يتعرض الجسد الأنثوي إلى الاستهلاك عنوة وإكراها بعد الثورة، حيث أصبح السعار الجنسي سلوكا مسيطرا على فئة كبيرة من الفتية والرجال التونسيين، بشكل أدى إلى تغيير عميق في العلاقات الاجتماعية والثقافية وحتى الاقتصادية التي تجمع كلا الجنسين (أو الأجناس) داخل المجتمع التونسي. مع مطلع فجر آخر سبت من أوت، لم تستطع الجدة والأم وبنت الخامسة عشر ربيعا أن تقاومن عنف وجنون خمسة رجال صمموا تلك الليلة على إشباع سعار جنسي ضارم، لم يقوى العقل ولا الدين ولا الصفة الإنسانية أن يكبتوه. على سطح جبل الريحان في قبلاط من ولاية باجة، عُنِّفت الجدة بشكل شديد مما أدى إلى وفاتها، نُكِّل كذلك بالأم ولازالت تتلقى العلاج من آثار الضرب المبرح الذي تعرضت له، في حين اغتصِبت الفتاة المراهقة لمدة ثلاثة أيام وألقي بها بعدها في واد في حالة إنهاك أدخلتها في غيبوبة. ثلاثة أجيال من النساء انهارت عوالمهن في ليلة. لا تقف الوحشية هناك. تزداد الأمور سوءا في مدينة أم العرائس من ولاية قفصة، طفلة صغيرة لا تتجاوز الثلاث سنوات اغتصِبت من طرف أحد أقاربها وهو رجل ثلاثيني بطريقة وحشية استوجبت إخضاعها لعمليتين جراحيتين والاحتفاظ بها تحت العناية المركزة. عالمها انهار قبل أن يبدأ. مابين الريحان وأم العرائس، أصبحت العرائس دُمى تغتصب وتلقى بلا روح.
هذه ليست حالات اسثنائية. هناك جرائم لا تطفو على السطح ولا يسمع بها أحد لأن الكتمان والتستر أصبحا علة كامنة في الذهنية والحالة التونسية. إثر الجريمتين، تحول التستر على الوقائع عملا حكوميا: في جريمة قبلاط سارع كل من المتحدث باسم الحرس الوطني والمندوب الجهوي للأسرة والطفولة بباجة في فترة أولى إلى نفي الإعتداء الجنسي على اعتبار أن نتائج تقرير الطبّ الشرعي أظهرت عدم تعرض الفتاة القاصر لأي اعتداء جنسي. نفس التمشي تكررفي جريمة أم العرائس حيث فضل المندوب الجهوي لحماية الطفولة في ولاية قفصة الدفع بفرضية حادث المرور لتبرير الجريمة دون انتظار تقرير الطبيب الشرعي.
ثقافة التكتم البغيضة أفرزت ولاتزال أوراما كثيرة أتلفت الكثير من خصوصيات المرأة التونسية في علاقتها بالفضاء العام و بالعنصر الذكوري، حيث يوجد الآن ذلك العنصر الهجين الذي يطلق عليه تسمية العازب اللاإرادي. هو ذلك الرجل الذي يلقى باللائمة الكاملة على المرأة كسبب أوحد لكبته الجنسي وعدم القدرة على الزواج لأنها متحررة أكثر من اللازم، مستقلة أكثر من اللازم، سليطة اللسان أكثر من اللازم، مثقفة أكثر من اللازم. نتيجة لسيطرته ونفوذه المتسلط، انتشرت بشكل مكثف تعابير لغوية جاهزة وردود فعل هجينة على حوادث التحرش والإغتصاب: هناك من يقول ”جَابتها لروحها، وحدة ملهط“، وآخر يحبذ ”شاهية وتنكس“، ثالث يرى ”مش مشكلة، نعرف كيفاش نسكتها“ في حين يؤكد أكثرهم نزقا أن ”البنات الكل قحاب“ فلا مفر إذن من انتهاكهن جسدا وروحا. وفي كل الحالات، طفلة كانت أو فتاة قاصر، هن ناقصات دين وعقل وُجدن لإشباع نهم لامحدود.
