بعد أن طالت مدة انتظار العائلة، قررت مهدية المرزوقي الدخول في إضراب عن الطعام خاصة أنها طلبت مقابلة الملحق الاجتماعي في السفارة التونسية بالمملكة منذ أكثر من أسبوعين، غير أنه لم يلبّ طلبها. وقال شقيقها نضال المرزوقي لنواة إن العائلة ستتحرك من جديد من أجل حث السلطات التونسية على الإسراع بحلّ الملف. ويضيف:
لم تتفاعل وزارة الخارجية مع ملف شقيقتي إلّا حين نفذنا وقفة احتجاجية وبعد أن نشرت وسائل الإعلام قصة مهدية، لذلك سوف نقوم بتحرك جديد.
وبالتوازي مع تحرك عائلة مهدية المرزوقي، سعت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان للضغط على وزارة الخارجية من أجل التدخل. بسام الطريفي رئيس الرابطة أفاد في تصريح لنواة إن المنظمة شاركت في الوقفة الاحتجاجية التي نفذتها العائلة في نوفمبر الماضي، وإنّها قابلت في اليوم ذاته مسؤولين من الوزارة لمناقشة إمكانية وجود حلول ديبلوماسية لقضية الطبيبة التونسية. ويضيف الطريفي:
موقف الرابطة من الملف واضح وهو أن الحكم بالسجن على المواطنة التونسية هو انتهاك صارخ لحرية التعبير وهو يمس كل التونسيين، لذلك على الدولة التونسية أن تتحرك بجدية لحل هذا الملف نهائيا.
تفاصيل القضيّة
وُجّهت للطبيبة التونسيّة تهمة التعدي على نظام الدولة والإشادة بالإرهاب، حسب قانون المملكة العربية السعودية. وهي الآن تواجه مصيرا مجهولا بعد إيداعها سجن أبها قبل قرابة ثلاث سنوات.
لا تعلم العائلة التي احتجت على هذا الحكم القضائي الثقيل، مآل مطلب العفو الذي سيمضيه الرئيس قيس سعيد قبل إرساله إلى المملكة العربية السعودية، ولا إن كان سيُجدي نفعا لتنال مهدية حريتها. ولكن يبدو أن رئاسة الجمهورية خيّرت عدم إمضاء مطلب العفو بسبب “عدم إمكانية وجود منفذ قانوني يتيح لرئيس الدولة إمضاء طلب العفو الملكي” حسب ، حسب مصدر حقوقي متابعٍ للملف. ومن جهتها، لم تجب وزارة الخارجية التونسية عن استفسار نواة بخصوص مآل طلب العفو الذي نصحت الوزارة عائلة مهدية بتقديمه إلى رئاسة الجمهورية رغم علمها بصعوبة إمضائه. علماً أن وفقا للأعراف الديبلوماسية، فإن الطلبات الخاصة بحل بعض ملفات رعايا الدول يطرحها وزراء خارجية الدول المعنية على هامش لقاءاتهم الرسمية.
قصة مهدية المرزوقي بدأت آخر شهر جويلية سنة 2020. يقول شقيقها نضال في تصريح لموقع نواة إن آخر اتصال بين شقيقته وبين عائلتها كان يوم 25 جويلية 2020، وبعد أيام قليلة قال لهم بعض أصدقائها إنّها تعرّضت للإيقاف، ويضيف نضال:
لم يبلغنا خبر اعتقال شقيقتي عن طريق القنصلية التونسية التي من المفترض أن تبلغنا فور اعتقالها، لكن علمنا بالخبر عن طريق بعض أصدقائها. وتبيّن أن سبب سجنها كان وضع علامة إعجاب وإعادة نشر فيديو لمظاهرة في تونس داعمة لحزب الله اللبناني.
قنصلية بلا جدوى
بدأ مسار التحقيق مع مهدية المرزوقي فور اعتقالها، ودام التحقيق معها عاما كاملا حسب شقيقها نضال، ثمّ عيّنت لها المحكمة في السعودية محاميا. وبعد ستة أشهر من المحاكمة وهي في حالة إيقاف، نالت مهدية المرزوقي حكما بالسجن مدة ثلاث سنوات ونصف في جانفي 2022، وهو حكم لم يُرض العائلة فقررت استئنافه من أجل أن تنال مهدية حريتها. غير أنه في سبتمبر الماضي أقرت المحكمة خلال جلسة النقض حكما بالسجن 15 عاما كاملة. يقول نضال لنواة:
تلقينا ذلك الخبر بصدمة كبيرة. فشقيقتي ليس لها أي انتماء سياسي ومشاركتها فيديو مظاهرة مساندة لحزب الله في تونس كان عن حسن نية لا بسبب خلفية سياسية. هذا الحكم جائر، ولا نملك أية حيلة من أجل حرية شقيقتي سوى الضغط على وزارة الخارجية من أجل التدخل.
لم تتمكن عائلة الطبيبة التونسية من الحصول على ملف الحكم الجديد، مُتّهمةً وزارة الخارجية بالتباطؤ في ملف مهدية. يقول نضال المرزوقي:
لم تتفاعل وزارة الخارجية التونسية مع ملف شقيقتي إلا بعد أن تحدثت وسائل إعلام تونسية وأجنبية عن القضية، وبعد قيامنا بوقفة احتجاجية أمام مقرها. ولم يكن القنصل التونسي السابق في المملكة يتابع ملف مهدية، أما القنصل الجديد فقد زارها مرة واحدة في السجن في نوفمبر الماضي لتفقد ظروف سجنها وأخبر العائلة أنها بخير.
