بعد إضراب الأساتذة النوّاب والمرشدين الاجتماعيّين واعتصام المعطّلين عن العمل بالقصرين في ساحة القصبة، دخل اتّحاد الدكاترة المعطّلين عن العمل على خطّ المواجهة مع الحكومة للمطالبة بإلحاق الطّلبة المتحصّلين على شهادة الدّكتوراه بالجامعات كمدرّسين أو كباحثين. وخلافا لاعتصام الأساتذة النوّاب واعتصام 2016 الّذي يخوضه المعطّلون عن العمل بجهة القصرين، لم يتمّ إمضاء اتّفاق بين المحتجّين ووزارة الإشراف. ولكن يبدو أنّ اعتصام الدكاترة المعطّلين عن العمل خطوة أولى لإحراج الوزارة ودفعها نحو إيجاد حلول لتشغيل ما يُناهز 4000 متحصّل على شهادة دكتوراه في اختصاصات مختلفة والقطع مع التشغيل الهشّ، وفق ما صرّح به صابر الناصري النّاطق الرّسمي باسم اتحاد الدكاترة المعطّلين عن العمل لنواة.

يصف الناصري التفاوض مع الوزارة بأنّه “كاريكاتوري” لا يرتقي في نظره إلى الجدّية المطلوبة الّتي تستجيب إلى تطلّعات الدّكاترة. ورغم ذلك، أبدى استعداده لاستكمال التفاوض مع سلطة الإشراف. “لسنا عدميّين. قدّمنا حلولا ولكنّ الوزارة لا تستجيب. قد تجاوزنا البعد المادّي لمعضلة تشغيلنا، ونعلم أنّ الوزارة مُكبّلة بإملاءات صندوق النّقد الدّولي (في إشارة إلى غلق باب الانتدابات في القطاع العمومي) ولكنّ المسألة الآن أصبحت أخلاقيّة بالأساس. فهل يُعقَل أن يكون المتحصّلون على شهادة الدكتوراه عاطلين عن العمل؟ الدّولة لا تهتمّ بالبحث العلمي”. يحدّثنا النّاطق باسم الدّكاترة المعطّلين عن العمل. كما يُطالب النّاصري ومجموعة المعتصمين بتوفير ضمانات لتأمين مواطن شغل لائقة سواء في التعليم العمومي أو الخاصّ طبقا لكرّاس شروط، رغم تحفّظاتهم على القطاع الخاصّ. “كانت لنا تجارب سيّئة مع التعليم الخاصّ الّذي يُمثّل منظومة “بورجوازيّة” مُخلّة بكرّاسات الشّروط. نحن لا نرفض رفضا قاطعًا الانخراط في منظومة التعليم الخاصّ، ولكن مع توفير الضمانات لعدم النّيل من حقوقنا الماديّة والمعنوية”، يُضيف الناطق الرسمي باسم اتحاد الدكاترة المعطّلين عن العمل.

وبخصوص مقترح القانون الّذي صادقت عليه لجنة الشباب والتربية والبحث العلمي داخل البرلمان المتعلّق بالتشغيل الآلي لمن طالت بطالتهم أكثر من عشر سنوات، يعتبر الناطق باسم الاتّحاد أنّ الدكاترة المعطّلين عن العمل غير مشمولين بهذه المبادرة، مُطالبا بإحداث إطار تشريعي خاصّ بهم إزاء ما أسماه “عطبًا قانونيًّا”. ولئن بدا مُرحّبا بالأمر الحكومي المُرتقَب المتعلّق بإحداث خلايا بحث تطبيقي وتطوير داخل الوزارات والبلديّات والمؤسّسات الاقتصاديّة، فإنّه لم يُخفِ تحفّظه إزاء طاقة استيعاب هذه الخلايا من ناحية، وعدم التزام الدّولة صراحة بتأمين مواطن شغل للمتحصّلين على شهادات دكتوراه من ناحية أخرى.

