منذ قرار رفع التّجميد عن ممتلكاته بتاريخ 28 جانفي 2019 إثر مراسلة توجّه بها رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد إلى الاتّحاد الأوروبي، برز ملفّ مروان المبروك كواجهة تُخفي سوء تصرّف أجهزة الدّولة في الأملاك المُصادَرة. فرغم مصادرة أملاكه منذ فيفري 2011 بمقتضى المرسوم عدد 13 لسنة 2011 المتعلّق بمصادرة الأموال والممتلكات المنقولة والعقاريّة، إلا أنّ الدولة التونسيّة لم تتمكّن إلى الآن من وضع يدها على الممتلكات والعقارات والأسهم المُصادرة. إذ لجأ مروان المبروك إلى القضاء الاستعجالي لإيقاف تنفيذ قرار المصادرة على اعتبار أنّ تلك الأملاك لا تؤول إليه مباشرة وإنّما تدخل ضمن محصول الإرث. وهو من بين أسباب التلكّؤ في الفصل بخصوص ملفّ مروان المبروك وفق ما ذكره وزير أملاك الدولة والشؤون العقاريّة خلال جلسة الاستماع بلجنة الإصلاح الإداري البرلمانيّة.

تلكّؤ القضاء في نشر الأحكام

عند لجوء مروان المبروك إلى القضاء الاستعجالي لإيقاف تنفيذ قرارات المصادرة، كانت الأحكام لفائدته حيث مازال إلى الآن يتصرّف في أملاكه وفق ما ذكره غازي الشواشي وزير أملاك الدولة والشؤون العقاريّة. وقد أصدرت المحكمة الإداريّة إلى حدود جويلية 2018 ستّة عشر حُكْما، ولكنّها لم تُنشر إلى الآن. ويُشير وزير أملاك الدّولة صراحةً إلى أنّ هناك من “يُعطّل استخراج نسخ من هذه القرارات” ممّا يعرقل مهمّة المكلّف العام بنزاعات الدّولة حيث لا تتوفّر لديه حجّة في شكل وثيقة مكتوبة تُمكّنه من تنفيذ قرار استرجاع الأموال المنهوبة، موضوع القضايا الاستعجاليّة المنشورة. وقد تولّت هيئة الرقابة العامّة التابعة لوزارة الماليّة مهمّة تفقّدية لتحديد المسؤوليّات وكشف مواطن الخلل الّتي تمنع المحكمة الإدارية من نشر قراراها الباتّة التي لا تقبل الطّعن، والتي سيتمّ بمقتضاها تحويل الأملاك المصادرة إلى خزينة الدّولة التونسية.

في هذا الصّدد، يُحمّل غازي الشواشي صراحةً المحكمة الإداريّة مسؤوليّة التلكّؤ في نشر الأحكام التي تُعدّ أحكاما إداريّة أصليّة صدرت لفائدة الدّولة التونسيّة من شأنها إسقاط الأحكام الاستعجاليّة الّتي يستند إليها مبروان المبروك. “المحكمة الإدارية تُعطّل وتُماطل في نشر هذه الأحكام. كيف يُمكن للقضاء أن يُعطّل أحكاما صادرة عن الدّولة التونسية”؟ هكذا تحدّث الوزير. وتماهيا مع الشعار الّذي طالما رفعه المنتمون إلى حزب التيار الديمقراطي، أكّد الشواشي أنّه “سيتمّ تطبيق كلّ قرارات المصادرة بالقوّة العامّة واسترجاع الدّولة لكلّ العناصر التي تمّت مصادرتها. ما من أحد فوق القانون خاصّة من خلال الحُكم الإداري الّذي يُسقط كلّ الأحكام الاستعجاليّة”. وكان هذا التّصريح كفيلا بأن يُعيد من جديد ملفّ الأموال المنهوبة والأملاك المُصادرة من جديد إلى طاولة النّقاش، خاصّة مع إعلانه إحداث لجنة متكوّنة من عديد الوزارات بما فيها وزارة الداخليّة وذلك بهدف استخدام القوّة العامّة لاسترجاع أملاك هذا الشخص وغيره من أراضٍ وأسهم وشركات وأصول تجاريّة.

التفويت في أسهم شركة “أورنج” بين القضائي والسياسي

أشار وزير أملاك الدّولة لدى حضوره في البرلمان إلى التداخل بين السياسي والقضائي في التّعاطي مع مسألة استرجاع الأموال المنهوبة وتنفيذ الأحكام المتعلّقة بالأملاك المُصادَرة خاصّة فيما يتعلّق بقرار رفع تجميد أموال مروان المبروك في دول الاتّحاد الأوروبي من بين 48 شخصا اتُّخذت في شأنهم إجراءات تحفّظية في تلك المنطقة. وحسب ما ذكره الهادي الماكني وزير أملاك الدّولة والشؤون العقارية السابق في حكومة يوسف الشاهد خلال جلسة عامّة انعقدت بتاريخ 18 فيفري 2019 فإنّ مروان المبروك قد استصدر حُكما من قاضي السجلّ التجاري لترسيم اسمه كممثّل قانوني لشركة أورنج، وذلك بعد رفع الائتمان العدلي على ممتلكاته وحصوله على حكم يقضي بإيقاف تنفيذ قرار المصادرة.

بالعودة إلى تفاصيل الملفّ فإنّ صهر الرّئيس الأسبق كان يمتلك 51% من شركة أورنج تونس 2011، مقابل 49% للشريك الفرنسي أورنج فرنسا، وذلك منذ سنة 2009. وخلال تلك الفترة كان هناك اتّفاق بين الشّريكين التونسي والفرنسي يقضي بالتّفويت في نسبة 16% من رأس مال شركة أورنج تونس لفائدة أورنج فرنسا. وعندما تمّت مصادرة أسهمه في فيفري 2011، حلّت الدّولة محلّ مروان المبروك في امتلاك في تلك الأسهم، لكنّها لم تتمكّن من التصرّف فيها بمقتضى أحكام القضاء الاستعجالي. ومن ناحية أخرى لا يُمكن للشّريك الفرنسي أن يعقد صفقات أو يُبرم شراكات مع أشخاص معنيّين بإجراءات تحفّظية مثل مروان المبروك. فتمّ رفع التجميد على ممتلكاته خارج تونس حتّى يتمكّن من إبرام هذا الاتّفاق.

وقد تقدّمت منظمة أنا يقظ بشكاية لدى وكيل الجمهورية بتاريخ 7 جانفي 2019 ضدّ رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد الّذي تدخّل لدى الاتحاد الأوروبي لرفع قرار تجميد أموال مروان المبروك، فيما دافع وزير أملاك الدّولة السابق الهادي الماكني المنتمي إلى حزب يوسف الشاهد “تحيا تونس” عن قرار رفع التجميد على اعتبار أنّه سيخلق ثروة لفائدة الدولة التونسيّة تُقدَّر بـ160 مليون دينار تُوجّه لخلاص الدّيون.