حتى الفنان البريطاني الغامض بانكسي، لو تسنى له متابعة أشغال البرلمان التونسي، لعجز عن رسم لوحة شبيهة بتحفته الفنية الشهيرة ”برلمان القردة ” التي قال عنها نقاد الفن المعاصر إنه ”ما من شك في أن الصورة لها مصداقية كبيرة، ليس في بريطانيا فحسب، بل وفي أوروبا وخارجها، وتبرير ذلك هو الانحدار نحو السلوك الحيواني القبلي بين السياسيين”.
حكومة مستقيلة وعرائض سحب ثقة
المشهد الحالي لم يتوقعه أي متابع للشأن السياسي في تونس التي تشهد أزمة سياسية غير مسبوقة في ظل استقالة رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ وإيداع عريضتين بمكتب مجلس نواب الشعب، الأولى لسحب الثقة من رئيس الحكومة والثانية لسحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي التي أودعها 73 نائبا من كتل مختلفة ونواب مستقلين.
هذا الواقع سياسي أفرزته انتخابات أكتوبر 2019 ودستور 2014 ، إلا أن هذا الوضع سيظل سائدا ما لم يقع تنقيح القانون الانتخابي ومراجعة النظام السياسي المنصّص عليه في دستور 2014.
احتلال البرلمان
خلال يومين فقط، عمد عدد من نواب الحزب الدستوري الحر برئاسة عبير موسي إلى احتلال قاعة الجلسات بمقر مجلس نواب الشعب الرئيسي لمنع رئيس المجلس راشد الغنوشي من اعتلاء منصة الرئاسة مجددا ليدخلوا إثرها في اعتصام مفتوح، ويتقرر إثرها تغيير مقر انعقاد الجلسة العامة المخصصة لانتخاب 4 من أعضاء المحكمة الدستورية من المبنى الرئيسي إلى المبنى الفرعي أي مقر مجلس المستشارين سابقا.
هذا القرار لم يثن عددا من نواب كتلة الدستوري الحر بزعامة عبير موسي عن القيام بالأمر نفسه في المقر الفرعي لتتحول منصة الرئاسة إلى منصة لتبادل التهم والشتائم، وكاد الأمر أن يتحول إلى تشابك بالأيدي. وانتهى الجدال برفع الجلسة دون انتخاب محكمة دستورية تجاوز آجال تركيزها وفق ما ينص عليه دستور 2014 حوالي 1700 يوما. وظل نواب الحزب الدستوري الحر مرابطين بهذا المبنى أيضا.
لم ينته الأمر عند هذا الحد، حيث اقتحمت عبير موسي رفقة عدد من نواب كتلتها مكتب مدير ديوان رئيس مجلس نواب الشعب الحبيب خذر، لمزيد الضغط على رئيس البرلمان والمطالبة بعدم السماح للمصنفين ضمن التحديد الأمني S17 من الدخول للبرلمان. في حين صرحت موسي بأنها تطالب بحقها كنائب للشعب في الحصول على نسخ من وثائق خاصة بلجنة التحقيق البرلمانية حول شبكات التسفير إلى بؤر التوتر وأصرت على المكوث في المكتب رغم تلويحات بتدخل القوة العامة ومضايقات من نواب كتلة ائتلاف الكرامة والنهضة وتشغيل خذر للسخان في مكتبه في ظل حرارة طبيعية تفوق الـ30 درجة ومساع صلحية من النواب مصطفى بن أحمد وحسونة الناصفي ونسرين العماري ووليد جلاد، واشترطت لفك الاعتصام إصدار قرار رسمي بمنع المشمولين بالإجراء الأمني S17 والمنتمين إلى روابط حماية الثورة في إشارة إلى عضو ائتلاف الكرامة عماد دغيج من دخول البرلمان مجددا.
هذه الفوضى البرلمانية لا تزال متواصلة، ومن الصعب التكهن بنهاية قريبة لها في ظل إصرار عبير موسي على التصعيد، وطريقة تعاطي مكتب المجلس مع الأزمة، وتواصل التجاذبات السياسية بين مختلف الفاعلين الذين تتغير مواقفهم وفق مصالحهم وحساباتهم الحزبية والشخصية الضيقة لا وفق المصلحة العليا للوطن كما يدعون.
من الضروري الإشارة في هذا السياق إلى أن هذه الأحداث تتزامن مع واقع اقتصادي يسير بنسق سلبي ونسبة نمو متوقعة ناقص 6.5- بالمائة، ووضع اجتماعي على حافة الانفجار، ولعلّ احتجاجات الكامور الأخيرة بولاية تطاوين أبرز مثال على ذلك.
iThere are no comments
Add yours