يقول محمد الولهازي، مدير تحرير مجلة ”أمين“، وهو موظف في الشرطة البلدية تفرّغ للإشراف على هذه النشرية حسب تصريحه لموقع نواة، إن المجلة شهرية تصدر بين 15 ألف و20 ألف نسخة، يتمّ توزيعها على 80 مدرسة. ويضيف ”انطلقت الفكرة من شعار أطفال ضد الإرهاب، ومن ضمن أهدافها تصحيح العلاقة بين الجيل الجديد والشرطي“.

محتوى دعائي للشرطة وللرئاسة

لا تحدد مجلة ”أمين“ التي تصدرها نقابة موظّفي الإدارة العامة لوحدات التدخّل الفئة العمرية للأطفال الذين تتوجه لهم المجلة، وهو ما يجعلها بين يدَيْ الأطفال المتراوحة أعمارهم بين 6 سنوات و12 عاما، بما أن المدارس الابتدائية هي نقاط البيع الأساسية التي تعتمدها. لكنّ المتصفح لعدد أفريل-ماي 2022، يستوقفه محتوى يتضمن رسائل سياسية لا يمكن أن يتلاءم مع الأطفال.
فقبل 3 أشهر من موعد الاستفتاء على الدستور الأخير للبلاد، نشرت المجلة في ركن ”موسوعة“ صفحتَين كاملتَين عن تعريف رئيس الجمهورية في تونس، ولخّصت مهامّه في الإعلان عن الحرب أو السلم و”اتخاذ التدابير الاستثنائية وفق ما يحتّمه الفصل 80 من الدستور“. وتحدثت المجلة في ذلك الركن بالتفصيل عن الفصل 80 من دستور 2014 الّذي ألغاه الرئيس، إضافة إلى الفصل 82 منه، الذي ينص على ”أنه من حق رئيس الجمهورية أن يعرض على الاستفتاء الشعبي مشاريع القوانين المتعلقة بالموافقة على المعاهدات أو الحريات وحقوق الانسان أو بالأحوال الشخصية“.
يقول مهيار حمادي المندوب العام لحماية الطفولة في تونس، في تصريح لموقع نواة معلقا على محتوى بعض أعداد مجلة ”أمين“:

أدعم أي محتوى يثري فكر الطفل وثقافته والبعد الذي يعزّز حقوق الطفل المنصوص عليه بمجلة حقوق الطفل، مثل زرع روح التآخي والتسامح والمساواة. لكن لا أعتقد أن المحتوى الدعائي لأسلاك الشرطة أو لرئاسة الجمهورية هو مادة مهمة للطفل، خاصة أنه لم يتمّ تحديد العمر الذي تستهدفه المجلة. فالمادة يجب أن تكون مدروسة وفق سن الطفل حتى لا يكون هدفا تجاريا، مثلما تضمّنه عدد مارس- أفريل 2021 من المجلّة، الذي تزيّن غلافه الخلفي صفحة إشهارية لعلامة تجارية للملابس.

تتضمّن كل نسخ المجلة التي اطلعت عليها نواة قصصًا دعائية لفرقة مكافحة الإرهاب، كما تروّج تلك القصص روايات مجانبة للحقيقة عن دور الشرطة خاصة في فترة انتشار وباء كورونا. ففي قصّة نُشرت في عدد سبتمبر-أكتوبر 2020، تُظهر الشرطة ”البطل الأوحد لمحاربة الوباء“. وجاء في جزء من تلك القصة: ”ركضت لأتبين الحكاية من نافذتي فرأيت رجال الأمن مدججين بسياراتهم ومدرعاتهم يرشون الطرقات بخراطيم عملاقة برذاذ يعم المكان وتنبعث من مكبرات الصوت عبارات القائد: يا أهل حينا رجاء الزموا بيوتكم لا تعرضوا أنفسكم للتهلكة رجاء سنحميكم ونؤمّن لكم كل شيء سنفديكم بأرواحنا“.

ولكنّ التدابير الوقائية بادرت بها الجماعات المحليّة، في حين كان تعامل الشرطة ردعيًّا من خلال تعنيف عدد من المتجوّلين في شوارع العاصمة في مارس 2020 عندما تمّ إقرار الحجر الصحّي الشّامل. لم تمرّ سوى ستة أشهر على نشر تلك القصة حتى تسببت الشرطة في مقتل الشاب عبد السلام زيان في أواخر شهر مارس في العام 2021، بعد إيقافه صحبة شقيقه بتهمة خرق حظر التجول الذي فرضته البلاد آنذاك بسبب وباء كوفيد 19.