وسعيًا من السّلطتَين التنفيذيّ والتشريعيّة لإيجاد حلول للدكاترة المعطّلين عن العمل، أكّد رئيس لجنة الشباب بالبرلمان بلقاسم حسن في اتّصال له مع نواة أنّ وزارة التّعليم العالي بصدد إعداد مشروع قانون بالتنسيق مع اللجنة البرلمانيّة بخصوص تشغيل الدّكاترة المعطّلين عن العمل، الّذين سبق وأن تمّ الاستماع إليهم. وذكر رئيس اللجنة أنّ مطالب الدكاترة مشروعة وأنّ مساعي سلطة الإشراف لإيجاد حلول لهم جدّية، خاصّة وأنّ وزارة التعليم العالي اقترحت تشغيل المتحصّلين على شهادة الدّكتوراه في القطاع العامّ والقطاع الخاصّ وفي قطاع الاقتصاد الرّقمي. وفي تفاعله مع هذه المبادرة قال النّاطق باسم اتّحاد الدكاترة المعطّلين عن العمل “وزارة التعليم العالي تتعامل مع ملفّنا وكأنّنا نريد فتح محلّ لبيع الموادّ الغذائيّة. الأمر ليس بسيطا إلى هذا الحدّ. إحداث مشاريع خاصّة في إطار المؤسّسات النّاشئة يتطلّب موارد ماليّة هامّة لا يمكننا توفيرها.”

وأضاف رئيس لجنة الشباب بالبرلمان أنّ هناك عدّة مبادرات تشريعيّة بصدد النقاش داخل اللجنة تشمل مختلف أصناف الشهادات العليا من إجازة وأستاذيّة وماجستير ودكتوراه، منها مبادرات تشريعيّة أخرى تُعنى بتشغيل من فاق عمره 35 سنة، وتشغيل فرد من كلّ عائلة فيها عاطلون عن العمل أو حاملون لإعاقة.

وفي اتصال له مع نواة، أفاد حبيب فطحلي المستشار لدى وزير التعليم العالي أنّ هناك إشكالا تشريعيّا جعل توظيف الدّكاترة صعبا إلى حدّ ما. ففي بعض الدّول تفوق نسبة تشغيل الدّكاترة في المؤسسات الاقتصاديّة 95%، فيما يتمّ توزيع البقيّة على الجامعات. ولكنّ الوضع في تونس يختلف، حيث يسعى المتحصّلون على شهادة الدّكتوراه إلى الحصول على وظائف صلب الجامعات أو في القطاع العامّ فيما لا يتمّ التوظيف عبر المؤسسات الاقتصاديّة. “أبرمنا الأسبوع الماضي اتّفاقا مع اتّحاد الصناعة والتّجارة والصناعات التقليديّة بهدف الانفتاح أكثر على القطاع الخاصّ والشركات بهدف الزيادة في القيمة المُضافة. مكان الأساتذة هو المؤسّسات من أجل الاستثمار في اقتصاد المعرفة، وهو ما سيفتح المجال للمتحصّلين على شهادة الدّكتوراه لخدمة الصناعة الوطنيّة”.

أمّا بخصوص مشروع الأمر الحكومي، فهو يتعلّق ببعث خلايا بحث على مستوى مؤسّسات الدّولة من وزارات وبلديّات ومؤسّسات اقتصاديّة، يُشرف عليها المتحصّلون على شهادة الدكتوراه حتّى يتمّ إدماجهم في الدورة الاقتصاديّة. “هذه الخلايا تعمل على التواصل مع مخابر البحث في الجامعات حتّى لا يكون التكوين نظريّا فقط، بل يتمّ توجيهه وفقا لاحتياجات الدّولة”.

أمّا بالنسبة إلى الاختصاصات الّتي يكون فيها الانتداب ضعيفا مثل الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا، فقد اعتمدت الوزارة برامج مرافقة حتّى يتمّ تأهيل الكفاءات العلميّة وفقا لما يستحقّه الاقتصاد التونسي، مثل نقل التكنولوجيا ومراقبة التقنيّات الحديثة. يقول مستشار وزير التعليم العالي في هذا السياق: “طلبة الدكتوراه هم أبناء هذا البلد. يجب أن يكونوا صانعين للثروة ونواة لاقتصاد المعرفة. نحن نتفهّم أنّ الدّكاترة قد استُنزِفوا بسبب انتظار فُرص التشغيل. ولكن يجب أن تتغيّر العقليّات وأن تتوجّه نحو القطاع الخاصّ”.