كيف وصلنا لهذه المرحلة؟ هل هناك اختلاف بين ما قبل الثورة وبعدها؟ هل تتذكرون الشلاّط؟ المشكلة ليست في تزايد حوادث الاغتصاب والتنكيل الجنسي، بل يمكن التأكيد بأن السعار الجنسي في تونس وصل مرحلة اللاعودة. كان ذلك انطباع ثلاث نساء تونسيات، يسرى وهالة وصفاء (استبدلت أسماءهم)، حول واقع المرأة التونسية بعد الثورة.
”تعرف إنو لولاد هنا سقاط“
يسرى، جامعية أصيلة مدينة جربة، ثلاثينية وتعمل بالقطاع الخاص، كانت هذه شهادتها: ”فمّا تحرش جنسي تجاه المرا التونسية في شارع حبيب بورقيبة وغِيرو. أما في بلايص أخرين نورمال، ما يقلقها حد. الطفلة إلي تاخو كار حتى تكون لابسة دجين ماتتفلتش. أما إلي في كرهبتها تُوصل طول للخدمة ما فماش مشكلة. في الفضاء العمومي، أي طفلة ما تمنعش، أنا عانيت كي كنت طالبة. يتعدى بجنبك يرمي كلمة أطرش. تعرف إنو لولاد هنا سقاط: أكثر حاجة سمعتها وقفتلي مخي هي كلمة زبور تقالت في وجهي مباشرة. إيعديو إيديهم على الترم، يلصقو برشة. ناس مسخة. هذا مرض. عقلية حموم. و قاعدة تولي أخيب أكثر. أنا مانلبسش القصير كي كنت في الجامعة، موش رقابة ذاتية أما باش نبعد على المشاكل، للأسف! أنا مانعبرهمش، أنا ناسيتهم، نعيش مع روحي“
هالة، جامعية تقطن أحد أحواز تونس الجنوبية، ثلاثنية وتعمل بالقطاع الخاص، هكذا كانت شهادتها: ”حكاية التحرش في تونس قديمة. الي يمسك والي يسبك. تلقاها لابسة قصير ياخي فما ولد مسها من منطقة حساسة، وفي المترو يلصق وراك وكيف تكلموا يشريلك عركة وهذه صارتلي. ولّيت ماعادش ناخو مترو معبي وإلا كار معبية. توا ولّى فما حملات ضد التحرش في الكار والميترو. والأغرب إنو كيف تتكلم وتدافع على روحك، تولي انت الغالطة خاطر ماكش مغطية روحك. المرا لازم تغطي بدنها لكل وتكون مش مكيجة ولازم شعرها ملموم. حتى البوليسية يقولولك كان جيت ساترة روحك راو حد ما يكلمك. فما بنات تلبس أما كل يوم تتسبب وتتهان ويتحرشو بيها. في تونس كيف تلبس القصير هي دعوة للجنس في أمخاخ 90% من التوانسة، تولي طفلة سيئة السمعة ويولي كل شي مسموح. فما شكون يوصل يضرب النساء.“
صفاء، جامعية أصيلة مدينة صفاقس، ثلاثنية متحجبة وتعمل بالقطاع الخاص، كانت هذه شهادتها: ”حكاية التحرش في تونس من أكثر المواضيع إلي تغزلني، وفي نظري إطيح قيمة الراجل للحضيض. نتفكر مرة صارتلي العام إلي فات في صفاقس. راجل ماشية بالمتخالف أنا وإياه. قدم ايدو و كي مسني جات في شيرت كرشي. اقعدت نهار كامل موش قد بعضي. أنا إلي إستغربتو اني ما إستوعبتش فيسع الفازة إلا من بعد، خاطر انا في الحكايات هاذي ياسر نولي عنيفة. المرا ديما تخمم في الحالات هاذي إنو نية الرجل خايبة. مثلا، مرة في الكار، الله غالب ما عندي وين ناقف، نتفكر طفل قتلوا ابعد شوية، قلي ماعنديش وين نبعد هاك ترى، قتلوا اتصرف أمورك ووليت نصيح. ظروف النقل متاعنا مزمرة خلاتنا نركبو في الكيران والميتروات تقول علينا حكك سردينة. بالحق راو ساعات ما تنجمش تفرز اناهو إلي يتحرش و أناهو إلي خاطيه. نتفكر كنت ديما نفلتهم الكيران المعبين. يصير الشي الأكثرية في النقل العمومي أما في شارع تحرش لفظي ما غير ما يقربو. يخافوا يمكن.“
”في العاصمة التحرش ولى اكثر و اعنف“
تضيف يسرى: ”في جربة، فما مشكلة تحرش في الأسواق، البلايص في وسط البلاد، أما الجنوب يقعد أهون من العاصمة خاطر يحترمو المرا. بالنسبة للبسان القصير في جربة، كل مرة كيفاش، أما يغزرو برشة. عالبحر يخزرو برشة للي لابسين مايو وإلا بكيني. ديما المشكلة تبدا بالخزران. هذا واقعنا في بلادنا“.