أخطاء وبروباغندا بوليسية

تضمنت أعداد من مجلة أمين أخطاء في اللغة والتاريخ. ففي عدد أفريل- ماي 2022، تضمن نصّ نُشر في الصفحة 14 من العدد ثلاثة أخطاء في الإعراب، وجاء في النصّ ”تعد إفريقيا موطنِ الغزلانِ“ وهو خطأ في إعراب موطن الذي يجب أن يكون منصوبا لا مجرورا. وفي النص ذاته، ورد خطأ آخر في الإعراب في جملة ”وجد معظم أنواعُ الغزلان في قارة آسيا“، والصحيح أن ما يلي لفظ ”معظم“ يجب أن يكون مجرورا. وتكرر خطأ الإعراب في النص ذاته حيث ورد فيه ”لكن يتخذ الغزالُ البورُ الأوروبيٍّ“ في حين أن الإعراب الصحيح هو ”الأوروبيُّ“.
لم يكتف عدد ماي- أفريل لسنة 2022 بتسريب أخطاء لغوية لأطفال ما يزالون في مرحلة مبكرة من التعلم، بل بثت رسائل دعائية تتطابق مع بروباغندا وزارة الداخلية، في قصص أبطالها الخارقين الذين غالبا ما يكونون عناصر شرطة.

ففي قصة ”أمونة“ البطلة الخارقة -وهو اقتباس يمكن أن يحيل إلى شرطية معروفة لدى سائقي التاكسي وسط العاصمة الذين يتجنبون المرور حيث تعمل-تقول ”البطلة الخارقة“ التي تتحول إلى نسر: ”الطائرة المُسيَّرة أو ‘الدرون’ هي طائرة توجّه عن بعد وتبرمج مسبقا لطريق تسلكه وقد تستعمل في مخالفة القانون“. وتستجيب لتنبيه زميلتها الشرطية ”أمونة“: ”بلاء من الهواء.. سنصده في السماء“ ثم تصيح أمونة التي تحوّلت إلى نسر: ”مكانكما يا صاحبَيْ ‘الدرون’ ما طار درون وارتفع إلا بين يدي أمونة وقع“.

وفي هذه القصّة إسقاط لما يحدث حقيقةً، إذ تمنع وزارة الداخلية استعمال طائرات الدرون، وتقدم تراخيص لعدد محدود جدا لمنتجي الأفلام أو المضامين الفنية والصحفية، وتروّج للأطفال قصة مضلّلة عن الطائرات المسيَّرة عن بعد وتعتبرها خطرا على أمن البلاد.

في 17 جوان، نشرت الصفحة الخاصة بمجلة ”أمين“ حكاية من أحد أعداد المجلة بعنوان ”أرض الأُسُود“، يظهر فيها الأسد بزي شرطي بجانبه ثعلب يرتجف خوفًا، وتبدأ القصة كالآتي: ”في حديث الزمان قذفت موجة عاتية ثعلبا كان يمتطي عوامة خشبا فألقته نحو شاطئ الجزيرة البعيدة“. وتحيل شخصية الثعلب في القصة على مهاجر غير نظاميّ وصل إلى أرض ملوكها من الشرطة. ويسرد كاتب القصة اختباء الثعلب الذي وصل بحرا في أكمة واستعادته لصحته بعد أن شبع من خيرات الجزيرة، حتى أنه أرسل رسالة عبر البحر يدعو فيها الذئب للقدوم إلى الجزيرة، غير أنّ الأسد الشرطيّ وقف أمامه وسأله وهو يزأر ”ماذا تفعل أيها الغريب المتسلل؟“ فأجابه الثعلب ”أنا ناج من الغرق أطلب الأمن وبعض الرزق“. فقاطعه الأسد قائلا ”اصمت أيها الكذاب يا خادم الذئاب، رسالتك قد تغرق في الماء. هذه الأرض أمنها منيع، أسودها بالمرصاد لكل ذئب أو قطيع فالمتسلل إلى أرض الأسود مفقود أيها الثعلب مفقود“.

