عاد الجدل مجدّدا حول نزاهة تقارير الطبّ الشرعيّ في تونس بعد حادثة اختطاف واغتصاب فتاة قاصر تبلغ من العمر 15 سنة بمنطقة قبلاّط التابعة لولاية باجة على يد خمسة أشخاص من بينهم عون أمن. قام المتّهمون الخمسة بالتهجّم على منزل الفتاة وتعنيف والدتها (53 سنة) وجدّتها (80 سنة). تُوفيّت الجدّة يوم 28 أوت جرّاء الاصابات الحادّة التي تلقتها ثمّ لحقتها الأمّ التي توفيت يوم 12 سبتمبر بمستشفى الرابطة. خضعت الفتاة إلى اختبارين كانت نتائجهما متضاربة إذ يفيد الأوّل بأنّها تعرّضت إلى الاغتصاب في حين يفنّد الثاني هذه النتيجة وهو ما اضطرّ السلطات القضائيّة إلى الالتجاء إلى اختبار ثالث بقسم الطبّ الشرعيّ بشارل نيكول برئاسة منصف حمدون. أظهرت نتائج التقرير الثالث أنّ الفتاة القاصر لم تتعرّض إلى أي اعتداء جنسيّ وهو ما أعاد إلى الواجهة الشكوك التي تحوم حول مصداقية تقارير الطبّ الشرعيّ والتي تعدّ ورقة مهمّة يمكن أن تغيّر مجرى الأمور في قضايا وملفّات خطيرة. ليست هذه هي المرّة الأولى التي يُثار فيها الجدل حول قسم الطب الشرعي بمستشفى شارل نيكول بخصوص قضيّة اغتصاب يكون فيها الجناة من السلك الأمنيّ فقد سبق وأن أصدر نفس هذا القسم تقريرا فيما عٌرف وقتها بقضية اغتصاب مريم والتي تحوّلت إلى قضيّة رأي عام، أثبت فيه عدم تعرّضها إلى الاغتصاب من قبل ثلاثة رجال شرطة.
دائما ما تتمّ شيطنة الضحيّة في جرائم الاغتصاب فمريم لم يكفها آنذاك إصدار تقرير يفنّد تعرّضها إلى الاغتصاب بل حاول البوليس وقتها تحويلها إلى متّهمة عندما صرّح الناطق الرسمي السابق باسم وزارة الداخلية خالد طرّوش بأنّ الفتاة كانت في وضع “مخلّ بالحياء وغير أخلاقيّ” وهو ما اعتبرته المنظمات الحقوقية محاولة لتبرير جريمة الاغتصاب والتغطية على الانتهاكات البوليسية. ربّما السؤال الذي يُطرح في هذا السياق هو ما مدى تأثير تقارير الطبّ الشرعيّ في قرار القاضي؟ إجابة على هذا السؤال صرّحت الأستاذة فدوى براهم لنواة، بأنّ حاكم التحقيق هو الذي يأذن بإجراء الفحص الطبيّ وأنّ المعمول به في المحاكم التونسيّة هو الأخذ بعين الاعتبار تقارير الطبّ الشرعيّ التي تكون عادة مفصليّة في العديد من القضايا، مضيفة قولها: “لكنّ القاضي ليس مقيّدا بما جاء في تقرير الطبّ الشرعيّ، يستعين به ولكنّه يحكم حسب وجدانه وتقييمه للأمور. في مرّات عديدة يكون تقرير الطبّ الشرعيّ لصالح المتّهمين لكن المحكمة تحكم بالإدانة وفي حال طلب المتّهم إعادة الاختبار يتمّ إعادته”.
