أمتعة الطالبات في رواق المبيت الجامعي “هارون الرشيد” بميتيال فيل (تونس العاصمة) اثر قرار غلقه في أكتوبر 2015

مع اقتراب انطلاق السنة الجامعيّة، أعلن الاتحاد العام لطلبة تونس في 12 سبتمبر الجاري عن سلسلة من التحرّكات والاعتصامات أمام دواوين الخدمات الجامعيّة انطلاقا من يوم الخميس 13 سبتمبر 2018، “من أجل افتكاك حق الطلبة في السكن الجامعي والصحة في المبيتات الجامعية والخدمات المقدمة في كل تمظهراتها” حسب ما جاء في البيان الصادر عنه. تصعيد برّره الاتحاد العام لطلبة تونس بما أسماه “غياب الإرادة الحقيقية في تحسين وتطوير الخدمات الجامعية” وتواصل تردي أوضاع المبيتات والمطاعم وانخفاض نسبة الإيواء. مواجهة لم تكن الأولى بين الطلبة ووزارة التعليم العالي، لتتحوّل إلى ما يشبه المعركة السنويّة المعتادة قبيل انطلاق الموسم الدراسيّ أمام عجز سلطة الإشراف عن تقديم حلول جذريّة لتحسين الإيواء الجامعي، الذّي تعكس الأرقام المنشورة من قبل الوزارة نفسها حجم المعاناة التّي يعيشها الطالب سنويّا لافتكاك حقّه في سرير ومكتب للدراسة.

معضلة المركزة ومحدوديّة الإستيعاب

تشير الإحصائيّات الصادرة عن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي سنة 2016، بعنوان “التعليم العالي والبحث العلمي في أرقام”، إلى حجم العجز المسجّل في برنامج الخدمات الجامعيّة وبالخصوص على مستوى الإيواء الجامعي. ومع تسجيل 49 ألف طالب جديد سنة 2016، تشير الأرقام الواردة في الدراسة المذكورة إلى أنّ نسبة الإيواء لم تتجاوز 19.7% من مجموع الطلبة المحتاجين للسكن الجامعيّ، وبمتوسّط معدّل نموّ بلغ 2.6% منذ سنة 2010. هذه النسبة المنخفضة تعكس في جانب منها وجها آخر لمعاناة الطلبة، إذا ما قورنت بمعدّلات التضخّم السنويّة في أسعار الإيجار والتّي بلغت في تلك السنة 7.6%. مشاكل الإيواء الجامعي، لا تنحصر في محدوديّة طاقة الإستيعاب فحسب، بل تشمل جودة الخدمات المقدّمة في الأحياء والمبيتات الجامعيّة. حيث لا تتجاوز نسبة مؤسسات السكن التّي توفّر خدمات طبيّة متكاملة 33.68%، كما تبلغ نسبة العجز في المؤسسات المنتفعة بالتغطية الصحية لفائدة الطلبة 25.26%، أمّا على صعيد الإحاطة النفسيّة فلا تتجاوز نسبة المنشآت المخصّصة للإيواء الجامعي التّي تقدّم هذه الخدمة 17.9%.

هذا الوضع ينسحب على منظومة الإطعام الجامعي، على مستوى الجودة بالأساس، حيث تشير احصائيّات ميزانيّة وزارة التعليم العالي لسنة 2018 أنّ نسبة الأعوان المختصین في الطبخ بالمطاعم الجامعیة لم تتجاوز سقف 40% في حين بلغ عدد المطاعم الجامعيّة المطابقة للمواصفات والمعايير 14 مطعما من إجماليّ 74 مؤسّسة ضمن منظومة الإطعام الجامعي التّي تخضع لإشراف دواوين الخدمات الجامعيّة، أي بنسبة لا تتجاوز 18.91%.

العجز الفادح في قدرة الإستيعاب في منظومة الإيواء الجامعي يرجع في جزء منه إلى الإختلال الجهوي في توزيع المؤسّسات التعليميّة الجامعيّة على امتداد البلاد التونسية. حيث تفيد أرقام مكتب الدراسات والتخطيط والبرمجة التابع لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي إلى تمركز 106 مؤسّسة جامعيّة في تونس الكبرى من إجمالي 274 مؤسّسة جامعيّة، في حين تستأثر ولايات الوسط الشرقي (الساحل) بـ51 مؤسّسة تعليميّة جامعيّة. لتبلغ نسبة تمركز الجامعات 38.68% بولايات تونس الكبرى و18.61% بالوسط الشرقي، لتكون المحصّلة تواجد 57.29% من المنشآت التعليميّة الجامعيّة في الشريط الشماليّ الشرقيّ للبلاد. رقم يفسّر بدوره اختلال توزيع المبيتات والأحياء الجامعيّة، حيث تتركّز 55.8% من الأحياء الجامعيّة و72.18% من المبيتات الجامعيّة على نفس الشريط الجغرافي.

التنمية والتطوير ليستا أولويّة

على الرغم من تطوّر ميزانيّة وزارة التعليم العالي بين سنتي 2017 و2018 بنسبة 8.08% لتنتقل من 1361.852 مليون دينار إلى 1481.694 مليون دينار، إلاّ أنّ تفاصيل توزيع النفقات يتطابق مع ما جاء في بيان الاتحاد العام لطلبة تونس من “غياب الإرادة الحقيقية في تحسين وتطوير الخدمات الجامعية”. إذ لم تتطوّر نسبة نموّ ميزانيّة برنامج الخدمات الجامعيّة سوى بـ1% وهي التّي تمثّل 22.68% من إجماليّ ميزانيّة الوزارة بقيمة جملية تناهز 336109 دينار. وبحسب برنامج الموازنة العموميّة لوزارة التعليم العالي لسنة 2018، تستأثر نفقات التصرّف بـ94.16% في حين لم يتمّ تخصيص سوى 19600 دينار كنفقات تنمية، وهو ما يمثّل 5.83% من ميزانيّة برنامج الخدمات الجامعيّة.

ترتيب الأولويّات في صرف الموازنة العموميّة للوزارة يدل على اختلال واضح على مستوى تناسق تطوّر المؤسّسات الجامعيّة ومرافقها. فبينما تطوّر عدد المؤسّسات الجامعيّة بين سنوات 2011 و2017 بنسبة 27.37%، فإنّ نسبة الإيواء لم تتطوّر خلال نفس الفترة سوى بنسبة 2.6%. هذه الأرقام التّي نشرتها وزارة التعليم العالي سواء عبر دراسات مختصّة أو في طيّات موازناتها الماليّة، تفسّر في جانب كبير منها أحد أسباب الأزمة التّي يعيشها قطاع التعليم العالي والطلبة بالخصوص الذّين أصبحوا، نتيجة عجز المرافق العموميّة عن توفير أدنى حقوقهم على غرار السكن والأكل، ضحايا سماسرة العقّارات والإيجار في بلد يشهد تضخّما ناهز 7% خلال السنوات الثلاث الأخيرة. واقع أدى إلى تهميش هذه الشريحة الاجتماعية التي وجد الكثيرون منها أنفسهم مشرّدين على عتبات دواوين الخدمات الجامعيّة.