لم تقتصر معارضة مشروع القانون المتعلّق بإحداث سجّل وطنيّ للمؤسّسات على منظّمات المجتمع المدنيّ لما اعتبرته تهديدا للعمل الجمعياتيّ وتضييقا على الحرّيات، بل التحق بصفّ المعارضين 30 نائبا من مختلف أحزاب المعارضة والمستقلّين عبر التقدّم بطعن في دستوريّة القانون الذي أثار العديد من التحفظّات منذ خروجه إلى العلن وإحالته على مجلس نوّاب الشعب في 02 أفريل 2018.

منظّمات المجتمع المدني تتوحّد ضدّ القانون

تزامنا مع انطلاق الجلسة العامّة للتصويت على مشروع القانون عدد 30/2018 المتعلق بإحداث السجل الوطني للمؤسسات في 26 جويلية 2018، سارعت 24 منظّمة وجمعيّة تونسيّة إلى إصدار بيان مشترك حذّرت عبره من خطورة هذا المشروع واستهدافه للجمعيّات والعمل المدنيّ في تونس. فإضافة إلى ما اعتبرته الأطراف الممضية للبيان خرقا للفصل 65 من الدستور الذي يوجب تنظيم الجمعيات بمقتضى قوانين أساسية، لا عبر قوانين عادية كما هو الحال بالنسبة للصيغة التّي تمّ خلالها طرح هذا القانون على مجلس النوّاب، فقد طرح البيان المذكور عدّة نقاط تتمحور حول ما اعتبرته ”الصيغة الزجريّة التّي تؤدي عمليا إلى العزوف عن العمل المدني و تؤثّر على الدور التعديلي الذي تلعبه الجمعيات كما أنها ستحد من مبدأ حرية تكوين الجمعيات المضمون في الدستور والمعاهدات الدولية المصادق عليها من قبل الدولة التونسية والمرسوم عدد 88 لسنة 2011 المتعلق بالجمعيات“. كما استنكر البيان ”عدم التفريق بين أنواع الجمعيات حيث تمّ ذكر الجمعيات على أساس أنّها ناشط اقتصادي غير أنّ الجمعيات ليست كذلك إلاّ بصفة عرضية أو بالنسبة لبعض الجمعيات فقط“.

في هذا السياق، أشارت نسرين جلايليّة، المديرة التنفيذية لمنظمة البوصلة، إلى أن ”قانون السجّل الوطني جاء في سياق إعداد ترسانة قانونيّة عنوانها الأكبر مكافحة غسيل الأموال والإرهاب والخروج من القائمة السوداء للملاذات الضريبيّة. إلاّ أنّ هذا القانون بالذات ما هو إلاّ حصان طروادة لمحاصرة العمل الجمعياتيّ وفرض رقابة أشدّ على المجتمع المدنيّ“. وتؤكّد مديرة بوصلة أنّ عديد التقارير الصادرة عن لجنة التحاليل الماليّة التابعة للبنك المركزيّ أشارت سابقا إلى ضرورة وضع إطار قانونيّ منظّم للعمل الجمعياتيّ حتّى بوجود المرسوم عدد 88 لسنة 2011 المتعلق بالجمعيات وهو ما اعتبرته محدّثتنا خروجا عن توصيات مجموعة العمل المالي GAFI، لتضيف قائلة ”التوصيات التّي قدّمتها هذه الهيئة الدوليّة وإن ألحّت على ضرورة تكثيف جهود الحكومة التونسيّة لمحاربة غسيل الأموال وإصلاح المنظومة القانونيّة والجبائيّة، إلاّ أنها شدّدت على أن لا تكون هذه المعركة على حساب المجتمع المدنيّ وحرّية النشاط الجمعياتيّ“.

هذا وأشار البيان المشترك المذكور سابقا إلى قلق المجتمع المدنيّ من ”تواتر المبادرات التشريعية من عديد الوزارات قصد تحجيم دور الجمعيات والسيطرة عليها حيث في نفس الوقت الذي تم تقديم فيه هذه المبادرة التشريعية من قبل وزارة العدل، تقوم بالتوازي مع ذلك وزارة حقوق الإنسان والهيئات الدستورية والعلاقة مع المجتمع المدني بالإعداد لإطار تشريعي جديد لعمل الجمعيات.“ توجّس ترجمته نسرين جلايليّة قائلة ”يبدو سوء النيّة واضحا من خلال إقصاء المجتمع المدنيّ وعدم تشريكه خلال إعداد قانون السجّل الوطني، كما يتجلّى سوء النيّة من خلال الغموض الذّي اكتنف مختلف مراحل إعداده حتّى صلب الحكومة، حيث لم يَعلم به وزير حقوق الانسان والهيئات الدستوريّة والعلاقة مع المجتمع المدني سوى منذ شهرين عن طريق الصدفة خلال اجتماعنا به“ لتختم محدّثتنا ”اختيار اللجنة البرلمانيّة التّي تولّت نقاش المشروع والاستماع لمختلف الأطراف المعنيّة يطرح بدوره إشكالا مهمّا، فعمل الجمعيات وتنظيم الأطر القانونيّة الخاصّة بها لا يجب أن يكون من اختصاص لجنة الفلاحة والأمن الغذائي والتجارة والخدمات بل لجنة الحرّيات أو لجنة التشريع العام، ولهذا عبرنا عن تمسّكنا بالمرسوم عدد 88 لسنة 2011 ورفضنا نظام الترخيص كما يطرحه قانون سجل المؤسسات“.