شكوك كثيرة حول مصداقيّة تقارير الطبّ الشرعيّ وخاصّة حول منصف حمدون الذي لم ينكر في تصريحات سابقة أنّ قسم الطبّ الشرعيّ بشارل نيكول كان يتعرّض أثناء فترة حكم بن علي إلى ضغوطات بالتلميح أو التصريح لتزوير التقارير، مهاجما رئيسة المنظّمة التونسيّة لمناهضة التعذيب راضية النصراوي والنائبة سامية عبّو على خلفيّة تصريحات لهما سنة 2015 حول شبهة تواطؤ أطبّاء الطبّ الشرعيّ مع مصالح وزارة الداخليّة في قضايا قتل تحت التعذيب بهدف تبرئة رجال الشرطة. وقد أذنت وقتها النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بتونس 1 بالبحث في شكاية تقدّمت بها إدارة مستشفى شارل نيكول ضدّ النصراوي وعبّو. ظلّ ملف الطبّ الشرعيّ وتورّطه مع وزارة الداخليّة قبل الثورة وبعدها من الملفّات المقبورة التي لم يتمّ البحث فيها بشكل جديّ ودقيق نظرا لارتباط تقرير الطبّ الشرعيّ بجانب علميّ تقنيّ قد يصعب التشكيك فيه أو تفنيده من نفس وجهة النظر. كان قبو وزارة الداخليّة مركزا للتعذيب قبل الثورة وقد مات في بداية التسعينات العشرات من المساجين السياسيّين ولم يصدر تقرير واحد من الطبّ الشرعيّ يثبت أنّ وفاة أحد المساجين كان تحت التعذيب. تعيدنا حالات الموت المسترابة في تلك الفترة الحالكة من تاريخ الدكتاتوريّة إلى قضيّة فيصل بركات الذيّ فنّد تقرير الطبّ الشرعيّ بمعيّة منصف حمدون تعرّضه إلى التعذيب بل وذهب التقرير إلى أبعد من ذلك ليؤكّد، في تواطؤ صريح مع السلطة، بأنّ نبيل بركات تعرّض إلى حادث مرور أدّى إلى وفاته. تزايدت الشكوك حول مصداقيّة تقارير الطبّ الشرعيّ سنة 2013 على خلفيّة الوفاة المسترابة لوليد دنقير البالغ من العمر 32 سنة والذي توفّي بعد إيقافه من قبل إحدى الفرق الأمنيّة في أقلّ من ساعة، وقد سجّلت عائلته وجود آثار تعذيب على جثّته، لكنّ تقرير الطبّ الشرعيّ فنّد وفاته بسبب التعذيب وأكّد أنّه توفيّ نتيجة إفراط في استهلاك مواد مخدّرة. ليس وليد دنقير الوحيد الذي أثارت وفاته الشكوك حول تقارير الطبّ الشرعيّ فالأسماء كثيرة من بينها علي اللواتي.
تحوم شبوهات حول ظروف وملابسات وفاة السجين علي اللواتي يوم 25 سبتمبر 2014، أصيل منطقة حمّام الأنف والبالغ من العمر 27 سنة. التقينا بوالدته زكيّة والتي أكّدت لنا أنّ ابنها توفيّ بسبب التعذيب قائلة: “في كلّ مرّة أزور فيها ابني ألاحظ عليه علامات ضرب على وجهه ودائما ما كان يشتكي من سوء المعاملة والعنف الذي يتعرّض له من قبل أعوان الشرطة. اتصلت براضية النصراوي وطلبت منها أن تتدخّل لنقل ابني من السجن المدني ببرج العامري فتقدّمت بشكاية إلى إدارة السجون لكنّ شيئا لم يتغيّر بل بالعكس قاموا بتهديده وضربه أكثر من مرّة”. تصمت زكية قليلا وتواصل حديثها: “قضّى ابني ثلاث سنوات في السجن وتوفي قبل انتهاء مدّة حكمه بأيّام قليلة”. يكتنف الغموض ظروف وفاة علي اللواتي الذي أكّدت لنا والدته بأنّ جثته كانت تحمل آثار عنف شديد خاصّة على مستوى الجمجمة إلى جانب كسر في الفكّ السفليّ والرقبة لكنّ تقرير قسم الطب الشرعيّ بشارل نيكول أفاد بأنّ نتيجة الوفاة كانت بسبب حقنة متعفنة. أصدرت المنظمة التونسيّة لمناهضة التعذيب بيانا بتاريخ 30 سبتمبر 2014 حول وفاة علي اللواتي المسترابة طالبت فيه السلطات القضائيّة بفتح تحقيق جدّي وسريع وتتبّع كلّ من يثبت تورّطه في وفاة الضحيّة، لكن الملف حُفظ ولم تقدر زكية على تتبّع القضيّة بسبب ضعف إمكانياتها الماديّة.
يتواصل التعذيب داخل السجون ومراكز الإيقاف وتتواصل معها حالات الموت المستراب في ظلّ غياب منظومة قانونيّة ردعيّة تحاسب الجلاّدين، فالقانون التونسي لا يجرّم التعذيب بهدف العقاب وهذه الثغرة كانت ومازالت منفذا للإفلات من المحاسبة خاصّة مع بقاء شكاوي التعذيب في مستوى البحث الابتدائيّ دون إحالتها إلى قاضي التحقيق ومن بعدها إلى المحكمة.
عن أي ثورة نتحدث يحدث إذا !!!
لم هذا التطبيع مع أخطر عدو لكرامة الإنسان في تونس
ماذا يعني أن يقتلني بوليس في مركز احتجاز ثم يقال لأمي المكلومة طير قرنك والا انبح على طيارة لأن البوليس شيطان مقدس !!!
لا و زادوا حلولهم حوانت النقابة ليتخذوا منها حصانة ارهابية و يريدون قانون يحميهم
يحميهم من من !!!
اعتقد أن كارثة الداخلية استفحلت و ربما فات الأوان لإلجامها بعد أن خسرت النفس الثوري فرصة اعادة هيكلتها يوم كانوا مختبئين كالفئران في جحورهم
اعتقد أن الإشكال ليس في الثغرات القانونية بل في ثقافة التعذيب الممنهج في صميم أجهزة الدولة
يبقى الأخطر هو التطبيع معها