المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة

عكست هذه النتائج تخبط الحياة السياسية في تونس وجسّدت هواجس المجتمع التونسي، ورؤيته وتطلعاته التي تتجلى في اللهث وراء القوت اليومي وتحسين أوضاع المعيشة من سكن وصحة وغذاء. شواغل ارتكزت عليها الحملة الإنتخابيّة لنبيل القروي. أما بالنسبة للمرشح الرئاسي قيس سعيد الذي يجسد هاجس القضاء على الفساد السياسي وتقديم تصور جديد للممارسة السياسية بعيدا عن التركيبة المكوّنة من الأحزاب الموجودة حالياً أو “النظام القديم” معبّرا من خلال هذه الأفكار عن رغبة أغلب التونسيين.

وفي خضم هذا الصراع الانتخابي، ومن خلال التمعن في شخصيات المترشحين، يمكن لنا أن نستخلص الفوارق بين الشخصين.

فبالنسبة للمرشح نبيل القروي، وبالرغم من وجوده في وضعية قانونية متشعبة وغير مألوفة، إلا أنه شخصية واضحة سلّط على نفسه الضوء بكثرة ظهوره الإعلامي، ولعل ذلك قد مكنه من التقاطع مع الفئة التي تبحث عن عن تغيير واقعها، والتي قد ترى فيه حلا مناسبا أمام انهيار المقدرة الشرائية للمواطن والارتفاع المجحف للأسعار. ولئن تباينت الآراء حول الأشخاص الذين قاموا بانتخاب القروي، حتى وصل الأمر ببعضهم إلى نعتهم بالجهل، إلا أن هذه البراغماتية التي حكمت اختيار مئات الالاف من التونسين لا تقاس بمقدار الجهل والمعرفة، ولكن قد تجد ما يبررها في ظل انعدام الأمل في التغيير لدى المواطن البسيط.

أما بالنسبة للمرشح الثاني قيس سعيد، المتحصل على أكثر عدد من الأصوات ، فيبدو على النقيض من نبيل القروي، قليل الظهور الإعلامي. إذ أنه حتى لم يسع إليه. ولعل هذا الغموض المحيط بشخصيّته كان حجر الأساس في صنع هذه الظاهرة. ويمكن القول أن قيس سعيد كان انعكاسا للتطلعات والتوقعات المجتمعية أكثر من أن يكون شخصا سعى بنفسه لتشكيل الصورة التي نعرفها عنه، فهو يجسد أحلام الشباب التونسي المتمثلة في الانتقال الديمقراطي واستكمال الثورة ومحاربة الفساد والقطع مع الماضي وحتى تغير النظام السياسي من خلال تقديم مبادرات للتنقيح الدستور. أمّا عن سبب غيابه عن الظهور الإعلامي، فيعود إلى ضبابية العائلة السياسية التي ينتمي إليها، فهو خليط غير مألوف بين المحافظة على القيم المجتمعية الإسلامية وبين رفض الحريات الفردية والمساواة بين المواطنات والمواطنين. ولعل هذا ما يفسر حتماً حصوله على أصوات شريحة كبيرة من الشباب بين سنّ 18 و25 والذين التقوا معه على أرضية معارضة منظومة الحكم رغم تأرجحه بين الهووي والسياسيّ.

وبدراسة برامج كلٍ من المترشحين نبيل القروي وقيس سعيد، يمكن القول بأنهما يلتقيان في فكرة لا معقولية واستحالة تحقيق الوعود الانتخابية. حيث أن المترشحين أطنبا في إطلاق التعهدات سواء بالتغيير الجذري للنظام السياسي أو بالقضاء على الفقر، في انفصال تام عن إمكانية تحقيق ما يطرحانه على أرض الواقع. وهو ما يبرز التماهي الشعبوي اللامحدود في خطاب المترشحين.

من المؤكّد أن فوز نبيل القروي في الدور الثاني لن يضع حدّا للفقر والتهميش وغياب العدالة الإجتماعية، ولن يتغيّر النظام السياسي في تونس بجرّة قلم، وتحويل البلاد لنظام أشبه للفدرالية لن يكون سهلاً أو حتى مجدياً في ظل الواقع السياسي الذي نعيشه. ولئن كان الغموض وقلّة الظهور الإعلامي أحد أسباب نجاح قيس سعيد وارتقائه للدور الثاني، إلا أن المرحلة القادمة ستستوجب خروجه للأضواء وهو ما سيكون كفيلاً بإبراز الحقيقة.