تتابع ليلى المرزوقي شقيقة الطبيبة التونسية المسجونة في السعودية، ملف شقيقتها بالتواصل مع وزارة الخارجية. وتقول في تصريح لنواة إنها قابلت القنصل رشيد الرزقي في ديسمبر الماضي:
قبل لقائي القنصل، حررنا رسالة عفو رئاسي يوم 16 نوفمبر الماضي، بعد أن نصحتنا وزارة الخارجية بذلك، وتكفلت بإيصالها إلى رئيس الجمهورية من أجل إمضائها وإرسالها إلى الجهات الرسمية السعودية. لكننا لا نعلم مصير تلك الرسالة: هل أمضاها الرئيس؟ وهل وصلت إلى الجهات السعودية؟ كل ما بلغنا هو أن الرئيس كلّف الملحق القانوني بوزارة الخارجية بمتابعة القضية، ولم تجبنا وزارة الخارجية بخصوص زيارة سعيد الأخيرة إلى السعودية في ديسمبر الماضي وما إذا كان قد طرح القضية على ولي العهد السعودي أم لا.
مصلحة الدولة فوق الجميع
توصد رئاسة الجمهورية الأبواب أمام أي سائل يطرقها للاستفسار عن قضية تهم الشأن العام. لذلك كان من العسير الحصول على جواب بخصوص مسار رسالة العفو التي من المفترض أن يختمها الرئيس قيس سعيد قبل إرسالها إلى السلطات السعودية، من أجل تبيّن جدية المساعي التي تقوم بها الديبلوماسية التونسية في تلك القضية. لكن ليس من الصعب التنبؤ بمطبّين قد يجعلان تلك المساعي مجرّد مسكّن لغضب العائلة بعد أن أصبحت قضية مهدية المرزوقي حديث الصحافة العالمية. فقضية حزب الله هي الجمرة التي لا يمكن الاقتراب منها ولا إطفاؤها، وهو حكم المصالح الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، كما أن تونس لا تملك أية ورقة قيّمة للضغط على المملكة العربية السعودية في قضية الطبيبة التونسية. بل أكثر من ذلك، تمثّل المساعدات المالية التي يمكن أن تقدمها السعودية الجزرة التي يلاحقها سعيّد من أجل تخفيف ضغط الأزمة الاقتصادية التي تعيشها تونس.
يوم 2 مارس 2016، تلا مجلس وزراء الداخلية العرب الذي انعقد في تونس بيانه الختامي لدورته الثالثة والثلاثين، وجاء في إحدى نقاطه “إدانته وشجبه للممارسات والأعمال الخطرة التي يقوم بها حزب الله الإرهابي لزعزعة الأمن والسلم الاجتماعي في بعض الدول العربية”. وقّعت تونس آنذاك على البيان، رغم أنها حاولت تبريره بعد موجة استنكار من قبل أحزاب ومنظمات، بالقول إن البيان لم يصنف حزب الله باعتباره تنظيما إرهابيا، مضيفة أنّ البيان ليس إلزاميا وأن تونس وقعت عليه حتى لا تخرج عن الإجماع العربي.
ومن المعلوم أن الدول الخليجية ضغطت من أجل تصنيف حزب الله اللبناني باعتباره تنظيما إرهابيا في البيان الختامي، مثلما وصفت جماعة الحوثي المدعومة من إيران أيضا بالإرهابية. اليوم تقع السلطة في تونس تحت طائل ضغوط من نوع آخر، بعد أن سطّر قيس سعيد تحالفات تونس الجديدة من جهة الشرق مع مصر والمملكة العربية السعودية التي يراهن على إسنادها المالي، حتى أن وزارة الشؤون الخارجية كانت قد عبّرت منتصف أكتوبر الماضي عن دعمها موقف المملكة العربية السعودية قرار خفض إنتاج النفط، وهو قرار أغضب الولايات المتحدة الأمريكية التي تراهن عليها تونس بدورها في علاقة بالمفاوضات مع صندوق النقد الدولي من أجل إسناد القرض الأخير.
وفي أخر جانفي العام الماضي، تحدثت تقارير إعلامية عن طلب الولايات المتحدة الأمريكية من المملكة العربية السعودية والإمارات عدم تقديم قروض أو مساعدات لتونس خلال العام 2022. وحسب موقع منصة المساعدات السعودية الرسمية، فقد قدمت المملكة العربية السعودية مساعدات لتونس في 24 مناسبة منذ العام 1975. وبلغت قيمة تلك المساعدات قرابة 1.688 مليار دولار، توجهت 29% منها لدعم الميزانية. وتحصلت تونس على أعلى تمويل سنة 2019، بلغت قيمته أكثر من 560 مليون دولار، مقابل 138 ألف دولار فقط سنة 2022، وهو ثاني أضعف تمويل بعد حصولها سنة 2014 على 13 ألف دولار.
قد تضحّي تونس بمصير أحد حاملي جنسيتها مقابل حفظ العلاقات مع دول ترتبط معها بمصالح إيديولوجية أو اقتصادية، مثلما حصل في قضية الصحفي محمود بوناب الذي احتجزته قطر طيلة 4 سنوات منذ 2011. ويتجاوز تقصير الدولة تجاه مواطنيها حدودها الجغرافية ليحط في أراض أخرى. فالسفارة التونسية في السعودية واجهت تشكيكا في جدية تعاملها مع التونسيين العالقين هناك خلال أزمة كوفيد. وضع أقل تعقيدا من قضية الحال، رغم أن حزب الله سمح له بالاحتفاظ بسلاحه، على اعتباره رمزا للمقاومة، بعد نزع سلاح الميليشيات اللبنانية الأخرى خلال اتفاق الطائف الذي رعته السعودية.
test