واعترفت جمعية القضاة التونسيين أن الرئيس الأول للمحكمة الإدارية تعمد عدم إعلام الدائرة التي أصدرت الحكم في قضية مروان مبروك والذي أقر بشرعية مرسوم المصادرة، أي الصادر لفائدة الدولة التونسية.

اعتراف جمعية القضاة

وقالت الجمعية في بيان لها، أن الرئيس الأول للمحكمة الإدارية حرص بشكل غير مبرر على عدم إعلام الدائرة التي أصدرت الحكم موضوع الشكاية بأي مطلب من مطالب التلخيص التي وردت بشأنه على إدارة المحكمة وعدم توجيه تلك المطالب للدائرة المتعهدة. كما عمل على إعادة إعلام مصالح وزارة أملاك الدولة خلال شهر جويلية 2018 بالقرار الذي أصدره بتوقيف تنفيذ قرار المصادرة لأملاك مبروك ومطالبة الإدارة بالإذعان لذلك القرار وإرجاع الحالة لما كانت عليه بتمكين رجل الأعمال من استرجاع الأموال المصادرة والتصرف فيها. والحال أنه كرئيس أول للمحكمة على علم مسبق في ذلك التاريخ بصدور الحكم في الأصل بشرعية قرار المصادرة ورفض الدعوى المقامة في طلب إلغائه بما يلغي أي أثر لقرار الرئيس الأول بإيقاف تنفيذ قرار المصادرة.

وأكدت جمعية القضاة التونسيين أن الرئيس الأول للمحكمة الإدارية لم يحرص في مقابل ذلك على إعلام المكلف العام بنزاعات الدولة بأنه يكفي الحصول على شهادة في منطوق الحكم لتنفيذه وإنفاذ مفعول قرار المصادرة باسترجاع الدولة للتصرف في الأملاك المصادرة. وطالبت بناء على ذلك بأن يشمل أي بحث يُجرى في هذا الموضوع “كل هذه الانحرافات الجوهرية بالمسار الاجرائي للقضية”.

بطء أم تواطؤ

أعادت قضية مروان مبروك إلى الواجهة دور السلطة القضائية في ملفّات محاربة الفساد، ومدى استجابتها لأي جهد وطني لمكافحة الفساد وانخراطها فيه. ومنذ 2016، أحالت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد أكثر من 1400 ملف فساد على القضاء لم يتم الحسم إلا في حوالي 10 بالمائة من هذه الملفات. وتقول بعض المصادر داخل الهيئة أنه لا يمكن القيام بحرب حقيقيّة وجديّة على الفساد دون الانخراط التام للسلطة القضائية في هذه الحرب، وأن واقع الحال هو عكس ذلك تماما إذ يسود الاعتقاد بأن هناك حماية من داخل الأجهزة القضائية للفاسدين ورعاية حقيقية للإفلات من العقاب والفساد.

وفي الوقت الذي تعترف فيه الهياكل القضائية المختلفة بالبطء الشديد التي تعرفه قضايا الفساد في المحاكم التونسية، ترجع ذلك إمّا إلى نقص الإمكانيات أو غياب العدد الكافي من القضاة المتخصصين في مثل هذه القضايا، لكن الحكومة تعتبر، من خلال ما عبر عنه الشواشي، أن الأمر يتجاوز نقص الإمكانيات ليصل إلى حد التواطؤ لجهات قضائية مع بارونات الفساد.

من جهته أصدر الرئيس الأول للمحكمة الإدارية عبد السلام المهدي قريصيعة، بيانًا، ردّ فيه على البيان الصادر عن جمعية القضاة التونسيين، واعتبر أن ما ورد في بيان جمعية القضاة “محض افتراء وادعاء لا أساس له من الصحة”. وأنه “خلافا لما ورد في البيان فإنّ قانون المحكمة الإدارية لم يتضمن مطلقا أنه على الرئيس الأول إعلام المكلف العام بنزاعات الدولة بأنه يكفي الحصول على شهادة في منطوق الحكم لتنفيذه وإنفاذ مفعول قرار المصادرة، وبالتالي ليس هناك أي وجه للحرص على القيام بإجراء لم يقتضيه القانون ولم يجر عمل المحكمة عليه”.

وحسب هيئة الحقيقة والكرامة فإن مروان مبروك متورّط في عديد قضايا الفساد المالي والاعتداء على المال العام  وفي انتهاكات متعلقة بالمجال البنكي وهي تشمل الانتفاع بقروض دون ضمانات أو بضمانات وهمية وعدم استرجاع قروض وتمويل مشاريع وهمية وتبييض أموال وغيرها من الانتهاكات. وقد ورد اسم مبروك ضمن قائمة المنسوب إليهم عدد من الانتهاكات في الفساد المالي والاعتداء على المال العام في التقرير الختامي لهيئة الحقيقة والكرامة الذي صدر سنة 2018، مع كل من بلحسن الطرابلسي وصخر الماطري وليلى بن علي ضمن فئة عائلة الرئيس المخلوع.

حكومة الشاهد والتغطية على مبروك

وقدمت حكومة يوسف الشاهد طلبا إلى الاتحاد الأوروبي سنة 2018 لرفع التجميد عن أرصدة المبروك والمقدرة بقيمة 7.454 مليون يورو وإزالة اسم مبروك من قائمة الشخصيات المجمدة أموالهم. وقالت الهيئة أنها تلقت مراسلة من الاتحاد الأوروبي عن طريق الأمم المتحدة بتاريخ 2 مارس 2018 في هذا الصدد وأن الاتحاد الأوروبي طلب منها معرفة إذا ما كان المبروك خاضعًا للعدالة الانتقالية، وقالت الهيئة في ردها أنها اعترضت على “هذه المعاملة التمييزية في رفع العقوبات بشكل استثنائي وبصفة غير مبررة”.

وفي السياق ذاته، أكدت هيئة الحقيقة والكرامة أن مروان مبروك متورّط في انتهاك إضافي متعلق بالفساد المالي والاعتداء على المال العام متمثل في استرجاع أسهمه في شركة “أورونج” رغم قرار المصادرة وتم ذلك بامتياز من لجنة التصرف في الأملاك المصادرة عام 2013 في الفترة التي كان فيها سليم بسباس وزيرا للمالية وسليم بن حميدان وزيرا لأملاك الدولة.

وتواصل النزاع القضائي بين الدولة التونسية ومروان مبروك لمدة تسع سنوات وتمت خلال هذه الفترة الحصول على أحكام قضائية لفائدة الدولة لكن مبروك واصل استغلالها بصفة عادية بل قام بمساعي لإلغاء قرار المصادرة.

كما صدر في جويلية 2018، 16 حكم مصادرة لفائدة الدولة لكن المحكمة الإدارية ماطلت في استرجاع الدولة لأملاكها، ومد المكلف العام بنزاعات الدولة بنسخة من الحكم لإسقاط كل الأحكام الاستعجالية التي صدرت لفائدته، وتم تكليف هيئة الرقابة للنظر في أسباب التعطيل وهو ما اعتبره وزير أملاك الدولة شبهة تغطية عن المبروك. وأن هذا الأخير له أذرع في مختلف أجهزة الدولة وعلى رأسها الجهاز القضائي.