صحيح أن السياق في تونس في الوضع الرّاهن يختلف نوعيّا عن زمن الاستبداد. ولكن ما يجري حاليا بمجلس النواب لا يقلّ عبثا. ومنذ انطلاق جلسته الافتتاحية نادرا ما استكمل المجلس جلساته دون سباب وصراخ ينتهي في غالب الأحيان إلى تعليق الجلسات لمدة معينة. وبعد تعطّل جلسة يوم 4 مارس 2020،على اثر تلاسن ومشادات كلامية بين النوّاب، وتم الاتفاق في اجتماع مكتب المجلس على تكوين لجنة تتشكل من عدد من النواب أعضاء مكتب البرلمان للنظر في تنقيح الفصل 131 الذي يحدد إجراءات سير الجلسة العامة في النظام الداخلي.
نقطة نظام
ليست المرّة الأولى التي تتعطّل فيها جلسة برلمانية، وترفع الأشغال أو تؤجّل. وليست المرّة الأولى التي يصل التشاحن إلى حد السباب وتوجيه الاتهامات والتلويح بالعنف، ويبدو أنها لن تكون الأخيرة. فقد بدأت التوترات والمشاحنات داخل مجلس النواب منذ الجلسة الافتتاحية للدورة البرلمانية الحالية يوم 13 نوفمبر 2019، بنقطة نظام حيث اعتبرت موسي أن أداء اليمين في الجلسة الافتتاحية بصفة جماعية غير قانوني وأن الدستور ينصّ على أن ”كل عضو من البرلمان يؤدي اليمين بصفة فردية“. ومنذ ذلك الحين تتالت نقاط النظام لتحيل إلى برلمان لا نظام فيه.
وكانت جلسة يوم 3 ديسمبر الماضي، والمخصصة لمناقشة مشروع قانون المالية التكميلي 2019، شهدت حالة من التشنج والفوضى، بسبب اتهام النائب عن حركة النهضة جميلة الكسيكسي، لعبير موسي وحزبها بأن هناك نواب ”جايين للمجلس كلوشارات، ويحبو يمارسو الباندية”، وذلك في إشارة منها إلى النائب عبير موسي، بعد مداخلتها حول قانون المالية التكميلي لسنة 2019، وتوجهها بالكلام لوزير المالية رضا شلغوم. الأمر الذي أحدث أزمة بعد قيام موسي وأعضاء كتلتها باعتصام داخل أروقة البرلمان للمطالبة باعتذار من حركة النهضة ورئيسها. ويوم 8 ديسمبر قامت موسي بالجلوس على مقعد رئيس المجلس، الأمر الذي أثار حفيظة رئيسة الجلسة سميرة الشواشي واعتبرت ذلك استفزازا قبل أن تطلب منها الابتعاد عن كرسي الرئيس إلا أن عبير موسي رفضت ذلك. الشيء الذي دفع النائبة عن الكتلة الديمقراطية سامية عبو إلى اتهام كتلة الدستوري الحر بتعطيل أشغال المجلس في ظرف حساس يستعد فيه المجلس للمصادقة على ميزانية 2020. ووصفت عبو رئيسة كتلة الدستوري الحر، عبير موسي بـ”الكلوشارة“، قائلة ”أنت تثبتين بتصرفاتك في كل مرة بأنك كلوشارة”. ورفع نواب من ائتلاف الكرامة وحركة النهضة شعار ديقاج في وجه عبير موسي ونواب كتلتها البرلمانية.
وتعطّلت الجلسات في أكثر من مناسبة بسبب مشادّات كلامية واتهامات واتهامات مضادة بين النواب، وأساسا بين عبير موسي والنائبة سامية عبو وأيضا بين موسي والنائبة ليلى الحداد. وفي الوقت الذي دعا فيه بعض النواب إلى تعليق الجلسات إلى حين استكمال النظام الداخلي وفرض النظام في المجلس، ذهب آخرون إلى أن المجلس في صيغته الحالية أصبح خطرا على النظام الديمقراطي، وحاد عن دوره.
