في منظومة الحكم غير المتجانسة، تحيل كثير من المؤشرات الى أن أحزاب التيّار الديمقراطي وحركة الشعب وتحيا تونس ستعاني من قلّة تجربة الحكم، وخاصّة الحزبين الاوّلين، وأن حركة النهضة ستحاول توريط هذه الأحزاب ليكون مصيرها شبيها بمصير حليفيها في الترويكا سنة2011، حزبي التكتّل والمؤتمر. أمّا في جبهة المعارضة فإن ائتلاف الكرامة أثبت خلال جلسة منح الثقة لحكومة الفخفاخ، أنّه لا يتقن العزف خارج جوقة النهضة. وأغلب الظن أن قلب تونس لن يحمل من المعارضة في المستقبل غير لجنة المالية، في حين يتّجه الدستوري الحر إلى إعادة تركيب المنظومة القديمة ليكون منافسا جدّيا.
النهضة على اليمين
تبرز حركة النهضة من خلال نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة القوّة السياسية الأبرز (54 نائبا). وعلى الرّغم من التراجع الكبير الذي شهدته الحركة منذ الثورة الى الان فهي تظلّ اللاعب الأساسي، رغم تحصّلها في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي سنة 2011 على مليون و500 ألف صوت وتقهقرها إلى حدود550 الف صوت فقط في انتخابات 2019. وتستمدّ حركة النهضة قوّتها وأسباب استمراريتها من عدّة عوامل، أوّلها أنّها حركة عقائدية تحافظ على رصيد من المناصرين الدائمين مهما كانت مواقفها، وثانيا لأن الحركة ارتبطت إلى حدّ كبير بمؤسسها راشد الغنّوشي، ليس فقط باعتباره مرجعية دينية وسياسية، وإنّما، وأساسا لأن راشد الغنوشي هو من يتحكّم بالماكينة التنظيمية والمالية للحزب، وثالثا لارتباط الآلاف من المنتسبين لحركة النهضة اجتماعيا وماليا، ما يجعل مصلحتهم في دعمها ضرورة لاستمراريتهم، ورابعا أن الحركة استطاعت من خلال تواجدها في الحكم منذ سنة 2011 ان تزرع آلاف المنتسبين في الإدارة، وبالتالي فان مصالح هذا الجيش مرتبطة عضويا بحركة النهضة ومواصلتها في الحكم.
التيّار وورطة الحكم
من جهته يبدو أن حزب تحيا تونس الحليف السابق لحركة النهضة، وشريكها الحالي في الحكم (رغما عنها)، يخسر أهم نقاط قوّته بمغادرة زعيمه يوسف الشّاهد سدّة الحكم. باعتبار أن تحيا تونس، مثل سلفه نداء تونس، لم يتأسس على أسس أيديولوجية ولا على برنامج حكم، وإنما تأسس حول الرغبة في الانتفاع من الحكم، لذلك من المرجّح أن يتجه الحزب نحو نفس مصير النداء. بنى التيّار الديمقراطي سمعته على صورة المعارضة الشرسة في مقاومة الفساد، وبتولّي زعيم الحزب محمد عبو لحقيبة الإصلاح الإداري ومكافحة الفساد، إضافة الى تولي قيادات الصف الأول مثل غازي الشواشي ومحمد الحامدي لحقائب وزارية من المرجّح أن التيار سيفقد توازنه خلال الفترة القادمة. فالتيار مثل حليفه حركة الشعب يتقنان المعارضة جيّدا، أما الخروج بأخفّ الأضرار من أعباء الحكم فليس بديهيا.
