفاتورة الوهمية في القائمات الماليّة لسيتاكس والتّي تمّ التصريح بها سنويا لدى القباضة المالية وبورصة الأوراق الماليّة وهو ما ينتج عنه في نهاية المطاف إصدار نتائج سنويّة صافية مغلوطة لا تعكس التوازنات المالية الحقيقيّة للشركة ممّا يتسبّب بدوره في مغالطة بورصة الأوراق الماليّة.
مسار الصمت ما يزال متواصلا بعد سلسلة من الاختبارات والمنازعات ومحاضر التنبيه التي وجهها المشتكون إلى هيئة السوق المالية منذ 09 نوفمبر 2016 تاريخ توجيه محضر التنبيه الذّي أمدّها بمختلف المؤيّدات التي تثبت الإخلالات والتجاوزات التي تشهدها سيتاكس. من جهة أخرى، يبدو موقف الدولة التونسيّة ممثّلة في ستوسيد بنك غامضا، خصوصا وأنّها تمتلك ثلث الأسهم والنصيب الأكبر من رأسمال مال سيتاكس بعد الشريك الأجنبي سويفت. موقف يبلغ حدّ الاشتباه في التواطؤ رغم وضوح الدلائل على استنزاف الشركة الصناعية للمنسوجات والمسار التنازلي لمعاملاتها التجاريّة منذ أكثر من عقد.
victime ou coupable ??
il se plaint que son associé étranger a siphoné tous les fonds, pour les transférer à l’étranger. pourquoi n’a t-il pas alerté les autorités de ces agissements plus tot ??
ou peut ètre qu’il est en connivence, pour se partager le magot planqué à l’étranger ??
wait and see.
مسار الصمت متواصل .. يهم خاصۃ خزعبلات و غدر مالي , و كأن كل هذا يحدث في غابۃ الغول الكبير الخاليۃ من سلطۃ القانون .. علی كل حال .. شخصيا لا أفهم هذا التداول في الأدوار علی مستوی المال و الأرباح و الكذب علی الدولۃ , و و و . لكن سوءال بريء : من يقول صناعۃ قماش الدجين , يقول تلوث بيءي بمواد كيمياويۃ جد خطيرۃ علی المحيط و الإنسان و التوازن ۃالبيءي عامۃ , أين تذهب المواد الكيمياويۃ المسكوبۃ ؟ مباشرۃ في المحيط , أوديۃ , سبخات , إلی بحر ؟ نريد أن نفهم , لأن الجريمۃ ربما أكثر مما نتصور.. شكرا للكاتب إن يمكنه الوقوف علی بعض الحقاءق المباشرۃ و التي تتركب عليها عن قرب و عن بعد . .