”التكفير حكم شرعي“
تدخّل النائب عن ائتلاف الكرامة محمد العفاس بالمجلس في جلسة يوم 3 مارس ليؤكّد ”ان التكفير حكم شرعي لا يجب الخجل منه“.وأوضح العفاس ”الي يقول رأي موش على الكيف يصبح تكفيري وهذا موش معقول وميجيش“، وتابع محمد العفاس ”ما يلزمناش نستعارو من التكفير لانو حكم شرعي“ وأثار هذا التصريح صدمة وفوضى داخل مجلس النواب.
ويذكر أنّ الفقرة الثانية للفصل 6 للدستور التونسي تنصّ على أن ”تلتزم الدولة بنشر قيم الاعتدال والتسامح وبحماية المقدّسات ومنع النيل منها،كما تلتزم بمنع دعوات التكفير والتحريض على الكراهية والعنف وبالتصدي لها”.
ودعا راشد الغنوشي إلى ضرورة تنقيح النظام الداخلي من أجل ضمان حسن سير أشغال مجلس نواب الشعب، وقال ”صبرنا كثيرا تجنبا للوقوع في الفخ الذي نصبه نواب كتلة الدستوري الحر وهو الصدام الجسدي بين النواب“
فشل العمل البرلماني
فشل مجلس النواب منذ سنة 2014إلى حد الآن فشلا ذريعا في أهم دور له وهو تركيز المحكمة الدستورية. وينص الدستور التونسي على ضرورة تشكيل المحكمة الدستورية في أجل أقصاه سنة بعد الانتخابات التشريعية التي تمت في 2014، غير أن الكتل البرلمانية لم تتمكن من انتخاب سوى عضو واحد في مارس 2018 من بين أربعة أعضاء. ولتشكيل محكمة دستورية، كان من المفترض أن يصوت البرلمان على أربعة أعضاء (145 صوت من ضمن 217 نائب) ويعين المجلس الأعلى للقضاء أربعة أعضاء آخرين في حين يعين رئيس الجمهورية الأربعة المتبقين. لكن رغم أن البرلمان عقد عدة جلسات عامةمن أجل ذلك إلا أنه لم يفلح في التوافق بهذا الشأن. وتشمل مهام المحكمة الدستورية 13 اختصاصا من أبرزها مراقبة دستورية القوانين ومراقبة دستورية المعاهدات الدولية، إقرار الشغور النهائي أو المؤقت لمنصب رئاسة الجمهورية. مؤكدا أنها أحد أعمدة النظام السياسي القائم وأن اختصاصاتها ذات صبغة سياسية بالأساس.
ورفض البرلمان يوم الخميس الماضي المصادقة على مشروع قانون أساسي يتعلق بالاتفاق المؤسس لمنطقة التجارة الحرّة القارّية الإفريقية بعد أن فشل في الحصول على عدد الأصوات المطلوبة. واعتبر أنيس الجزيري أمين عام مجلس الأعمال التونسي الإفريقي في تدوينةٍ نشرها على صفحته الرسميةعلى الفايسبوك عن استيائه من رفض البرلمان المصادقة على اتفاقية منطقة التجارة الحرّة الإفريقيّة ووصف ذلك بالضربة الموجعة لصورة تونس في افريقيا وجريمة في حق الشعب التونسي.
هذه الوضعية تطرح سؤالا جدّيا، وهو هل فشل مجلس نواب الشعب في القيام بدوره التشريعي والرقابي، وهل يجب مراجعة دوره كسلطة أصلية؟ وهل يدفع نوّاب الشعب نحو إفشال وإسقاط النظام التمثيلي للتجربة الديمقراطية في تونس؟
للاسف البرلمان الحالي أشبه بحديقة حيوانات
والنواب أغلبهم أصحاب مصالح، وفارّين من العدالة
أخشى أن بلادنا تضيّع الفرصة للالتحاق بالبلدان الديمقراطية