في المعارضة يتصدّر قلب تونس المشهد ( 38 نائبا)، وعلى الرّغم من أنه صوّت في نهاية المطاف ضدّ منح الثقة لحكومة الفخفاخ، إلاّ ان مسار المشاورات قبل منح الثقة، أثبت أنه حزب غير متماسك، وتشقّه عديد الخلافات. ومثل تحيا تونس الذي ارتبط بالشاهد، ارتبط قلب تونس بشخص نبيل القروي، الذي تلاحقه تهم فساد وتبييض أموال، ولا يستند هذا الحزب إلى رؤية سياسية او أيديولوجية. وصوّت قلب تونس لصالح تولي راشد الغنّوشي لرئاسة البرلمان، في المقابل استمات هذا الأخير في تشريك نبيل القروي وحزبه في حكومة الفخفاخ والمرجّح أن مصير قلب تونس مرتبط إلى حدّ كبير بمصير الملف القضائي لرئيسه نبيل القروي.
إعادة بناء النظام القديم
في المقابل استطاعت عبير موسي أن تمحو الصورة التي ارتبطت بحزبها باعتباره وريث حزب التجمّع المنحل. وعوض الحزب المرتبط بالدكتاتورية وبالحزب الواحد والاستبداد والفساد، والمنظومة القديمة التي قامت ضدها ثورة شعبية، روّجت لصورة القوّة السياسية البديلة للاسلام السياسي، وحزب الدولة الاحترافية في مواجهة دولة الهواة. وقد ساعدتها على ذلك حركة النهضة التي أرادت من جهتها إحياء خطاب المظلومية وتصوير موسي وحزبها كقوة استئصالية وإقصائية تريد اعادة الإسلاميين الى السجون.
وعلى عكس عديد الكيانات السياسية التي ادّعت أنها وريثة ما سمّي بالعائلة الدستورية، فإن حزب عبير موسي استطاع أن يملأ فراغات عديدة كان يشغلها الباجي قائد السبسي وحاول تعبئتها يوسف الشاهد وحزبه قبل الانتخابات. وتشير استطلاعات الرأي إلى التقدّم الكبير في نوايا التصويت لموسي وحزبها، ما يجعل من الدستوري الحر مراهنا جدّيا على إعادة بناء الماكينة القديمة، ماكينة التجمّع المالية والبشرية التي لم يتم تفكيكها كما يجب وبذلك سيكون هذا الحزب قوّة حقيقية إلى جانب حركة النهضة في المشهد السياسي التونسي في المرحلة القادمة.
في خطاب منح الثقة أكّد الياس الفخفاخ، في أكثر من مناسبة، أنّه يؤمن ايمانا قاطعا بدور الأحزاب في الحياة السياسية، ويمكن للفخفاخ في المستقبل القريب الاعتماد على التيّار الديمقراطي كحليف نظرا الى القواسم المشتركة التي تجمع بين التيار وما صرّح به الفخفاخ من مواقف في مناسبات كثيرة. ولكن اذا أراد الفخفاخ أن لا يكون مجرّد عابر سبيل، وإذا أراد أن يلعب دورا سياسيا مستقبلا فلا مناص من إطلاق مشروعه السياسي الخاص، هذا المشروع الذي يتقاطع ورغبة رئيس الجمهورية في مواجهة إمكانية تغوّل قوّة حركة النهضة وعودة النظام القديم.
ومازالت المجموعات الافتراضية التي نشطت تحت تسمية الشعب يريد والداعمة لقيس سعيّد تحتفظ بكل إمكانياتها، وولادة مشروع سياسي وسطي له الان أكثر من مبرر، لا سيّما بعد أفول أحزاب اليسار ووسط اليسار.
الصدق فى القول والأخلاص فى العمل…صفات أندثرت من الصحافة التونسية منذ عقود…لأنها بنيت على التطبيل لشخص واحد وساهمت فى قوته ومد يده على شعب تواق للحرية…كلكم منافقين وكتابتكم الورقية تتبع سياسة وعصابة معينة تدفع لكم أجوركم وميزاتكم…فلا ضحك على عقول التونسيين أنهم يقضين لكل ترهاتكم الخفية وكما قالها النازى-هتلر-أكذبوا أكذبوا حتى يصدقوكم…ذهب الضمير المهنى والمبادئ وصارت الصحافة سطح ينشر فيه الغسيل ولمن يدفع أكثر…الا من رحم ربك.