من جهتها تضيف هالة ”فما شكون يلبس القصير كيما الشورت في بلايص كيما المرسى، أما في الحوم ما تلقاش شكون تخرج لابسة القصير. كيف تلقى طفلة تحب تلبس القصير كاينك تقول عطيت للرجال الحق باش يعملوا اللي يحبوا“ وتقول صفاء، أيضا ”في الثلاثة سنين إلي قريتهم في صفاقس كنت نركب فالكيران المعبية برشة أما ما عمري ما لاحظتها لحكاية. أما فما مرة صارتلي مرة مع راجل كبير هكا ومنظرو موش نظيف جملة. تبزنيس ديما موجود بالطبيعة. في صفاقس مافماش برشا تحرش. أما في العاصمة التحرش أكثر وأعنف“.
”ماعادش فمة قانون بعد الثورة“
تستأنف هالة ”الثورة وصلتنا للشي هذا. تونس ياسر تخلطت، مانيش نحكي على الجهويات أما كي تشوف أحواز العاصمة، أغلب النساء متحجبين. هذا كان موجود قبل الثورة، لكن ماعادش فما قانون بعد الثورة. الناس الكل وسيط على الدين وتحلل الي تحب. برشة حاجات اخرين زادة. ياخي شكونو المتحرش؟ ماو شخص مكبوت يرا في المرأة عقدة وسرير أكهو. نسبة التحرش زاد ثلاثة مرات بعد الثورة. فوضى برشة فوق ماتتصور، وليت نخاف كي نخرج للشارع، نخاف من الناس.“
من جهتها تقول صفاء ”بعد الثورة زاد التحرش الجنسي أما انا ما نجمش نقارنلك توا قبل ثورة لحق. خاطر هاني قتلك بعد لثورة معادش ياسر نركب في النقل العمومي. وخرجاتي ولاو متاع قهوة ولا قعدة عالبحر. يعني إحتكاكي بالشارع التونسي نقص موش كيما قبل كي كنت طالبة. حكاية بعد ثورة يمكن صحيحة، أما نجم نمثلها بحكايات أخرى كيما حاشاك الزبلة وحرقان الضو والبني الفوضوي والقهاوي في نص الكياس وغيرو. العباد إلي ما عندهمش قيود أخلاقية أو دينية أو إجتماعية. ماعندهمش مبادئ وقواعد و قوانين يحترموها بينهم و بين رواحهم. تحلوا فالعريض بعد الثورة. خاطر معادش عندهم مناش يخافوا. قبل ثورة كنت كي تقرب الدين في وقت المخلوع تبدى تعرف روحك إنو فما تحدي وإنك باش تعيش مغامرة يا تكون قدها يا سيب عليك. يعني لعقل موجود يمشي معاك و انت تتعمق فالدين. خاطر وقتها شي يخوف. يمكن العاطفة تاخذك شوية، أما ديما عقلك موجود وواعي. بينما توا العاطفة غالبة والتأثر السريع ببعض الشيوخ خلاو فما برشة مظاهر تدين. أنا نرى الدين يعاون الشخص إنو يتحكم في نفسو وغرائزو. يهديه شوية و يعطيه شوية سلام داخلي. وفي نفس الوقت ينجم زادة بالدين يفهم برشة حاجات. يعني الدين يخليه يتساءل علاش فرض الحجاب وعلاش لازم غض البصر. التربية زادة والأخلاق معيار ورادع يخلي لعبد ما يتحرشش“.