امتحان جديد للهيئة الوقتيّة لمراقبة دستوريّة مشاريع القوانين

رغم مداخلات عدد من النوّاب والتّي أشارت إلى خرق مشروع قانون السجّل الوطني للمؤسّسات عدّة فصول في الدستور التونسيّ، إلاّ أنّ نتيجة التصويت أدّت إلى تمريره بتصويت 111 نائبا لفائدته، في حين عارض القانون نائب واحد واحتفظ 8 آخرين بأصواتهم. نتيجة دفعت 30 نائبا ينتمي أغلبهم إلى المعارضة ويمثّلهم عضو الكتلة الديمقراطية بالبرلمان وعضو مكتب مجلس نواب الشعب النائب غازي الشواشي إلى تقديم عريضة طعن في دستوريّة هذا القانون لدى الهيئة الوقتيّة لمراقبة دستورية مشاريع القوانين في 02 أوت الجاري.

في هذا السياق، أوضح النائب غازي الشوّاشي لموقع نواة حيثيات الطعن قائلا ”العنوان الأكبر للخروقات التّي تضمّنها مشروع قانون السجّل الوطني للمؤسّسات يتمثّل في طرحه والتصويت عليه كقانون عاديّ في حين يتوّجب إدراجه كقانون أساسي وفق مقتضيات الفصل 65 من الدستور التونسيّ.“ ليضيف ”التجاوزات مسّت ثلاثة مجالات كبرى تتعلّق بتنظيم العدالة والقضاء وثانيا بتنظيم الجمعيات وأخيرا في علاقة بالحريات وحقوق الإنسان“. أشار النائب عن الكتلة الديمقراطيّة إلى طبيعة الخروقات في مختلف المجالات المذكورة ”لقد تمّ عبر هذا القانون إحداث اختصاص قضائيّ جديد هو قاضي السجّلات وفق ما جاء في الفصول 43 و44 و45، في تجاوز صارخ للفصل 114 من الدستور الذي يشترط العرض الوجوبي لقرار مماثل على المجلس الأعلى للقضاء وهو ما لم يحدث“، أمّا في مجال الجمعيات والعمل المدنيّ، فينبّه النائب غازي الشوّاشي قائلا ”استحدث قانون السجّل الوطني للمؤسّسات شروطا جديدة من بينها إجبارية الاستظهار ببطاقة علامة البلوغ مما يتعارض مع الفصلين 35 و49 من الدستور في علاقة بتكوين الجمعيات وهو ما من شأنه التضييق نشاطها والحدّ من حريّة منظّمات المجتمع المدني خصوصا وأنّ العديد من الجمعيات لم تتحصّل على علامة البلوغ.“ وبخصوص مجال الحريّات وحقوق الإنسان فقد أكّد محدّثنا ”القانون المطعون فيه تعرّض في فصله الثاني إلى مفهوم ”المستفيدون الحقيقيّون“ ليشترط الإدلاء بقائمة في المستفيدين المباشرين وغير المباشرين عند كلّ طلب تسجيل في سجّل خاص مُتاح للعموم، وهو ما اعتبرناه في عريضة الطعن خرقا لأحكام الفصلين 21 و24 من الدستور المتعلقيّن بالحريات الفردية والعامة وحماية الدولة للحياة الخاصة وللمعطيات الشخصية، بل ونتوقّع أن ينعكس سلبا على الأنشطة الاقتصاديّة على غرار الاستثمار.“ وقد شدّد غازي الشوّاشي على أنّ تقديم عريضة الطعن لا يعني رفض النوّاب لوجود سجّل وطنيّ للمؤسّسات، موضّحا وجهة نظره قائلا ”نحن نعي أهمّية وضع سجّل وطني جديد للمؤسّسات بدل التشريع القديم لسنة 1994 والذّي تمّ تنقيحه في مناسبتين وما زلنا نعتبره أحد أكثر التشريعات الاقتصاديّة تخلّفا، كما نؤمن أنّ هذا القانون سيشكّل خطوة أخرى في جهود الحرب على الفساد ومكافحة غسيل الأموال وتعزيز الشفافيّة، ولكنّنا لن نقبل أن يتضمّن هذا السجّل الجديد شروطا أو فصولا تتناقض مع الدستور التونسيّ أو تمثّل تهديدا أو تضييقا على الحريّات والجمعيات والحياة العامّة والمدنيّة“.