في  17مارس، نشر موقع إذاعة موزاييك خبرا بعنوان ”في صفوفها عسكري معزول: تفكيك خلية إرهابية بالقيروان“، وكلّف ذلك الخبر إيقاف خليفة القاسمي، مراسل الإذاعة الذي كتب الخبر، وإحالة حسين الدبابي، رئيس نشرة الأخبار وأمل مناعي، متربصة بالإذاعة، في حالة سراح على قطب مكافحة الإرهاب، ويواجه الصحفيون الثلاثة تهمة ”إفشاء أو توفير أو نشر معلومات مباشرة أو بواسطة، بأي وسيلة كانت، لفائدة تنظيم أو وفاق إرهابي أو لفائدة أشخاص لهم علاقة بالجرائم الإرهابية بقصد المساعدة على ارتكابها، أو التستر عليها أو الاستفادة منها أو عدم عقاب مرتكبيها“ على معنى الفصل 34 من قانون مكافحة الإرهاب ومنع غسيل الأموال.  ومن حق الصحفي رفض الإفشاء عن مصادره ومن واجبه حمايتها حسب الفصل 11 من المرسوم 115.

تفاصيل الواقعة

أوقف خليفة القاسمي يوم 18 مارس، وتم استجوابه بخصوص الخبر الذي نُشر على موقع موزاييك قبل إيقافه بيوم، والذي حمل إمضاءه، كما طُلب منه مدّ جهات التحقيق بمصدر خبره. يقول المحامي رحال الجلالي الذي ينوب القاسمي، في تصريح لنواة إن قضية القاسمي ليست منفصلة عن قضية ”خلية القيروان الإرهابية“ التي كُشف عنها، بل هي مضمّنة ضمن ملف التحقيق في تلك الخلية.

بعد إيقاف خليفة القاسمي بيوم، تلقت كلّ من أمل المناعي، وهي صحفية متربصة بإذاعة موزاييك، صحبة الممثّل القانوني للإذاعة استدعاء للمثول أمام الفرقة الوطنية لمكافحة الإرهاب بصفتهما ذوَيْ شبهة. فـ”كُلّف“ حسين الدبابي رئيس نشرة الأخبار بالإذاعة بالذهاب. بينما أنه من المفروض أن يمثل الممثل القانوني، أي مدير المؤسسة أو مدير التحرير. وهو ما أكده المحامي رحال الجلالي الذي قال لـنواة ”توجه إستدعاءات فرقة الأبحاث في جرائم الإرهاب عادةً إلى الممثل القانوني. في قضية الحال، مثل رئيس النشرة“.

في الوقت الذي يواجه فيه ثلاثة صحفيين تهما خطيرة، سببها سياسة دولة في التحكم في الإعلام، وضمانات غائبة وسط غرف الأخبار في وسائل الإعلام بما فيها تلك التي أعلنت عن مناهج للتعديل الذاتي من أجل محتوى مهني يحمي الصحفيين من أية خروقات تحريرية محتملة، يعتبر المدير-المؤسس نور الدين بوطار أن إذاعة موزاييك نموذج يحتذى به ويقول إن الإذاعة ”وضعت ميثاقا تحريريا يضبط الحدود المهنية في صياغة وبث الأخبار“.

هيكل تحريري هش

تنتهج السلطة، ومن ورائها رئاسة الجمهورية التي جمّعت كل أجهزة الدولة في قبضتها، سياسة واضحة لاستهداف حرية الصحافة. في قضية صحفيي إذاعة موزاييك أف أم، الحسم واضح في تجاوز فادح ارتكبته وزارة الداخلية وقاضي التحقيق في قطب مكافحة الإرهاب. غير أن الحديث عن مسؤولية الإذاعة، لم يبارح الأوساط الإعلامية، فتكفي متابعة مسار القضية من الأول لتبيّن هشاشة الوضع في قاعة التحرير.

يقول عبد السلام الزبيدي، مدير تحرير الإذاعة، في تصريح لـنواة إن عملية التثبت من الأخبار  هي ”سلسلة تبدأ حلقتها الأولى من الصحفي الذي يكتب الخبر لتصل إلى غرفة الأخبار حيث يُناقش ذلك الخبر في حال وجود خلاف بخصوصه، ويستشار مدير التحرير قبل النشر وإذا ظل الخلاف قائما يُستشار مدير الإذاعة للاستئناس برأيه بصفته صحفيا ذا خبرة طويلة“.