”الجنس قعد موضوع محرم“
تواصل يسرى ”اللي خلى الناس والرجال توصل هكا هو الكبت. البورنو فسد بدرجة كبيرة برشة علاقة رجال تونس برواحهم أولا وبالجنس الآخر في تونس. ندرة العلاقات الجنسية مشكلة زادة. الجنس قعد موضوع محرم (تابو)“.
من جهتها تضيف صفاء ”الشي اللي خلى الرجال يوصلو للشي هذا هو الكبت الجنسي و نتخيل البورنو والحكايات. للي يقول إنو انتشار الدين في تونس بعد الثورة أو العودة الى الدين جاء معاها انتشار التحرش بدرجة محمومة نجاوبو إنو مافماش عودة للدين، جملة. أنا نرى إنو الدين كان أصح و أمتن وقت بن علي. فما انتشار لمظاهر التدين، أما قعدو مظاهر أكهو و تبقبيق فالفارغ. على العكس، أنا لحق إلي لاحظتو هو تراجع في الدين. المرا عندها الحق بالطبيعة تلبس روبا وإلا شورت قصير وتخرج بيه. أما بيني وبين روحي مثلا ندعيلها. نحكيلك هاكم قناعاتي. قبل ماكنتش نحط تصاور صاحباتي، نبدا نقول بالكشي اللي باش يشوفهم توا ياخذو ذنب خاطر الناس تركز مع التصاور، و بعد تبدلت خاطر وليت نقول انا كي نحط تصاورنا مع بعضنا نيتي هي المحبة الي متقاسمينها مع بعضنا. اللي حبيت نقولو في لخر انو هي حرة أما انا بيني و بين روحي نتمنالها الهداية. موش انا خير منها لكن خاطر فمة راحة نفسية لقيتها كان كي لبست الحجاب. العباد اللي تلقى الحجج باش تفسر التصرف متاعها من ناحية انو المسلم ينهي على المنكر هي فكرة غالطة. النهي عن المنكر والدعوة ماهمش ساهلين، موش كل من هب ودب عندو القدرة أو الآليات الممكنة باش ينجم يدعو الناس لا وينهاهم عن المنكر. لازمو علم و قراية. يستخايلوه ساهل الشي. لو كان يقراو السيرة و يشوفو الرسول صلى الله عليه وعلى آله و سلم كيفاش كان يتعامل مع الناس توا يفهموا شوية اللي لازمهم برشة صبر وحلم وعلم خاصة باش يتعلموا فقه المعاملات. مشكلتنا نحبوا كل شي فيسع فيسع، ما عندناش صبر في كل شي راو. نشوفوا عبد غالط نسبوه لين نخرجوه من الملة. نشوفو صغير ما تصرفش بالڨدا ولا جاب نتائج موش باهية نهنتلوه لين يتربى بالعقد. نراو طفلة لابسة قصير نبداو نلمحو باش نحشموها على روحها. نراو زادة وحدة منتقبة نبداو نڨحرولها تقول ڨاتلة روح. الصبر ناقص برشة“.
في الختام، تبرز هذه الشهادات أن الوضع لم يعد يحتمل، إذ تؤكد هالة قائلة ”وليت نخاف كي نخرج للشارع، نخاف من الناس“ هناك خوف ممزوج بالقهر والإحباط في مواجهة واقع عنيف حَوَّل الأمكنة والأشياء إلى فضاءات خطرة على المرأة وجسدها في تونس. في غياب التربية الجنسية السليمة، الإحاطة النفسية لمرضى اضطراب الإفراط الجنسي، و سيطرة الحجج الدينية والفولكلورية في التثقيف الجنسي، بلغ هذا التحول الخبيث مرحلة الإنبثات داخل المجتمع الذكوري في تونس حيث أصبحت وقائع وجرائم التحرش والإغتصاب واقعا معتادا عليه، تتصدره العناوين لفترة كفيلة بإضافة تراكم جديد على واقع يومي متورم يُقال أنه بلغ حد استباحة العقل والعرض. لا تستطيع بناء أي تصور مجتمعي أو نهضة إقتصادية إذا كان التوجس والعنف هما الصفات الغالبة على علاقة التونسية بالتونسي.
حلو التطرق لمثل هذا الموضوع لكن كان بالامكان تجنب قول كتابة الكلام السافه مع اعطاء راي نواة في الموضوع المطروح