يقول رمضان بن عمر، الناشط في مجال قضايا الهجرة في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، معلقا عن القصة في تصريح لـنواة:

من الخطير أن تنشر مجلة موجهة للطفل محتوى دون الاستناد إلى مختصين في علم نفس الطفل، ورسائل القصة التي نشرتها المجلة المذكورة هي جزء من الممارسات العنصرية والتنميط ضد الآخر، وخاصة المهاجرين غير النظاميين، إذ يستبطن الأغلبية أن وجود المهاجرين في تونس هو خطر على التونسيين يندرج في إطار مؤامرة. هناك موجة كبيرة من الكراهية وتنميط لصورة المهاجرين بصفتهم غزاة، ولذلك وجب أن يتم التعامل معهم بقبضة أمنية.

ويضيف بن عمر: ”تتبنى المؤسسة الأمنية في صفحات النقابات التي تمثلها صورًا نمطيّة يوصم بها المهاجرون غير النظاميين، حيث تقدّم المهاجر في صورة دخيل ومجرم يمثّل خطرًا على البنية المجتمعية. هذه القصة جزء من خطاب الكراهية الذي تروّج له الكتب الموازية والتي تفتقر لأية متابعة.“

في الواقع، لم تكتف مجلة أمين ببثّ ذلك المضمون في عدد أفريل- ماي الماضي، فقد سبق أن لمّحت إلى تجريم الاحتجاج والخروج عن القائد في قصة العصافير المهاجرة، والتي كان فيها مصير العصافير المهاجرة التي احتجّت على مواصلة الرحلة وراء قائدها، الموت غرقا في البحر. ومجّدت تلك القصة مصير العصافير التي استقرت في بلد شمال إفريقيا والتي يقول قائدها ”لقد تكبدنا مشقة الأسفار والأخطار لننعم بالغداء والماء والهواء ولكن الأهم لننعم بالأمن فبفضله نضمن البقاء“.

في عدد آخر، خصّص ركن خاص بالفتيات نصائح لهن لاختيار فساتين حتى تبدو أجسادهنّ جميلة وحتى لا تظهر عيوبها بسبب نحافتها أو بدانتها، وهو تنمر ضمني إزاء النحيفات أو البدينات على حد السواء.
يقول مهيار حمادي المندوب العام للطفولة لموقع نواة:

ترويج الصورة النمطية للجسد المثالي هو ضرب لمصلحة الطفل كما هو الشأن بالنسبة إلى التنمر حين أورد عدد من المجلة في قصة البطلة الخارقة جملة ”هيا طيرا في الفضاء بلا حزام أمان أيها القزمان“،

ومن المتوقع أن تتلقى وزارة التربية تنبيها من مندوب الطفولة بخصوص التجاوزات المذكورة في المجلة.

غفلة وزارة التربية

رغم تكرر الأخطاء اللغوية والتاريخية والرسائل السلبية، جددت وزارة التربية ترخيصها لنقابة موظّفي الإدارة العامة لوحدات التدخّل لترويج المجلة في ثمانين مدرسة، مقابل أرباح بعشرين بالمائة للمدرسة الواحدة، وفق تصريح محمد الولهازي مدير تحرير المجلة.
يقول رياض بوبكر، مدير عام البرامج في وزارة التربية في تصريح لنواة، إن وزارة التربية تقدم ترخيصا لكل عدد على حدة، في حين أن الترخيص الذي مدّت به المجلة موقع نواة والذي ينص على أن وزير التربية يرخص لمجلة أمين بتوزيع أعدادها في المدارس خلال السنة الدراسية 2021-2022، وهو ما يتناقض مع ما صرّح به مدير عام البرامج في الوزارة.

في العام 2019، اقترح مهيار حمادي مندوب الطفولة إحداث لجنة متكونة من ممثلين عن وزارة الثقافة ووزارة المرأة والطفولة ووزارة التربية من أجل فحص الكتابة الإبداعية الموجهة للطفل وتوجيهها ووضع معايير ذات بعد بيداغوجي ولغوي، إضافة إلى معايير قيمية أخرى مثل التسامح والمساواة. لكن بقي المقترح معلقا في ظل تغيّر الحكومات.
يقول حمادي في تصريح لنواة: ”لا توجد رقابة على المحتوى الموجه للطفل بما يضمن تكوينه الصلب، ومن الضروري أن تعجّل وزارة التربية بالمصادقة على تكوين لجنة بيداغوجية تفحص المنشورات استنادا إلى مصلحة الطفل الفضلى“.