يفسر الزبيدي مراحل نشر الأخبار في موقع موزاييك، ويقول إن

نشر الأخبار غالبا ما يخضع إلى تدقيق واستشارة مدير التحرير خاصة الأخبار الحساسة، في حين تعطى مساحة تقديريّة لصحفيي الموقع في الأخبار العادية، وتحال بقية المواضيع لاستشارة رئيس قسم الويب في الإذاعة، الذي يضطلع بمهمة تقنية بالأساس. ويُستشار مدير التحرير وفي بعض الأحيان المدير العام للإذاعة في بعض الأخبار أو المقالات قبل نشرها.

وفي قضية نشر خبر ”تفكيك خلية إرهابية في القيروان“ وجد ثلاثة صحفيين أنفسهم في مواجهة تهم إرهابية، بسبب غياب ”الاستشارة“. فالصحفية المتربصة أمل مناعي مثُلت للتحقيق، رغم أنها حلقة خفية في عملية النشر، وهو ما يعني أنها أصبحت طرفا في القضية بعد الإدلاء باسمها في التحقيق. أما رئيس نشرة الأخبار حسين الدبابي، فقد اضطلع بمهمة مؤقتة للإشراف على التحرير بسبب خروج مدير تحرير الأخبار والموقع في إجازة مدة ثلاثة أشهر. شغور يطرح تساؤلات عديدة حول جدية تعامل أعرق الإذاعات الخاصة في تونس وأكثرها متابعةً مع الأخبار. إذ يقتضي العمل الصحفي، خاصةً في مؤسسة تبث على المستوى الوطني إنتاجاً غزيراً، رئيس تحرير متفرغ ومساعدين ورؤساء نشرات إخبارية على مدار الساعة. هذا على الأقل بالنظر إلى التجارب المقارنة إقليمياً ودولياً. يقول بوطار، المدير العام لموزاييك، تعليقا على سبب شغور منصب رئيس التحرير في الموقع

لا يوجد منصب رئيس تحرير في الموقع فلا نحتاج ذلك المنصب لأن نفس الأخبار في الإذاعة تنشر في الموقع.

ينص الفصل 65 من المرسوم عدد 115 لسنة 2011 المتعلّق بحرية الصحافة والطباعة والنشر على ما يلي:

يعاقب بصفة فاعلين أصليين بالعقوبات التي تستوجبها الجرائم المنصوص عليها بهذا المرسوم. أوّلا : مديرو الدوريات أو الناشرون مهما كانت مهنهم أو صفاتهم، ثانيا : عند عدم وجود من ذكر، المؤلفون.

في غياب صحفيين مؤهلين للتأطير والإشراف، تختلط الأوراق وتجد متربصة نفسها في وضع مساءلة أمنية وقضائية. يقول نور الدين بوطار لـنواة:

مدير التحرير هو المسؤول عن التحرير، وفي إذاعتنا التحرير مستقل عن الإدارة. أمّا عمل المراسلين فيتبع سلسلة واضحة وهي إرسال الخبر لنشرة الأخبار ولفريق التحرير في الموقع، ولا ينشر الموقع كل الأخبار فيُستشار مدير التحرير في بعض الحالات قبل النشر. لنا ثقة كبيرة في الصحفيين العاملين في الإذاعة في عملية نشر الأخبار لأننا قمنا بتكوينهم على التثبت من الخبر قبل نشره، كما أننا أنجزنا ميثاق تحرير لتوجيههم.

ينص الفصل الثاني والثالث من ميثاق تحرير إذاعة موزاييك على أن الإذاعة تعمل على نشر الخبر ”دون رقابة أو قيود بشرط عدم تعارضه مع قوانين الدولة التونسية والمواثيق الدولية. وتعمل موزاييك أف أم على أن تكون السباقة في بث الخبر وتعتبر الدقة والتحري والتثبت في الخبر وحسن صياغته أكثر أهمية من السرعة في بثه أو نشره على  موقع الويب“. لكن الممارسة تختلف في بعض الأحيان عن المأمول نظرياً وتبقى المدونات حبراً على ورق.

يجني الصحفيون نتائج سياسة دولة قامعة لحرية الصحافة من جهة، ووضعية هشة داخل غرف التحرير من جهة أخرى. فحسب تقرير ”واقع حريات الإعلام في تونس“ نشرته النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين في أفريل 2021، أحيل  18صحفيا خارج إطار المرسوم عدد 115، في الوقت الذي لا توفر فيه المؤسسات الإعلامية مدونات مهنية وأطر وحماية تمثل ضمانات للصحفيين العاملين فيها، وخاصة مراسليها في الجهات.