انتهاك خصوصية الطفل على وسائل التواصل الاجتماعي

نبهت الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية في بلاغ نشرته الأسبوع الماضي، الهياكل العمومية والخاصة ووسائل الإعلام من خرق فصول القانون عدد 63 لسنة 2004 المتعلق بحماية المعطيات الشخصية، من خلال نشر ومعالجة صور الأطفال، والذي ينطبق فيه تحجير النشر على أولياء الأطفال أنفسهم.

ينص الفصل 28 من القانون الأساسي عدد 63 لسنة 2004 على أنه ”لا يمكن معالجة معطيات شخصية متعلقة بطفل إلا بعد الحصول على موافقة وليه وإذن قاضي الأسرة“، ويُعاقب بالسجن مدة عامين وبخطية قدرها 10 آلاف دينار كل من يخالف أحكام ذلك الفصل. رغم ذلك، سمحت الوزارة لنقابة موظّفي الإدارة العامة لوحدات التدخّل بتصوير التلاميذ داخل المدارس وتنزيل صورهم على صفحة النقابة دون تغطية ملامحهم، وذلك خلال الحملات الترويجية لبيع المجلة، وهو ما يُعد جريمة ارتكبتها كل من الوزارة والنقابة.
ويكفي تصفح سريع لصور صفحة المجلة على الفيسبوك للوقوف على حجم المهزلة؛ تشكيلات مختلفة من أسلاك الشرطة، بعضها ملثم مدجج بالأسلحة مرفوق بكلاب بوليسية، تلتقط الصور مع أطفال المدارس داخل أسوارها. الأدهى من ذلك أن كل هذه الصور التقطت بحضور معلمين ومندوبي التربية الجهويين وحتى الولاة، على غرار ولاة صفاقس وأريانة وبن عروس… لن نكشف مفاجأة حين نضيف أن أيا من هذه الصور احترمت حقوق الأطفال وخصوصياتهم، بل ظهر الأطفال بوجوه مكشوفة إلى جانب قوات مسلحة والأخطر من ذلك أن جهة ”مسؤولة“ وفرت بدلات شرطة ووحدات تدخل مصغرة ارتداها أطفال المدارس ببراءة تحت أنظار الولاة ومندوبي التربية والتعليم إضافة لإطارات التدريس والإداريين.

تجاوزات وأخطاء بالجملة، مضامين لا تتناسب مع ما يحتاجه الأطفال من تأطير ومرافقة بيداغوجية ونفسية، مقابل تغاض وتساهل غريبَين من وزارات الإشراف. فالمجلة التي توزع داخل المدارس وعدد من المكتبات والفضاءات التجارية الكبرى، تعمل على تطبيع الناشئة مع واقع دولة البوليس الخارقة. ففي الوقت الذي يذيع فيه صيت نقابات البوليس في انتهاك كرامة المواطنين وعدم الامتثال للقانون والأحكام القضائية، لا تجد سلط الإشراف حرجا في منح إحدى هذه النقابات ترخيصا لإنتاج مضامين موجهة لشباب الغد. فأي إضافة بيداغوجية تحملها للأطفال صور الأسلحة ومدرعات الشرطة التي لا تغيب عن كل أعداد المجلة؟ وأي ابداع ننتظره من جيل يجبل على السمع والطاعة والمنع والتخويف؟ هل طبعنا مع الأخطاء اللغوية في كتب ومجلات الأطفال؟ وهل كتب علينا ألا تتحرك الدولة ضد تجاوزات مادامت لم تطل رئيس الجمهورية؟
جزء من الإجابة وجدناه في الأعداد المتفرقة من هذه المجلة، إلى جانب نشريات أخرى موجهة للناشئة لا تخلو من أخطاء كارثية، سبق وأن كانت موضوع مراسلات تنبيهية من مندوب حماية الطفولة، إلا أن أغلبها مازال يتداول في المحلات التجارية بمضامين تهدد التكوين النفسي السليم للأطفال.